أسوأ ما يمكن أن يلاقيه الشعب المصري هذه الأيام هو انفتاح طاقة الحرية واتساع نطاق الأمل بصورة تجعل كل تأخير في الإصلاح والتغيير يخصم من رصيد الفرحة بالثورة على نظام السرقة والنهب الذي كان يحكمنا، ويوم عن يوم تستمر سيطرة القيادات السابقة التي كانت تسبح لنظام الفساد ليل نهار، وتستمر حالة العجز التي تنتاب المسئولين، فلا يحسمون قضية ولا يردون حقًّا، ولا يدافعون عن مظلوم، بالرغم من أن كل ذلك يجب أن يكون له الأولوية لمفهوم العمل الحكومي في ظل الثورة، لكن يبدو أن هؤلاء الفلول خاصة أولئك الذين لم يتوبوا بعد ولم يتقربوا للشعب بأي عمل صالح يخلقون حالة من الفوضى لدى عامة الشعب الذي ينتظر من الثورة تنمية حقيقية، وعدالة اجتماعية، تجعلهم شركاء في ثروة وطن نهب آلاف السنين، وما زال يحمل في جباله وسهوله وأراضيه الخير الكثير!. وما يؤلمني أشد الألم هو حالة المزايدة والمتاجرة والمعارضة الدائمة من أجل الظهور واستعراض ملكات الحديث المتعالي كالشريك المخالف دون القدرة على فعل أي شيء مفيد للناس، ولعل التعريفات المتعددة لجماعة النخبة السياسية يساعدنا على تحديد حجم الأذى الذي يسببه هؤلاء باسم النخبة لشعب انفتح على الإعلام، وأرهف أذنه لسماع كل شيء في أي شيء. "إن النخبة هم الأشخاص والجماعات الذين- تبعًا للسلطة الفعلية- يملكون التأثير على الآخرين، ويساهمون في تغيير مجتمعهم ويؤثرون في مجرى تاريخه، سواء بالقرارات التي يتخذونها أو بالأفكار والمعتقدات التي يبثونها أو بالانفعالات والأحاسيس التي يثيرونها في نفوس جماعاتهم، ويكونون هم رمزًا لها وتعبيرًا عنها". "في التراث العربي، هناك حضور جليّ لمفهوم النخبة، دون استخدام المصطلح نفسه؛ حيث تمّ إطلاق اسم السُراة على هذه الفئة الاجتماعيّة المتميّزة، والتي تلعب دورًا تنويريًّا في المجتمع. وهي مكوّنة بالضرورة من أشخاص يمتلكون قوّة التأثير المعنويّ للتدخل القوي الفاعل، ويشاركون في صياغة تاريخ جماعة ما، ولعلّ أوّل ذكر صريح لهذه الفئة ووظائفها في التراث العربي هو نصّ جاهليّ للشاعر الأفوه الأودي، وهو النصّ الذي كثر الاستشهاد، به لاحقًّا في عدد من كتب التراث، عند الحديث عن أهمّية هذه الفئة من المجتمع، ومن أبياته الشهيرة: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا صلاح إذا جهّالهم سادوا تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت وإن توالت فبالأشرار تنقاد إذا تولى سراة الناس أمرهم نما على ذاك أمر القوم فازدادوا هذه التعريفات تعني أن النخبة يمكن أن تكون هي عقل المجتمع، سواء أكانت في مواقع السلطة أو في هيئات المعارضة، أو في مؤسّسات المجتمع المدني؛ فإنها عنوان صلاح أو فساد المجتمع؛ فإمّا أن تحافظ على مكانتها وريادتها وتأثيرها الإيجابي، أو أن ينشغل أفرادها بالبحث عن مكاسب فرديّة، واعتبارات شخصيّة، فتتفكك وتفقد حضورها، وينقلب تأثيرها سلبًا، فتصير بذلك مجرّد حالة انتهازيّة، وعنوانًا من عناوين الأزمة لأيّ مجتمع. أ ه. إلى أي الاتجاهات تنتمي النخبة الحالية التي ينتمي بعضها للنظام البائد، وهم يحملون كل معاني التيئيس، وينشرون كل علامات الإحباط من ثورة لم تكتمل بعد، حتى المنتسب منهم للمعارضة يسيرون في نفس الاتجاه دون توضيح ببارقة أمل، أو مخرج للأزمة التي يوصفونها مثال ذلك مقال للأستاذ ضياء الجبالي الذي جاء فيه:¬ "وسط المعارضة العلنية الزائفة لأحزاب المعارضة المصرية المأجورة؛ الذين يقبضون أتعابهم ونصيبهم من تحت الطاولة؛ بالاتفاقيات السرية المعروفة.. ووسط صيحات ثوار مصر المدوية؛ للبحث عن الزعامة الجماهيرية؛ أو التمويل اللازم لتحقيق الأطماع والمكاسب الثورية الشخصية؛ ثم الشعبية.. مع استمرار احتضار الشعب المصري نتيجة للدمار الشامل المحيط.. قلنا لن ينجح في أية انتخابات؛ سوى من يرشحه المجلس العسكري؛ من الفرق الاحتياطية لنظام الكفر البائد.. حيث إن المجلس العسكري لن يسلم الحكم للشعب طواعية؛ غضب منا من يتغنون بالموشحات الأندلسية؛ لترشيح أنفسهم؛ بحثًا عن مجد أو منصب أو شهرة أو وهم.. والكل يعدو على المنحدر؛ متوهمًا الحكمة والعبقرية الحمقاء.. في انتظار حدوث ورؤية المصائب والكوارث المنطقية المتتالية؛ لتلوم كل فرقة الفرق الأخرى؛ بعد خراب مالطا؛ وكلٌّ يغني على ليلاه؛ وكل فريق يؤكد خطأ الفرق الأخرى فقط.. فهل رأيتم في الوجود.. مثل هذا الغباء؟؟" أنا شخصيًّا لم أر!! بل أزعم أن ما وصفه لو كان هو الحقيقة لاعتزلنا جميعًا الفتنة ولكفرنا بكل ما تمَّ من إنجاز وما تحقق بفضل الله أولاً ثم بدماء شهداء مصريين تستباح دماؤهم منذ عشرات السنين، في مؤامرة رخيصة للقضاء على شعب بكلِّ قيمه وثرواته! هذا المنطق يمكن رصده في مقالات وتصريحات شتى هدفها الظهور على الحقيقة وتخوين الآخر، والتشكيك في كل شيء، فإذا عاند المجلس الأعلى باعتبار قراراته قرارات حرب كما تعود هاجموه، وبعد أن بدأ يلعب سياسة عندما رضخ لبعض مطالب الأحزاب ووعد بدراسة البعض نظرًا لتداعيات تنفيذها هاجموه وهاجموا من حضروا، ولم يعد كثير من المصريين يفهم شيئًا مما يسمع ويرى "يعني اللي حصل ده حلو ولا وحش". ولم تكن القنوات الفضائية بعيدة عن معترك التشويش والتشكيك، فها هو مفيد فوزي المحاور الرئاسي ينتقد وزير المالية عندما صرح بأن الاقتصاد المصري ما زال متينًا على قنوات "دريم" ولم يثبت لنا خطأ التصريح إلا بأن الناس مش لاقية تأكل!! يعني كنا بناكل أيام حبيبه المخلوع!! وظهرت وجوه كنا قد نسيناها الشهور الماضية تطل علينا نفاقًا كما تعودت للمجلس الأعلى هذه المرة أو تشويها في الثورة أو تشكيكًا في الثوار، كي نندم على قيام الثورة بل هم النادمون إن شاء الله، ولن يفلت مخطئ بخطئه أو بجريمته مهما طال الزمن، وإن غدًا لناظره قريب. استاذ جامعي وبرلماني سابق