قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، متحدثا حول أحداث عام 1915، المتعلقة بمزاعم تعرض أرمن الأناضول إلى إبادة وتهجير على يد الدولة العثمانية، أثناء الحرب العالمية الأولى: "على الأتراك والأرمن حل هذه المسألة سويا، من السهل إقناع البرلمانات وإقرار مشاريع القرارات، ولكن ذلك لا يساعد في حل المشاكل". جاء ذلك خلال كلمته في مؤتمر "دور تركيا في شرق أوسط مضطرب"، الذي نظمته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن أكد فيها على تمسك بلاده بتطبيع العلاقات مع أرمينيا، ومواصلة بذل الجهود في هذا الإطار. وأضاف جاويش أوغلو "يعيش في تركيا حوالي 40 ألف مواطن من أصل أرمني، يتمتعون بكامل الحقوق، وهناك مرشحان منهم في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في السابع من يونيو المقبل، أحدهم من حزب العدالة والتنمية (الحاكم)". ولفت جاويش أوغلو إلى أن تركيا منحقت الأقليات الدينية حقوقها، بما في ذلك إعادة الأملاك، ورممت أماكن العبادة، ومنها كنيسة آق دامار الأثرية بولاية وان، جنوب شرق تركيا، حيث يقيم فيها الأرمن قداسا في كل عام، فضلا عن أن تركيا فتحت أبوابها لحوالي 40 ألف مواطن أرميني غادروا بلادهم بسبب البطالة وضعف الاقتصاد. وذكّر جاويش أوغلو أن بلاده عرضت على أرمينيا تشكيل لجنة مشتركة من العلماء والمؤرخين لتناول أحداث عام 1915، كما لم تمانع في مشاركة طرف ثالث وأكدت مرارا التزامها بفتح أرشيفها أمام اللجنة والقرارات الصادرة عنها. ما الذي حدث في 1915؟ تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914. وعندما احتل الجيش الروسي، شرقي الأناضول، لقي دعمًا كبيرًا من المتطوعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي. وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي. وسعيا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 أبريل من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادة الأرمنية" المزعومة، في كل عام. وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو ، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية. ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الانسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة. وتؤكد الوثائق التاريخية، عدم تعمد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأساوية، بل على العكس، لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى إعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، رغم عدم وضع الحرب أوزارها. وعقب انسحاب روسيا من الحرب جراء الثورة البلشفية عام 1917 تركت المنطقة للعصابات الأرمنية، التي حصلت على الأسلحة والعتاد الذي خلفه الجيش الروسي وراءه، واستخدمتها في احتلال العديد من التجمعات السكنية العثمانية. وبموجب معاهدة سيفر التي اضطرت الدولة العثمانية على توقيعها، تم فرض تأسيس دولة أرمنية شرقي الأناضول، إلا أن المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ، ما دفع الوحدات الأرمنية إلى إعادة احتلال شرقي الأناضول، وفي ديسمبر 1920 جرى دحر تلك الوحدات، ورسم الحدود الحالية بين تركياوأرمينيا لاحقًا، بموجب معاهدة غومرو، إلا أنه تعذر تطبيق المعاهدة بسبب كون أرمينيا جزءًا من روسيا في تلك الفترة، ومن ثم جرى قبول المواد الواردة في المعاهدة عبر معاهدة موسكو الموقعة 1921، واتفاقية قارص الموقعة مع أذربيجانوأرمينيا، وجورجيا، لكن أرمينيا أعلنت عدم اعترافها باتفاقية قارص، عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، عام 1991. وتؤكد تركيا عدم إمكانية اطلاق صفة الإبادة العرقية على أحداث 1915، بل تصفها ب"المأساة" لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيدًا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة" الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الطرف الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف. كما تقترح تركيا القيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراكا وأرمن، وخبراء دوليين.