... ارحمونا يرحمكم الله,ارحمونا من تلك الاسطوانات المشروخة وارحمونا من كل تلك الوجوه المكررة والصفراء والحمراء العينين,والمزبدة الشفتين,واللامعة الوجنتين,ارحمونا من أولئك الضيوف الذين يثيرون الغبار حولهم كلما مروا بنا عبر شاشة أو مررنا بهم في توك شو.ارحمونا ,فالراحمون يرحمهم الله,والراحلون يغفر لهم الله.ارحموا من في الأرض يا أهل الفضائيات وارحلوا عنا.يا أيها المثقفون والمثقفات والمفكرون والمفكرات والسادة الأفاضل والسيدات الفضليات المبجلون والمبجلات والحقوقيون والحقوقيات والمبشرون والمبشرات والناشرون والناشرات والمحامون والمحاميات والأكاديميون والأكاديميات والناشطون والناشطات والذاكرون الفتنة كثيرا والذاكرات,الأحياء منكم والذين لم يدروا بعد أنهم أموات . يا أيتها النخبة المطمئنة على مكانتها والتي تقلقنا دوما على مستقبل دولتنا ارجعي إلى بيتك,راضية مرضية .و (لمي الشر ياعورة) فالمأساة فيكم ,المأساة في تلك البلاعة المفتوحة من قبل الثورة وحتى اليوم تخرج لنا كل يوم عشرات المتحدثين عبر وسائل الإعلام,شعارهم (العافية هبلة والجدع متشطر,ومصر مذبوحة بتتكسر,بس المهم الشهرة والمنظرة والمنظر) و الذي لا تعرفون أن الناس تعرف أنكم مفضوحون,و لمن لا يعرف يا أيها المشاهدون وأيها المستمعون,وأيها القارئون الرائعون,أن أكبر ظاهرة وأخطر طائرة حطت في مطار مصر الاجتماعي والسياسي منذ سنوات هي ظاهرة(التكويش) وطائرة(التهبيش). يعني كل سياسي يصبح رجل تجارة,وكل أكاديمي يصبح سياسيا ومن ثم يصبح رجل تجارة,ثم كل لاعب معتزل ينافس الأكاديمي أو الإعلامي أو الصحفي,ومن ثم يصبح سياسيا وبعدها ومعها رجل تجارة,ثم إن كل ناشط سياسي يصبح عضوا هنا وهناك وكاتبا هنا ومذيعا هناك ومقدما هنا وضيفا هناك,وبعدها يصبح رجل تجارة وعضو اتحاد,يعني باختصار (اللخبطة )هي شعار المقال كما هي شعار المرحلة,كل واحد يريد أن يصير كل حاجة ,فيصبح المحامي والقاضي ووكيل النيابة وضابط التحقيق ومخبر الضبط والتوثيق,ويبدأ يومه بغسيل أسنانه وتبييضها حتى تلتقط لمعانها كاميرا مستشفى سبعة وخمسين أو جمعية الأورمان,وبعد الظهر يدور على كل الشوارع المعروفة باستقبالها حالات الولادة الفئوية فيقف وسط الجموع ويبكي لهم قبل أن نبكي عليه وعليهم,و(صرخ الصورة تطلع حلوة) وبعد العصر يبدأ في متابعة الفيس بوك والمعجبات ويسلم على العم تويتر,ويرسل المقال,ويتأكد من ضبط إشارة شبكة تلفونه المحمول ليستقبل طلبات البرامج بالمشاركة,فيعطي مواعيد متتالية بمدينة الإنتاج سابقة عن موعد برنامجه الخاص,الذي يقدم لنا فيه أخبار الاتحاد ثم أخبار المجلس العسكري وأسرار مبارك أيام قصره ثم يوميات مبارك في سجنه. و الفتى إذن عبقري ولوذعي ولولبي والله يرحم أستاذي علامة اللغة الدكتور عبد الصبور شاهين,حينما علق مرة على برنامج استضافوا فيه أحد لاعبي الكرة وقال الشيخ :"سألته المذيعة في الكرة فقلت هذه مهنته,ثم عرجت على الرياضة فقلت لا ضير تلك ملعبه,ثم شرقت إلى السياسة ومشاكل العلاقات الدولية,فقلت لعل الفتى استفاد من طول رحلاته,ثم غربت باتجاه الاجتماع وبعده الاقتصاد وختمت بالفن والغناء والفتى في كل ذلك يجيب كأنه عبقري وهو حمار) فيا أيها العباقرة الذين يجيبون كل سؤال :ارحموا بلدا زل و ميزان شعب اختل ,وآذن بالإفلاس والخراب,ارحمونا وارحلوا عن فضائنا غير الأثير الفاقد الضمير ودمتم غير مشكورين. [email protected]