لاشك أن منصب الرئيس منصب خطير لا يُحسد عليه من تولاه , ولذلك جعل الله الحاكم العادل في مقدمة السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ( إمام عادل ) ولقد جاء في الحديث الشريف ( ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً حتى يفكه عنه العدل أو يوبقه الجور ) فبئست الوظيفة هي , إذ لا تستحق أن يصارع من أجلها أحد أو تزهق في سبيلها روح , أما من أخذها بحقها وأدى حق الله فيها فله عند الله الأجر العظيم والثواب الوفير . ومسئوليات الرئاسة كثيرة , ولكني أعالج أحد مهامها طبقاً لعنوان المقال فهو خاص بأرواح المواطنين , فالرئيس الواعي لهذه المهمة تجده لا يدفع ببلاده إلى فتنة يقتتل فيها الناس , بل تراه يسعى إلى الخروج منها , وإن كلفه ذلك وظيفته , فالحسن بن علي رضي الله عنهما لما آلت إليه الخلافة نظر فوجد أن الصراع قد أهلك خيرة الصحابة فتنازل في مشهد مهيب أغضب أنصاره ولكنه فعل ما أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته حين قال ( إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين ) لقد فعل الحسن رضي الله عنه ذلك وهو الأفضل من معاوية رضي الله عنه لكون حقن دماء المسلمين عنده أولى من النزاع الدامي على سلطة لا تدوم لأحد . ومن مهام الرئاسة ألا تسمح لقتل أحد من معصومي الدماء لأن المسئولية تقع في النهاية على عاتقه , ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز لا يسمح لولاته بتنفيذ أحكام الإعدام إلا بعد عرض هذه القضايا عليه ليراجعها بنفسه , وكان أيضاً يراجع أحوال السجون فلا يسمح بوجود شخص محتجز بغير وجه حق حيث كثر – آنذاك – الخلاف السياسي بين الولاه وبعض خصومهم فكان يأمر بإطلاق سراحهم فوراً , ولقد كان الأمراء في أيام سلفنا الصالح لا يسمحون بظلم أحد من الرعية ولو كان ذمياً أو معاهداً فهم ينصفونه ولو من أنفسهم , ولقد أدى هذا الصنيع في ازدياد محبة الناس لتعاليم الإسلام بل والدخول في دين الله أفواجا . ومن أسباب حفظ الأرواح القصاص العادل من القتلة ( ولكم في القصاص حياة ) إلا أن يعفو ولي الدم أو يقبل الدية أو يصالح على مال , ولكون إنصاف أهل القتيل يشفي الصدر ويقطع الطريق على فكرة الثأر خارج إطار القانون فلزم أن يتحرك الرئيس ومعاونوه للتحقيق في كل دم ينزف على أرض الوطن من أجل الإنصاف أو الصلح وتهدئة النفوس , كما أن الواجب على الرئيس ألا يغامر بجيشه في معارك مع جيرانه من الدول الإسلامية لكونه مطالب بتأمين الحدود وذلك بتوثيق العلاقات والصلات مع دول الجوار لا بتدخل غير محسوب ربما يكون فيه نصرة لظالم أو فتحاً لباب شر يهدد أمن الوطن . إننا ياسادة في مرحلة بناء وطن نأمل أن يكون في صدارة الأمم , وهذا يتطلب منا غلق كل باب للصراع , ورد كل مظلمة لصاحبها , مع ترضية خواطر الخصوم واحتواء الخلافات بالحوار السياسي الهادف والمفيد للوطن مع الوضع في الاعتبار أننا جميعاً أبناء وطن واحد نريد له الخير فلا مجال للتخوين أو التشهير أو الطعن في النوايا , بل علينا أن ننظر إلى مستقبل وطننا من أجل سعادة أبنائنا . والله المستعان