قوى إقليمية تعد مبادرة لتطبيع الأوضاع مقابل دمج الحوثيين بموافقة سعودية برزت مؤشرات قوية على احتمالية حدوث تسوية سياسية قريبًا في اليمن، تزامنًا مع دخول عملية "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية أسبوعها الرابع، وذلك مع بدء المقاتلين الحوثيين سحب بعض أسلحتهم الثقيلة من العاصمة "صنعاء" ومدينتي "تعز" و"الحديدة" وإعادتها إلى معقلهم في "صعدة"، في ظل المساعي الرامية إلى إنهاء القصف الجوى المستمر على قواتها وأهداف تابعة للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وسبق هذه الخطوة الحديث عن تسوية للأزمة اليمنية يجرى طبخها على نار هادئة في عدة عواصم عربية، وبتحركات مكثفة من مقربين ل "صالح"، بدأت أولى خطواتها بإعلان الرئيس عبدربه منصور هادى تعيين رئيس الوزراء خالد بحاح، نائبًا للرئيس واحتفاظه بمنصبه التنفيذي، استجابة لرغبة القوى السياسية في اليمن التي تنظر للرئيس الحالي على أنه طرف في الأزمة التي تمر بها البلاد، فضلاً عما يتردد عن اعتلال وضعه الصحي وإجرائه لعملية قلب مفتوح وطلب إعفائه من منصبه عدة مرات. وأفادت مصادر دبلوماسية، أن "السعودية تبدى رفضًا حاسمًا لتنحي هادي في هذا التوقيت، باعتباره ممثلاً للشرعية اليمنية التي أفرزتها المبادرة الخليجية، فضلاً عن أنه الداعم الأكبر لعملية "عاصفة الحزم" التي قادتها المملكة استجابة لدعوته، ومن ثم تفضل الرياض ترتيب الأوراق في الداخل اليمنى قبل التفكير في تغييب هادي عن الساحة، وإلا اعتبر ذلك تنازلاً للحوثيين وصالح وأنصاره وهو ما ترفضه جملة وتفصيلاً". وتتضمن التسوية المقترحة لحل الأزمة "انسحاب الحوثيين من المناطق التي تمددوا فيها، وتسليم المعسكرات والأسلحة للجيش اليمنى والسماح لهم بتشكيل حزب سياسي وخوص الانتخابات، والمشاركة في السلطة مقابل سحب أسلحتهم الثقيلة من عدنوصنعاء والحديدة وتعز والإقرار بشرعية الرئيس الجديد، والتعهد باحترام المبادرة الخليجية والشرعية اليمنية". الأمر الذي قبله الحوثيون والإيرانيون وأنصار صالح، وإن كانوا يتمسكون حتى بضرورة تنحى الرئيس هادي عن السلطة كشرط للتسوية، لاسيما أن غارات "عاصفة الحزم" التي زادت على 1300غارة حتى ألحقت ضربات قاضية بالحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع. وفى هذه الأجواء يعتبر محللون أن تعيين "بحاح" في منصب نائب الرئيس، يعد إشارة سعودية على أن الرياض لن تقف عقبة في إطار توافق اليمنيين، أو أن يعرقل الرئيس هادى تسوية الأزمة، في ظل تصاعد المخاوف لدى دوائر صنع القرار بالمملكة من استنزافها عسكريًا وسياسيًا باليمن، في ظل غموض موقف عدد من القوى العربية والإقليمية التي تسعى لتوظيف مشاركتها في الحرب البرية لابتزاز الرياض. وزادت المخاوف بعد رفض البرلمان الباكستاني الانخراط في الحرب على الحوثيين، خشية تأثير هذا الأمر على التماسك العراقي بباكستان التي يشكل الشيعة 20% من عدد سكانها وهو الموقف الذي شكل صاعقة للرياض، في ظل ما تردد عن دخول محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي على خط الأزمة وتقديمه وعودًا لرئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف ب 40مليار دولار لدعم اقتصاد بلاده المتداعي لتضييق الخيارات أمام الرياض وإجبارها على خوض المعركة البرية مع الحليف المصري. وجاءت زيارة وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي إلى باكستان، ليفجر تكهنات حول رغبة مصر في القيام بدور مهم بل ووحيد في الحرب البرية باليمن، لاسيما أن الإعلان عن القيام بمناورة عسكرية مشتركة في الرياض في هذا التوقيت، وتحديدًا بعد لقاء لوزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، قد فتح الباب لتكهنات حول استعدادات للقيام بعملية برية باليمن مقابل الحصول على دعم مالي لإنقاذ الاقتصاد المتداعي. من جانبه، اعتبر الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إعلان القاهرةوالرياض عن تنظيم مناورة استراتيجية بمشاركة قوات خليجية يعد نواة لتشكيل قوة تدخل سريع عربية، فضلاً عن كونها رسالة قوية لأي قوى تعبث بالأمن القومي العربي، لافتًا إلى أن هذه المناورة ستكون تمهيدًا لعملية عسكرية برية لحسم المعركة باليمن. ولم يستبعد فهمي، أن تكون المناورة "مجرد ورقة ضغط على الحوثيين وأنصار صالح، لاسيما أن العملية البرية باليمن تعد مخاطرة كبيرة في الولاءات المتحركة للقبائل اليمنية وصعوبة التنبؤ بموقف هذه القبائل من الحرب البرية بشكل يدعو للتريث في شن عملية عسكرية". واعتبر أن "استمرار القصف الجوى المكثف والتنسيق مع قوات المقاومة اليمنية خيار أفضل في هذا التوقيت، بدلاً من الإقدام على عملية برية قد تجر على القوات المشاركة فيها خسائر قد تضعف من النجاحات التي حققتها "خارطة الطريق" بل يمكن توظيفها من قبل القوى المؤيدة للحوثيين، لتوظيفها لإضعاف الموقف السعودي والتآمر على الشرعية اليمنية بشكل يدعو للرهان على القصف الجوى لمدة ليست بالقصيرة". إلى ذلك، قال مصدر دبلوماسي جزائري لوكالة "الأناضول"، إن بلاده "نقلت خلال الأسبوعين الأخيرين رسائل متبادلة بين الرياضوطهران تتعلق جميعها بوضع حدود صارمة للنزاع المسلح في اليمن لمنع تحوله إلى حرب إقليمية أوسع". ووفق المصدر ذاته، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن الرسائل جاءت "في شكل تحذير أو طمأنة بين الطرفين، ومن بين الرسائل التي تناقلها البلدان عبر الجزائر إجراء تم التوافق بشأنه لمنع الصدام بين سلاح البحرية السعودية وسفن شحن إيرانية تمر عبر مضيق باب المندب، وإجراء ثان لمنع الصدام بين سلاح البحرية الإيراني والسعودي".
وأضاف المصدر: "يتواصل المسؤولون في طهرانوالرياض عبر الجزائر لمنع أي تدهور للوضع على صعيد المواجهات العسكرية في اليمن". وأوضح أن "الجزائر تعتقد أنه قبل الشروع في أي حل للنزاع في اليمن لابد من وضع آليات لمنع توسعه وتحوله إلى حرب إقليمية بين إيران ودول الخليج".