تجسيدا لعمق العلاقات بين مصر وروسيا.. السيسي وبوتين يشاركان بفعالية تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى غدا    البنك الأهلي و"مصر الخير" يفتتحان مدرسة أولاد مازن للتعليم الأساسي بمطروح    الثلاثاء 18 نوفمبر 2025.. أسعار الذهب تتراجع 45 جنيها وعيار 21 يسجل 5395 جينها    محافظ المنوفية يتفقد مجزر بى العرب لمتابعة انتظام سير العمل والخدمات المقدمة    باستثمارات مليار جنيه.. وزير الصناعة يفتتح 5 خطوط إنتاج جديدة ويتفقد 4 مصانع    مشروع عملاق يربط مصر بتشاد عبر ليبيا.. طريق يعيد رسم التجارة الأفريقية    وزير التموين يشارك في افتتاح مؤتمر "بيروت وان" لتعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر ولبنان    مصدران لبنانيان: إلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن    لماذا تخشى إسرائيل من بيع مقاتلات F-35 للسعودية؟    قطر تؤكد أهمية إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط    COP30: بابا الفاتيكان يحث الدول على اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تغير المناخ    خطيب المسجد الأقصى في يوم محاكمته: لن أتراجع عن مواقفي    الأردن يدين تصريحات بن غفير التحريضية ويحمل إسرائيل مسئولية تفجير الأوضاع بالضفة    توقف بيع تذاكر مباريات كأس العرب    الحكم بالسجن 10 سنوات على المتهم بالاعتداء على الطفل ياسين فى البحيرة    الأرصاد: ارتفاع درجات الحرارة بدءا من اليوم.. والذروة يوما الجمعة والسبت    كشف ملابسات استغاثة شخص فقد ابنته بسوق في بنى سويف    ضوابط الورقة الامتحانية بمادة اللغة الإنجليزية للشهادة الإعدادية 2026    اليوم... محاضرة "شاعرية الواقع" مع إلديكو إينيدي في المسرح المكشوف بدار الأوبرا    السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية ل عمر خيرت وتقديم كل أشكال الدعم الطبي اللازم له    قبل عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي.. محمد العدل يشكر فريق عمل فيلم بنات الباشا    شاحنة دعائية تجوب شوارع طوكيو للترويج لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة بعد استقباله 350 ألف زائر    إنجاز طبى.. أسوان تشهد أول عملية لتركيب منظم ضربات القلب    عاجل- السيسى يوجّه بمتابعة الحالة الصحية للموسيقار عمر خيرت وتوفير كافة أوجه الرعاية الطبية    رئيس هيئة الدواء فى جولة ميدانية لمتابعة استعداد تطبيق منظومة التتبع الدوائي بمصنع أوركيديا    20 نوفمبر.. محاكمة عاطلين في الاتجار بالمواد المخدرة بروض الفرج    إخماد حريق في أكشاك بمنطقة المنشية بالإسكندرية| صور    هل يعود رامي ربيعة للأهلي في يناير.. العين الإماراتي يوضح    خوفا من سيناريو مجلس 2010 وثورة 25 يناير .. هل يجبر التزوير السيسي على إلغاء نتائج الانتخابات المرحلة الأولى ؟    اعتماد تعديل تخطيط وتقسيم 5 قطع أرضي بالحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر    فنزويلا تتهم أمريكا بتبرير حربها المحتملة بأكاذيب غزو العراق 2003    وفاة الفنان السوري عدنان جارو وتشييع الجنازة وإقامة العزاء اليوم    تفاصيل تعاون محمد قماح والهولندية لاروسي فى أغنية انبساط    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 18-11-2025 في محافظة قنا    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    وفاة عامل وحماره أسفل عجلات القطار في فرشوط بقنا    إصابة 2 فى حادث تصادم بين توك توك وسيارة بكفر الشيخ    وزير التعليم العالي يبحث مع نظيره التشادي سبل تعزيز التعاون    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    جامعة الإسكندرية تؤكد دعم الطلاب ذوي الهمم تنفيذاً للمبادرة الرئاسية «تمكين»    قافلة «زاد العزة» ال75 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    التمثيل العمالي بإيطاليا ينظم الملتقى الثاني لحماية حقوق العمال المصريين    انطلاق منتدى دبي للمستقبل بمشاركة 2500 خبير دولي    براتب 9000 جنيه.. «العمل» تعلن عن 105 وظائف جديدة    وزير الصحة: دفع 39 مليون أفريقى نحو الفقر بسبب الزيادة الكارثية فى إنفاق الجيب    محافظ أسيوط يطلق النسخة ال29 من مسابقة "لمحات من الهند"    تحليل سياسي شامل لبيان الرئيس عبد الفتاح السيسي كما ورد في نصه، مع تفكيك المعاني والرسائل الضمنية، وقراءة سياق البيان وتأثيراته المحتملة.    رئيس منطقة بني سويف عن أزمة ناشئي بيراميدز: قيد اللاعبين مسؤولية الأندية وليس لي علاقة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : استقيموا يرحمكم الله !?    عندما يتحدث في أمر الأمة من لم يجفّ الحليب عن شفتيه ..بقلم/ حمزة الشوابكة    أمريكا تمنح حاملي تذاكر مونديال 2026 أولوية في مواعيد التأشيرات    الدكتورة رانيا المشاط: الذكاء الاصطناعي سيساهم في خلق وظائف جديدة    مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة    فاروق جعفر: أتمنى أن يستعين حلمي طولان باللاعبين صغار السن في كأس العرب    التوقع خلال ساعات، الترجي التونسي ينهي اتفاقه لضم يوسف المساكني (فيديو)    اليوم عيد ميلاد الثلاثي أحمد زكى وحلمى ومنى زكى.. قصة صورة جمعتهم معاً    التأهل والثأر.. ألمانيا إلى كأس العالم بسداسية في مرمى سلوفاكيا    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر وسَدّ النهضة.. ضبابية الواقع وتخوفات المستقبل (8)
نشر في المصريون يوم 10 - 04 - 2015


تطور الأوضاع القانونية لعلاقات مصر بدول حوض النيل
أبرمت مصر مجموعة من الاتفاقيات الخاصة بمياه النيل مع عدد من الدول الاستعمارية التى كانت تحتل أو تقوم بحماية أو إدارة شؤون بعض دول حوض النيل نيابة عن هذه الدول الأخيرة.
تضمنت هذه الاتفاقيات نصوصاً صريحة حول عدم إقامة أى مشروعات على مجرى النهر أو فروعه تقلل من نسبة تدفق المياه، أو تؤثر على كمية المياه الواردة إلى مصر، ومن هذه الاتفاقيات:
1- اتفاق روما فى 15 إبريل 1891، بين بريطانيا وإيطاليا، بتقسيم الحدود بين إريتريا والسودان، وينص فى مادته الثالثة على تعهد الحكومة البريطانية بالامتناع عن إقامة أى أعمال على نهر عطبرة من شأنها التأثير على كمية المياه التى تصل إلى مصر.
2- اتفاقية 15 مايو 1902 بين كل من بريطانيا وإيطاليا وإثيوبيا، تعهد فيها إمبراطور إثيوبيا بعدم إقامة أى مشروعات سواء على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أوعلى نهر السوباط يكون من شأنها التأثير على مياه النيل.
3- معاهدة لندن فى 9 مايو 1906، بين بريطانيا وبلجيكا نيابة عن الكونغو، ونصت فى مادتها الثالثة على تعهد حكومة الكونغو بعدم إقامة أو السماح بإقامة أى مشروعات على نهر السمليكى أحد روافد نهر النيل.
4- اتفاق 20 ديسمبر 1925 بين بريطانيا وإيطاليا اعترفت إيطاليا بموجبه بالحقوق المائية لكل من مصر والسودان على النيل الأزرق والنيل الأبيض وروافدهما، وتعهدت فيه بالامتناع عن القيام بأىة أعمال من شأنها تعديل حجم المياه فى الأنهار وخاصة نهر النيل.
5- اتفاقية 7 مايو 1929 بين من مصر وبريطانيا، والذى اعترفت فيه الأخيرة بحقوق مصر التاريخية والمكتسبة فى مياه النيل.
وهى خطابات متبادلة بين مصر وبريطانيا إنابة عن السودان واوغندا وكينيا وتنجنيقيا وينظم الاتفاق ضبط إستخدام مياه النيل في السودان بحيث لا يؤثر على حق مصر المكتسب في مياه النيل.
وقد جاء في خطاب رئيس الوزراء المصري إلى المندوب السامي البريطاني بأنه "لا يجب المساس مطلقا بحقوق مصر الطبيعية والتارخية في مياه النيل" إلى جانب إحتواء الخطاب على العديد من المطالب أهمها تنظيم تشغيل خزان سنار وتثبيت الحقوق المكتسبة لمصر والسودان وعدم الإضرار بأي من مصالح البلدين، وقد جاء المندوب السامي مؤكدا إحترام وموافقة بريطانيا نيابة عن هذه الدول لكل ماجاء في خطاب مصر
6- اتفاقية لندن المبرمة بين بريطانيا، نيابة عن تنجانيقا، وبلجيكا، نيابة عن رواندا وبوروندي، في 23 نوفمبر 1934، والتي تقضي مادتها الأولي بأن يتعهد الطرفان أن يعيدا إلى نهر كاجيرا قبل وصوله إلى الحدود المشتركة لكل من تنجانيقا ورواندا وبوروندي أية كميات من المياه يكون قد تم سحبها منه قبل ذلك لغرض توليد الكهرباء. فالسماح باستغلال مياه النيل لتوليد الطاقة الكهربائية لا يجوز بحال أن يمس، طبقا لهذه المادة، كمية المياه التي تتدفق من منابعه إلى المجري الرئيسي فيه.
7- المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا، نيابة عن أوغندا، في الفترة ما بين يوليو 1952 ويناير 1953، بشأن اشتراك مصر في بناء خزان أوين، الذي أنشئ فعلا عام 1954 لتوليد الطاقة الكهربائية من المياه في أوغندا، والتي اتفق فيها الطرفان على تعلية خزان أوين لرفع منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا، كما اتفقا على التعويضات التي تمنح لأهالي أوغندا الذين يصيبهم الضرر جراء ارتفاع منسوب مياه البحيرة، الذي من شأنه زيادة حصة مصر من مياه الري، وتوليد كهرباء تضمن مزيدا من الطاقة لكل من أوغندا وكينيا.
ويعد هذا الاتفاق مثالا واضحا على التعاون والتنسيق بين بعض دول حوض النيل، حيث تضمن قيام مصر بالإسهام المالي في بناء الخزان بغرض توليد الكهرباء لاستخدامها في أوغندا، مقابل زيادة حصة مصر من مياه النيل لأغراض الري عن طريق المياه التي تحجز خلف الخزان
8- اتفاقية الإنتفاع الكامل نوفمبر 1959 بين مصر والسودان، والتى اعترفت بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، وخصصت لمصر حصة سنوية مقدارها 55.5 مليار متر مكعب.
وتم فيها الإتفاق بين مصر والسودان بشأن إنشاء السد العالي، وتوزيع المنافع الناجمة عنه بينهما، وتحقيق نفع مشترك لكل من الدولتين دون إجحاف بالحقوق التاريخية لكل منهما، ودون الإضرار بحقوق باقي دول الحوض.
9- اتفاقية عام 1991 بين مصر وأوغندا تضمن حقوقها التاريخية، وتؤكد "التزام أوغندا، طبقاً لاتفاقية 1929، بعدم القيام بأى أعمال يكون من شأنها التأثير على مجريات مياه النيل إلا بعد التشاور مع مصر".
10 اتفاقية أول يوليوعام 1993 بين مصر وإثيوبيا تنظم التعاون فى مياه النيل، وتنص على عدم إضرار أى منها بالأخرى، وأن يكون استخدام مياه النيل طبقاً لقواعد القانون الدولى.
11- مبادرة حوض النيل عام 1999، وتمثل الآلية الأخيرة الحالية التى تجمع كل دول الحوض تحت مظلة واحدة تقوم على مبدأين أساسيين هما تحقيق المنفعة للجميع وأيضاً عدم الضرر، إلا أنها آلية مؤقتة لا تستند إلى معاهدة أو اتفاقية دائمة وشاملة تضم دول الحوض جميعاً.

أولاً: مواقف إختلاف دول المنبع حيال إتفاقيات تنظيم ماء النيل قبل اتفاقية إطار التعاون "اتفاق عنتيبي"
رغم توقيع دول حوض النيل العشرة مبادرة حوض النيل عام 1999، وربما بسبب أنها ولدت كمبادرة لا تستند إلى معاهدة أو اتفاقية، ظل موقف دول أعالي النهر، دول المنابع، متمسكة بعدم وجود إطار قانوني ملزم يحكم قسمة المياه، بين الدول المتشاطئة في الحوض، وأن اتفاقيات الحقبة الاستعمارية إنما جاءت إقراراً لحقوق الدول الاستعمارية وتحقيقاً لمصالحها، ولم تكن في صالح دول الحوض، وأن هذه الاتفاقيات أُقرت خلال فترة الاحتلال، ولم تتوافر الإرادة الوطنية للقبول أو الرفض وقد جاءت اتفاقية عام 1929، بصفة خاصة لصالح القوى الاستعمارية، فاستفادت منها مصر والسودان فقط، دون بقية دول الحوض.
لذلك ترى دول المنابع أنه ينبغي إعادة التفاوض لإعادة التقسيم والمحاصصة، على أسس تراعي الحقوق الحالية دون غيرها، وهذا ما ترفضه كل من مصر والسودان، بسبب أضراره على مصالحها المائية.
ومن الثابت أن دول المنابع تتخذ موقفاً موحداً تجاه مصر والسودان، لتحقيق مصالحها في مواجهة التكتل المصري السوداني، ولكن في حقيقة الأمر، فإن بعضاً من دول المنابع تتمتع بالوفرة المائية، ويقل اعتمادها على مياه نهر النيل، ومن ثم فإنها تتخذ موقفاً متسامحاً، مؤقتاَ، تجاه مصر والسودان، حيث أنها غير مضارة، وإلى فترة مستقبلية.
وقبل التطرق إلى موقف دول المنابع وعرضها وتفنيدها، فمن الأوفق إيضاح وجهة نظر اتُخذت خلال فترة ظهور تنزانيا وحصولها على الاستقلال، وهو ما يُعرف بمبدأ "نيريري":
مبدأ نيريري
توحدت تنزانيا عقب الاستقلال، ابريل عام 1964، وانتهجت المنهج الاشتراكي واتجهت للنهوض بالزراعة وتنميتها فازداد احتياجها للمياه، خاصة من بحيرة فيكتوريا، حيث يقع الجزء الأكبر من البحيرة في أراضيها.
وجدت تنزانيا أن المعاهدات، التي وُقعت خلال الحقبة الاستعمارية، إنما تحقق مصالح تلك الدول، كما ترعى مصالح كل من مصر والسودان، المستعمرتين الرئيسيتين المخصصتين لزراعة القطن لمصانع بريطانيا، وعلى هذا وجدت تنزانيا أن تلك المعاهدات الاستعمارية جاءت محققة لمصالح بريطانيا، ومجهضة لآمال الاخرين في التوسع الزراعي تحقيقاً لمتطلبات الغذاء لسكانها ذوي الازدياد المضطرد، مع أهمية هذا القطاع الذي يحقق 85% من قيمة صادراتها.
ولهذا أعلن الرئيس "جوليوس نيريري" موقف تنزانيا السياسي والقانوني حيال التعامل مع اتفاقيات الحقبة الاستعمارية، وذلك أثناء إلقاء خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 30 نوفمبر 1964، وقد عُرف ذلك الموقف بما يُسمى "مبدأ نيريري".
وأورد المبدأ أن تنزانيا ستلتزم باتفاقية عام 1929، لفترة سماح لا تتجاوز العامين، وخلال هذه الفترة ينبغي إبرام اتفاقية بديلة، وإذا لم يحدث ذلك خلال فترة العامين، فإن تنزانيا تعد اتفاقية عام 1929 لاغية من جانب واحد.
أدى هذا الموقف إلى توتر العلاقة بين مصر وتنزانيا، زاد منها إعلان تنزانيا أنها لن تنتظر أحداً لاستغلال مياه النيل وفقاً لرؤيتها، فى ظل غياب الإطار القانوني الذي ينظم المحاصصة، فضلاً عن موقفها المعروف بمبدأ نيريري وما صاحبه من عدة دعاوى تعالت بين دول أعالي النهر بضرورة مواءمة مواقفها لتتسق مع السياسات المائية التي نادى بها البنك الدولي، واقتراحات بعض الدول بضرورة تسعير وبيع المياه لمصر والسودان، وأيدت أوغندا تنزانيا ذلك في اجتماع "التكونايل" عام 1996، والذي طلبت فيه تنزانيا رسمياً بأن تدفع مصر مقابلاً مالياً لقاء المياه التي تتلقاها.
موقف دول الهضبة الإثيوبية
أ. إثيوبيا
نظراً للظروف الطبوغرافية بالهضبة الإثيوبية، ما يجعلها كثيرة الهضاب والمرتفعات، فإن سهولها الوسطى لا تجد كفايتها من المياه، ولذلك اتجهت لزيادة مواردها المائية لري هذه السهول والنظر في زراعتها واستغلالها، لسد الحاجة الغذائية وتوليد الكهرباء، وعليه فإن منطلقاتها تنبع من الآتي:
· رفضت إثيوبيا مبدأ الحقوق المكتسبة، وأعلنت رفضها لاتفاقية 1929 في جميع عهودها السياسية منذ حكم الامبراطور ثم النظام الماركسي وحتى النظام الحالي
· تقدمت إثيوبيا بمذكرة رسمية في 26 فبراير 1956، تضمنت النص باحتفاظها بحقها في استخدام مياه النيل، وقوبلت تلك المذكرة بمعارضة مصرية وتمسك مصر بسريان الاتفاقيات الاستعمارية.
· ردت إثيوبيا بتشدد مدعية ملكيتها للمياه التي تنبع من أراضيها استناداً إلى نظرية السيادة المطلقة، وأكدت في مذكرتها الرسمية التي وُزعت على الدول في سبتمبر 1957، على احتفاظها في المستقبل باتخاذ التدابير اللازمة فيما يتعلق بمصادر المياه.
· رفضت إثيوبيا اتفاقية قسمة المياه بين مصر والسودان عام 1959 لأنها لم تُستشر فيها، وأن القسمة تمت فقط بين دولتين من دول أسفل النهر، مصر والسودان، كما عارضت بناء السد العالي، وقدمت احتجاجاً رسمياً بذلك.
· أصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية مذكرة رسمية عام 1976، وزعتها على الدول الأعضاء بمنظمة الوحدة الأفريقية، مستنكرة إنشاء مصر مشروعات كبيرة دون إخطار دول أعالي النهر، ترعة السلام.
· أعلنت عام 1981، البدء في تنفيذ مشروع عملاق لإقامة ما يزيد عن 40 سداً وقناة، بدعم أمريكي، وآخر إسرائيلي.
· خلال مؤتمر النيل، الذي عُقد بأديس أبابا عام 1997، قدمت إثيوبيا ورقة عمل انتقدت فيها الاتفاقيات الاستعمارية، والاتفاقية المصرية السودانية لعام 1959، ودعت إلى إلغاء هذه الاتفاقيات، ونادت بإجراء مفاوضات سياسية، من أجل الوصول لاتفاقيات جديدة.
· وقعت إثيوبيا على مبادرة 1999 التى ضمت دول حوض النيل العشرة.
· تبنت إثيوبيا مشروع إتفاقية عنتيبى التى رفضتها مصر والسودان، مايو 2010
· استغلت إثيوبيا حالة الغيبوبة السياسية التى عاشتها مصر أواخر عهد مبارك، ثم إندلاع أحداث 25 يناير 2011 وما تلاها من حالة التوتر السياسي في مصر وتطاحن الفرقاء السياسيين، في الشروع في بناء عدة سدود أبرزها سد النهضة العملاق.
ب. إريتريا
نالت إريتريا استقلالها حديثاً، بالانفصال عن إثيوبيا، عام 1993، بعد نضال طويل، وليست لإريتريا مطالب حول حوض النيل، ويوجد بها منابع نهري الفاشي وعطبرة، كما أنها تستفيد من مياه نهر تنسي، وهو نهر موسمي تستفيد من مياهه خلال الخريف لجفافه في فترة الصيف. ومن ثم، فإن موقفها لا يمكن أن يعد مؤثراً على الحقوق المصرية السودانية.

مواقف دول الهضبة الاستوائية
أ. الكونغو
تضمن دستور الكونغو عند الاستقلال عام 1960، نصاً على أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة قبل ذلك التاريخ ستظل نافذة ما لم تُعدل بتشريع وطني، ولم يصدر تشريع وطني لتعديل اتفاقيات المياه، علماً بأن إحدى مواد الاتفاقية، التي وقعتها بريطانيا بناءً على السلطة الاستعمارية البلجيكية للكونغو عام 1956، حرمت الكونغو من الحق في إجراء أي تغيير لمجرى الماء المنساب إلى بحيرة ألبرت، أو إقامة أي إنشاءات عليه للاستفادة من مياه نهر السمليكي، إلا بعد الاتفاق مع حكومة السودان.
ب. أوغندا
انتهجت أوغندا، منذ استقلالها، مبدأ نيريري بمنح الدول الأعضاء فترة سماح لمدة عامين، من أجل التوصل إلى اتفاق بديل. ويُلاحظ تأرجح الموقف الأوغندي، فهي ترفض سريان اتفاق عام 1929، كما ترفض الاعتراف بالاتفاقية الثنائية بين مصر والسودان عام 1959، وتلتزم باتفاق عام 1950 الخاص بإنشاء سد أوين مع مصر ومشروعه الكبير الذي مولته مصر، إلا أن موقفها الحالي أوضحه الرئيس "موسيفيني" في تصريحه:
"إن على مصر أن تكف عن مطالبة دول أعالي النهر باحترام اتفاقية عام 1929 الاستعمارية"، وأيضاً تصريحه:
"لم يعد ممكناً أن تستمر مصر في احتكار استخدام مياه النيل"، ودعا إلى النظر في الاتفاقية التي تمنح مصر السيطرة على النهر.
ج. تنزانيا
يتبنى الموقف التنزاني أن الاتفاقيات، التي تستند عليها كل من مصر والسودان، اتفاقية عام 1929 واتفاقية عام 1959، غير قانونية، وتدعو تنزانيا إلى الحوار مع دول الحوض للوصول لاتفاقية جديدة تُقسم مياه النهر فيها على نحو متساوٍ، وإلى حين الوصول لهذا الاتفاق، فإنها ترى أن لها الحق في استغلال مواردها المائية التي تقع داخل إقليمها بما يتفق ومفهوم مبدأ السيادة المطلقة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية التعاون والتخطيط الجماعي لصالح كل دول الحوض.
د. كينيا
انتهجت كينيا النهج التنزاني نفسه، متوافقة مع مبدأ نيريري، مع الدعوة إلى اتفاق جديد وشامل لقسمة المياه، إلا أن الموقف الكيني اتضح صراحة خلال اجتماعات وزراء الموارد المائية لدول حوض النيل في أديس أبابا ديسمبر
2003، حيث انسحبت وزيرة الموارد المائية الكينية من الاجتماعات احتجاجاً على إصرار مصر والسودان على التمسك بالحقوق المكتسبة، وصرحت أن الاتفاقية تتعارض مع أحد قضايا الأمن القومي لدول المنطقة، البحيرات، مشيرة إلى موقف كينيا تجاه الاتفاقيات تم الإعلان عنه فور استقلال البلاد عام 1963، وأن بلادها، في السنوات الأخيرة، أوقفت وصف الاتفاقية بعدم الشرعية، وحاولت، مستندة إلى علاقاتها المتميزة مع مصر، إحداث إصلاحات وتعديلات أساسية في الاتفاقية.
ه. رواندا وبوروندي
ترى الدولتان أن الإفادة من مياه النيل من خلال المبادرات الجماعية هي أفضل طريق لتجنب الصراع، وقد أعلنت رواندا أنها ستحدد قرار قبولها أو رفضها المعاهدات بناءً على الممارسة الدولية، ولم يقم دليل على نقضها للاتفاقيات.
أما بوروندي، فقد التزمت بمبدأ إعطاء فترة سماح لإعادة التفاوض للوصول إلى اتفاقية مرضية لها، ويُلاحظ أن بوروندي ينبع اهتمامها بالنيل نتيجة التزايد السكاني بما يفوق مساحتها، ومن هنا تنبع أهمية الاستفادة من النهر لإحداث التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وقد نسقت الدولتان جهودهما مع كل من أوغندا وكينيا وتنزانيا لتشكيل جبهة لإعادة التفاوض على قسمة المياه وإقرار اتفاقية مائية جديدة.
ونستكمل فى الحلقات القادمة، إن أراد الله، ثم أذن مضيفونا وكان فى العمر بقية.
· تنويه: سيتم نشر توثيق الدراسة ومصادرها الرسمية فى الحلقة الأخيرة بإذن الله.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.