عجيبةٌ هى الدنيا! لم تُعطِ من يهوى مناهُ؛ كأن شِعارَها أن تجمعَ بين الأضدادِ، وتجعل من البعيدِ قريبًا، وتضربُ بينها وبين القريبِ سياجًا من نارٍ تكوى فى كلِّ آنٍ؛ وتعيشُ بعضُ النساءِ فى قصورٍ لها طعمُ القبور ورائحتها، ويخيل إليهن أن فُرشها ضربًا من نعشها؛ وأن رجلَها الذى اختاره القدر فى وثيقة زواجها نوعٌ من الموتِ المعجل، فكم من حبيبةٍ زفوها لغير حبيبٍ! وكم من ثغر جميلٍ يغتاله ثغر قبيح! وكم من هيفاءَ ممشوقة القدِّ منتصبة القامة تشبه الألف المستوية، ولا ترى إلا هرمًا أحدب الظهر وأعجف من همزةٍ! وكم من فتاةٍ يغبط القمر حسنها وقعت بين فكى فقر مدقعٍ ورغبة كهلٍ أخرقَ لديه من كثرة الحماقة مثلما لديه من المال، فظن أنه بماله يمكن أن يشترى الحبَّ، ولا يدرى أن نقوده تبنى صروحًا شائكة وشاهقة بينه وبين من اقترن اسمها به، وبين قلبيهما أكثر مما بين المشرقين، ومجرد أن تقع عينها على هيئته تنتفض خلجاتها ويكاد بعضُها يحطم بعضًا، وكم من وجهٍ صبوح اقترن بعجوز متصابٍ أشبه ببابٍ اختلت قوائمه وتقيحت أوداجه! وكلُّ مؤهلاته أنه محفظة نقود ليس إلا، ويرى فى زوجته أنها من الأنعام لا تبالى إلا بالعلف؛ وكأن السماءَ جاءتْ به ليتلفها لا ليعلفها؛ وتسمع لعظامه قعقعة وهو نائم؛ ومتى قام يحتاج إلى خرسانة تقيم عوجه وتنسق امته. يا رب اجعل الآخرةَ خيرًا لنا من الأولى، ورفقًا بالقوارير.