«موطني... الحسامُ واليَراعُ لا الكلامُ والنزاعُ رمزُنا مجدُنا وعهدُنا وواجبٌ إلى الوَفا يهزّنا عزُّنا غايةٌ تُشرِّفُ ورايةٌ تُرفرف يا هَناكْ في عُلاكْ قاهراً عِداكْ موطني...» صعدت الكلمات من قلب الشاعر الفلسطيني أحمد طوقان، لأرضه فلسطين، تنطبق كل كلمة على يوم الأرض الذي ثار فيه الفلسطينيون كي ترفرف أعلام فلسطين في أنحاء أرضها، ومازالوا مؤكدين أن الشباب لن يكل وهمه أن يستقل حتى ذكرى هذا اليوم ال39. سمي هذا اليوم بيوم الأرض الفلسطيني؛ حيث اليوم الذي يحييه الفلسطينيون في 30 مارس من كلّ سنة، والذي تعود أحداثه لشهر مارس من عام 1976، بعد أن قامت السّلطات الإسرائيلية بمصادرة آلاف الدّونمات من الأراضي ذات الملكيّة الخاصّة أو المُشاع في نطاق حدود مناطق ذات أغلبيّة سكانيّة فلسطينيّة، وقد بدأ آنذاك إضراب عام ومسيرات من الجليل إلى النقب واندلعت مواجهات أسفرت عن سقوط ستة فلسطينيين وأُصيب واعتقل المئات. ويعتبر يوم الأرض حدثاً محوريًا في الصراع على الأرض وفي علاقة المواطنين العرب بالجسم السياسي الإسرائيلي؛ حيث إن هذه هي المرة الأولى التي يُنظم العرب في إسرائيل منذ عام 1948 احتجاجات ردًا على السياسات الإسرائيلية بصفة جماعية وطنية فلسطينية. البذرة التي جنت «يوم الأرض» قبل قيام دولة إسرائيل، كان عرب فلسطين شعبًا مزارعًا في غالبيته العظمى، فكان 75٪ من الفلسطينيين آنذاك يعيشون على فلاحة الأرض، وبعد نزوح الفلسطينيين عقب نكبة عام 1948، ظلت الأرض تلعب دورًا هامًا في حياة 156 ألفًا من العرب الفلسطينيين الذين بقوا داخل حدود إسرائيل التي قامت لتوها، وبقيت الأرض تشكل مصدرًا هامًا لمعيشتهم، وبالتالي لانتمائهم. سنت الكنيست الإسرائيلية عام 1950 قانون العودة؛ لكي تسهل ضخ أعداد من اليهود إلى إسرائيل واستيعاب القادمين الجدد، ولكن في المقابل وضعت الكنيست قانونًا يتعلق بأملاك الغائبين الذي يعتبر وسيلة فعالة لمصادرة الأراضي التابعة للاجئين الفلسطينيين الذين فروا أو طردوا من مناطق سكنهم التي أصبحت إسرائيل في عام 1948. وكان هذا القانون يستخدم أيضًا لمصادرة أراضي المواطنين العرب في داخل إسرائيل، بعد تصنيفها وفق القانون على أنها «أملاك غائبين»، والمتوقع أنهم أشخاص تركوا أراضيهم ونقلوا لبلدة مجاورة فباتت مهجرة، فكانت السلطات تصدرها تحت زعم أنها «أملاك غائبين». وبلغ عدد ممن يعتبرون «الغائبين الحاضرين» أو الفلسطينيين المشردين من بلدة إلى أخرى ولكنهم بقوا داخل إسرائيل، نحو 20٪ من مجموع السكان العرب الفلسطينيين في إسرائيل. وبحسب المؤشرات، أنه بين عامي 1948 و2003 صودرت أكثر من ألف كيلومتر مربع من الأراضي التابعة لمواطنين عرب في إسرائيل.
ومنذ 76.. الفلسطينيون باقون ما بقى الزعتر والزيتون عقب قرار الحكومة الإسرائيلية مصادرة الأراضي ولا سيما تلك الواقعة بين قريتي سخنين وعرابة والتي تقدر بأربعة آلاف «دونم» بداية 1976، دعا قادة المواطنين العرب في إسرائيل وفي مقدمتهم قادة الحزب الشيوعي، مثل الشاعر توفيق زياد الذي شغل أيضًا منصب رئيس بلدية الناصرة، إلى يوم من الإضراب العام والاحتجاجات ضد مصادرة الأراضي وتحدد موعد هذا الإضراب في يوم 30، وكانت قد تشكلت لجنة للدفاع عن الأرض شملت في عضويتها شخصيات من مختلف فئات المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل.
وفي 18 مارس اجتمع في قرية «شفا عمرو» في الجليل، عدد من رؤساء المجالس المحلية العربية في إسرائيل وأعضاء من حزب «العمل» الحاكم في ذلك الوقت، وصوتوا ضد دعم الإضراب والاحتجاجات على مصادرة الأراضي، وحين انتشر خبر اتخاذ هذا القرار في «شفا عمرو»، خرجت مظاهرة عفوية خارج مبنى البلدية، مما دفع قوات الأمن إلى استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقها. ومن جانبها، أعلنت الحكومة أن جميع أشكال الاحتجاجات والمظاهرات المقررة في هذا اليوم ستعتبر غير قانونية، وتوعدت السلطات بالتصدي «للمحرضين»، مثل معلمي المدارس الذين شجعوا الطلاب على المشاركة في الاحتجاجات. وفي ضوء ازدياد حدة الصراع، فرضت الشرطة حظر التجوال على القرى العربية سخنين وعرابة ودير حنا وطرعان وطمرة وكابول من مساء 29 مارس 1976، بغية منع الجماهير العربية من المشاركة في الاحتجاجات. لاسيما لم تكن تلك القرارات فعالة، فقد عم الإضراب؛ حيث رفض العمال الخروج إلى عملهم وأقفل التجار محالهم وأصيبت الحياة العامة في المدن والقرى العربية في إسرائيل بالشلل التام، وخرج الجميع منذ ساعات الصباح الأولى للاحتجاج في مسيرات عامة جابت شوارع جميع البلدات العربية من الجليل في الشمال إلى النقب في الجنوب، وقد جرت إضرابات تضامنية أيضًا في ذات الوقت في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي معظم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
أول احتجاجات وأول الشهداء وسقط خلال تلك الأحداث 6 من الشباب الفلسطينيين ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية، وذلك أثناء مواجهات وقعت بين المحتجين وقوات الأمن الإسرائيلية التي اقتحمت بأعداد كبيرة البلدات العربية بغية وقف الاحتجاجات الجماهيرية وتفريق المظاهرات. ومنذ هذا التاريخ علقت الأحداث في ذاكرة الفلسطينيين على أنه «يوم الأرض» واتسعت معانيه وذكراه حتى لفت العالم سنة بعد أخرى وبات أشبه بيوم وطني في كل الدول العربية، تبرز خلاله علاقة العربي أينما كان بالأرض وتمسكه بها. وقد سقط في مثل هذا اليوم قبل 39 عامًا كل من: خديجة شواهنة وخضر خلايلة ورجا أبو ريا وثلاثتهم من قرية سخنين وكذلك خير ياسين من قرية عرابة ومحسن طه من قرية كفركنا وكذلك رأفت زهيري من بلدة نور شمس، قتل في الطيبة.