الإدارية العليا تحجز 259 طعنا على نتائج انتخابات النواب للحكم 26 نوفمبر    الشروط والمستندات.. وظائف مشروع الضبعة النووي برواتب تصل ل45 ألف جنيه    سعر الجنيه الذهب فى السوق المصرية اليوم الأحد 23 نوفمبر 2025 .. اعرف التفاصيل    اتحاد التأمين: أدوات عملية لحماية النساء من الخسائر المفاجئة عبر تغطيات ميسّرة    توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء محطة لإسالة وتموين الغاز الطبيعي المسال بالقناة    رئيس الوزراء يبحث زيادة وتسهيل الإستثمارات اليابانية فى مصر    إعلام إسرائيلي: رئيس الأركان يقرر عزل ضابط استخبارات فرقة غزة لفشل 7 أكتوبر    "نتنياهو": الجيش الإسرائيلي استهدف قياديا بارزا بحزب الله في بيروت    نتنياهو: لسنا مضطرين لأخذ موافقة أي جهة قبل شن هجمات بغزة    شاهد بالبث المباشر النصر اليوم.. مشاهدة مباراة النصر × الخليج بث مباشر دون "تشفير" | دوري روشن السعودي    إبراهيم بن جبرين: برنامج شركاء الأندية بكأس الرياضات الإلكترونية حقق نموا حقيقيا لنادي تويستد مايندز    تعرف على غيابات الزمالك في مواجهة زيسكو الزامبي بالكونفدرالية الليلة    ضبط 5 أطنان دقيق مدعم محجوب عن التداول بالأسواق    ضبط 7 متهمين بخطف واحتجاز شخص فى التجمع الأول    تأجيل محاكمة 80 متهما بقضية "خلية الهيكل الإدارى للإخوان" لجلسة 12 يناير    الداخلية تشارك الأطفال الاحتفال بيومهم العالمي بزيارة لقطاع إدارة النجدة النهرية    محافظ الجيزة يشارك في احتفالية مرور 130 عامًا على تأسيس دار الإفتاء    نقابة الإعلاميين توقع بروتوكول تعاون مع مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    أغنية إيطالية عن "توت عنخ آمون" تشعل المنصات وتعيد وهج الحضارة المصرية للعالم    الفنانة التونسية عفاف بن محمود تحتفي بجائزة أحسن ممثلة بمهرجان القاهرة.. ماذا قالت؟    أوبرا القاهرة تقدم «الفلوت السحري» على المسرح الكبير يومي الثلاثاء والأربعاء    وزارة الصحة: لقاح الأنفلونزا هام لكبار السن لحمايتهم من العدوى    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يستقبل سفير قطر لبحث تعزيز التعاون الصحي المشترك    فضيحة "مشروع الزئبق"| كيف أخفت "ميتا" أدلة ضرر منصاتها على الصحة العقلية؟    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    سباليتي يعترف بتأخره في الدفع بالتبديلات أمام فيورنتينا    تزايد القلق داخل ليفربول بعد السقوط أمام نوتنجهام فورست بثلاثية نظيفة    ازدحام غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح وسط استمرار الأزمة بغزة    قصف إسرائيلي يستهدف سيارة في عيتا الشعب جنوبي لبنان    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    أمين البحوث الإسلامية: دار الإفتاء حصن منيع للمجتمع في عصر الفتن وفتاوى المتفيهقين    تحصين 94,406 رأس ماشية عبر 1,288 فرقة بيطرية خلال 4 أسابيع بأسيوط    محافظ الشرقية: المرأة شريك أساسي في بناء الوطن وحماية المجتمع    «المنوفية» تحصد 12 ميدالية في «بارلمبياد الجامعات المصرية»    حاكم موسكو: اندلاع حريق في محطة كهرباء تغذي العاصمة جراء هجوم بطائرات مسيرة أوكرانية    موعد انطلاق المرحلة الثانية من امتحان شهر نوفمبر لصفوف النقل    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    جامعة بني سويف ال 8 محليا و 130 عالميا في تصنيف تايمز للعلوم البينية 2025    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    «غرق في بنها».. العثور على جثة شاب أمام قناطر زفتي    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    أول لقاح لسرطان الرئة فى العالم يدخل مرحلة التجارب السريرية . اعرف التفاصيل    هيئة الاستثمار: طرح فرص استثمارية عالمية في مدينة الجلالة والترويج لها ضمن الجولات الخارجية    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    بدء فعاليات التدريب المشترك «ميدوزا- 14» بجمهورية مصر العربية    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    «سويلم» يتابع منظومة الري والصرف بالفيوم.. ويوجه بإعداد خطة صيانة    أنواع الطعون على انتخابات النواب.. أستاذ قانون يوضح    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنف الثقافى و بناء الدولة بعد الثورة-مأمون فندى
نشر في المصريون يوم 17 - 10 - 2011

تجربة جنوب أفريقيا في فترة العنصرية جديرة بالتأمل لتفادي مطبات الثورات العربية، خصوصا في ما نراه الآن من موجة العنف الثقافي. وب«العنف الثقافي»، أعني إجماع أغلبية ما مسيطرة أو حاكمة على مفاهيم تكون العنصرية أو الطائفية أو التحيز أساسيا فيها.
فمثلا؛ كانت جنوب أفريقيا قبل الثورة دولة عنصرية بامتياز كما الحال في إسرائيل اليوم، حيث كان البيض ينظرون إلى السود نظرة دونية تبناها الكتاب البيض والمفكرون البيض، فشكلت رؤية للإنسان الأبيض تجاه الرجل الأسود والمرأة السوداء.
هذه النظرة التي تقول بعدم المساواة في المواطنة، جعلت جنوب أفريقيا تبني محاكم ظالمة، وتتبنى قوانين ظالمة، ولا ذنب للقضاة الذين يحكمون على السود بأغلظ الأحكام، لأنهم ينطلقون في أحكامهم من قوانين ظالمة.
الشيء نفسه في إسرائيل الآن؛ فالنظرة الإسرائيلية للعربي والفلسطيني هي التي شكلت وعي اليهود في بناء نظام قانوني ظالم، فقد يحاكم الفلسطيني أمام محكمة إسرائيلية تبدو شكليا أنها تتبنى كل شكليات المحاكمات العادلة؛ فهناك محام تعينه الدولة للدفاع عن الفلسطينيين، وهناك من هؤلاء المحامين من اليسار الإسرائيلي الذي يتبنى قضية الدفاع عن العرب.. ومع ذلك، يكون الحكم جائرا، وذلك لأن القوانين في الأصل ظالمة. ومن هنا، يبدأ حديثنا عن العنف الثقافي.
ب«العنف الثقافي» أعني أن ثقافة ما تكون قد شيطنت مجموعة من البشر أو جعلت منهم شياطين، فيصبح قتلهم أو إبادتهم أمرا مرغوبا فيه، أو أن الإنسان لن يرى في هذا القتل أي شيء يحرك ضميره، لأن الضمير قد مات نتيجة لتراكم ثقافي؛ كان عنصريا أم طائفيا أم متحيزا من أول القصة.
الإنسان بشكل عام غير قادر على قتل الروح إلا بعد شيطنتها، أي تحويل العدو المخالف إلى شيطان، ساعتها نقتله ولا نزرف دمعة ندم واحدة، لأننا نظن أننا قتلنا الشر كما وصف لنا حسب الثقافة التي نعيش فيها، لذلك يقتل الإسرائيليون كل يوم أعدادا من الفلسطينيين ولا يحرك ذلك ساكنا عند جمهور، يقول الغرب، إنه بلد حديث ومتحضر. الشيء نفسه كان يحدث في جنوب أفريقيا وفي أميركا قبل الستينات من القرن الماضي؛ حيث كان يعلق الرجل الأسود في الشجرة ويضرب حتى الموت.
بالطبع، فعلة شنيعة كهذه لا يقبلها العقل السوي، ولكن بعد شيطنة السود أصبح البيض يرون في موتهم ضربا نوعا من التخلص من الشر. الرجل الأبيض الذي كان يقتل الأسود في أميركا أو جنوب أفريقيا هو أيضا ضحية ثقافة قالت له بأنه سيثاب إن قتل الرجل الأسود. فالسواد هو مصدر الشر والفتنة والغواية، والتخلص منه أمر ضروري.
الشيء نفسه نمارسه في أوطاننا من زوايا التكفير، فلا يستطيع المسلم السوي قتل أخيه المسلم إلا بعد أن تتبنى ثقافة ما فكرة التكفير، وبعد أن يكفر المرء لن يشارك في قتله رجل واحد، وإنما نفر من الناس سيرون في قتل الكافر خدمة للدين.
هذا هو جوهر الخطاب الجهادي، وهو ليس حكرا على المسلمين، وإنما حضارات كثيرة تبنت خطاب تسويد وجه العدو لتحفيز الإنسان على قتل أخيه الإنسان.
الجيوش تتبنى في عقائدها شيئا أقرب إلى العنف الثقافي في بناء فكرة العدو؛ فالمقاتل لا يرى عدوه إنسانا، بل يراه وحشا يريد قتله فيقتله أولا. إذن، لكي يكون القتل سهلا على إنسان سوي ولد بالفطرة رافضا لفكرة القتل، تشحن الدول والجيوش أبناءها بالكراهية للآخر وتشوهه حتى يسهل قتله.
في ثوراتنا العربية التي بدأت مشرقة كشمس جديدة في صباح صاف، بدأت فكرة العنف الثقافي تتغلغل فيها، أي إننا بدأنا في رسم ملامح من نكره.. المختلف القريب مثل القبطي في حالة المصري المسلم، أو الأجنبي في حالة «بتوع الأجندات الخارجية»، أو المصري الذي لا يعيش في مصر، أو غير ذلك. هؤلاء هم المسؤولون عما يحدث لمصر. أما مصريو الداخل، فهم ملائكة لا يرتكبون حماقات أبدا، لا بد لفئة مندسة أن تكون هي التي قامت بالقتل وبالتعذيب.
هذه الرؤية سيبنى عليها نظام كامل من القوانين والمحاكم؛ رؤية تجعل من هذه القوانين وتلك المحاكم تأسيسا لظلم من نوع جديد؛ لا إقامة عدالة جديدة. العنف الثقافي الذي نراه في الصحف والتلفزيونات سيشكل وعي من سيكتبون الدستور في مصر أو في غيرها، ليضعوا بذلك دساتير طائفية، تقام عليها محاكم متحيزة، ولن يكون للقضاة فرصة في إنصاف المظلوم لأن القوانين المطلوب من القاضي إعمالها هي في الأصل قوانين مجحفة.
الثورة تبدأ بالعقل، وإن لم يتغير ال«سوفت وير» الحاكم للعقل، فلن يكون هناك عدل.. العدل يتحقق عندما تكون القوانين عادلة ومستقاة من ثقافة عرف عنها العدل. أما أن تبقى القوانين ذاتها ونقول إننا نطبق العدل، فهذا كلام لا يليق بمن مفترض أنهم تعلموا شيئا في الدنيا.
حتى الآن ثورات خلعت الديكتاتور في حالات مصر وتونس وليبيا، وتحاول في اليمن وسوريا، ولكن بعد خلع الديكتاتور لم تتغير المنظومة القيمية للمجتمع، فقط تغير الأشخاص وبقي النظام كما هو. لا أقول أبدا إن مصر مثلا هي جنوب أفريقيا في وقت الفصل العنصري، ولكن أقول بأنها ليست ببعيدة جدا عنها أيضا.
الثورة تبدأ بالعقل، وحتى الآن تثورت الشوارع عندنا ولم تثور العقول، فالتحيزات غير المقبولة في العالم المتحضر ما زالت تعشش في عقولنا، ولكي نبني مجتمعا قائما على العدل، لا بد أن نفكك القوانين الظالمة أولا، فلا داعي لاتهام قاض ينفذ أحكام قوانين متحيزة.. القاضي ليس هو المسؤول؛ بل ثقافتا والقوانين الناتجة عنها هي المسؤول الأول عن تحيزاتنا.
نقلا عن الشرق الاوسط:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.