جميلة لحظات الفوز والإنتصار، جميلة ساعات الفرح وظنى أن سر جمالها أنها عارضة فى حياة البشر وانها لاتدوم طويلا، فلودامت تللك اللحظات واعتادها الناس لذهب سر جمالها، لكنها عارضة متهللة لاتدوم شمسها، فكل فرح يعقبه كدر وكل سعة يعقبها ضيق،فلحظات الفرح على ندرتها محفوفة بالأمنيات لكنها عزيزة وغالية، تتراقص أمامها الأمنيات وتنفرج لها الأسارير وتسعد معها القوب وتشرق معها النفوس، تشرأب الأعناق لدوامها واستمراهها وبقائها... بالأمس أشرقت نفوس المصريين وانفرجت اساريرهم وهم يتابعون على الفضائيات الملحمة التاريخية، حبسوا أنفاسهم من المحيط إلى الخليج فى كل بقعة من الأرض وكلهم دعا وتمنى على الله الأمانى بأن ينصرهم ويحصلوا على الكأ س وحقيقة الأمر أننى لم أشاهد مباريات الكرة من زمن بعيد فلم تعد فى دائرة اهتمامى لكننى وجدتنى بالأمس مشدودا لمشاهدة المباراة النهائية وفى جو من المشاهدة لم أعشه منذ زمن بعيد،تهليل وتكبير ودعوات من كل المشاهدين وكأنهم سيفتحون عكا التى مضى على حصارها زمن، أو سيحررون القدس التى تأن تحت نير المحتل الغاصب، فتمنيت أن لايرد الله لهم دعاء ومضى الوقت والناس تحبس أنفاسها وكان بجوارى صديق أعرفه ممن لايتخلفون عن صلاة أبدا لكنه عاشق للكرة فهمست فى أذنه حتى لايسمعنى الآخرون وقلت له لقد حان موعد صلاة العشاء، فوجدته يقول لى : الموقف ساخن جدا، دا مش وقت صلاة" فتسللت من بين الحضور وبحثت عن مسجد لأصلى العشاء ثم عدت للجموع المحتشدة لأتابع معهم هذه اللحظات وإذا بهم عند كل هجمة علينا يقولون يارب استر،ولما جاء موعد الضربات الترجيحية ابتهلوا إلى الله بالدعاء الحار بأن ينصرهم وعلت دعواتهم وتكبيراتهم فقلت لهم أنتم لم تصلوا العشاء وتطلبون من الله أن ينصركم؟ فضحكوا ولم يفهموا مغزى قولى فلم أعلق عليهم كثيرا وانتهت المباراة وتزينت الأرض التى تقل العرب والمسلمين فى أماكن كثيرة من العالم ، أعلام وصيحات ، صور نساء يتراقصن ويتمايلن طربا ونشوة بالنصر المؤزر المبين لفريقنا الهمام الذى تابعه الملايين رجالا ونساء بالدعوات والأمنيات وحين أرخى الليل سدوله ومضت ساعاته واقترب الفجر كان موعد النوم بعد العناء الشديد، الجماهير متعبة من العاشرة صباحا حتى صباح اليوم التالى، ماأجمل حرصهم، وما أجمل مؤازتهم لفريقهم، لكنها ساعات محدودة وفى الصباح أرسلت لى رسالة مع تباشير الصباح ففتحت الجوال وإذا بها "ابن أخينا....توفى أمس فى حادث سيارة" وهو طالب جامعى جاء ليقضى أجازته مع والده فى الأراضى المقدسة، فقلت سبحان الله، كل فرح إلى زوال،لايدوم وإن طال المدى،هكذا تصرعنا الأيام، تذكرت على الفور دماء زهاء الألف من أبناء وطننا الذين مازال معظمهم فى عداد المفقودين قد غطى الإنتصار الكبير والفتح المبين على تلك المأساة والفاجعة،لاتظنونى ممن يعكرون الأجواء أو ممن يكدرون الصفاء، لكنها وقفات، مازالت الأسر مكلومة والبيوت مجروحة ولم يعرف بعد للحادث سبب يقينى ونحن نجول الشوارع ونحمل الأعلام وقد ضاعت منا المعانى الجميلة للمواساة والمؤازة والمشاركة فى الأفراح والأتراح... الا يجدر بنا أن نفتش عن سر حقيقى يجعل سعادتنا تدوم ويحملنا إلى أمل جميل بتمام كرم الله لنا، بالنصر الحقيقى للمسلمين فى كل مكان، بالإنتصار لنبينا ليشفى صدور قوم مؤمنين، متى تشرق شمسنا يا أمتى؟متى نعبق كل صباح بذكر وكل مساء بشكر،فنصبح وهمنا الذكر ونمسى وهمنا الشكر،لانضر بغيرنا ،إذا صمتنا فصمتنا فكرا وإذا ابتهجنا فابتهاجنا شكرا.. متى ننزل الدين من نفوسنا منزلة تفوق حب كرة القدم وهى منزلة الدين لها أهل.....