انتهت انتخابات نقابة الصحفيين المصريين أول أمس بخسارة لافتة للنقيب السابق ضياء رشوان ، حيث خاض المواجهة على المقعد أمام يحيى قلاش ، وكانت النتيجة كبيرة لصالح قلاش ، وأعتقد أنه هو نفسه فوجئ بها ، لكنها في الأساس والمحصلة لم تكن مفاجئة للوسط الصحفي ، فطوال أيام سبقت الانتخابات والروح العامة للصحفيين كانت تحمل غضبا من ضياء ، لأسباب مختلفة ، ولكن السبب الأهم هو الإهانات التي توجهها الدولة للصحفيين وضعف رد فعل النقابة تجاهها ، فلم يحدث أن قتل هذا العدد من الصحفيين واعتقل آخرون وسجن غيرهم ونكل بآخرين في الشوارع أثناء تغطيتهم للأحداث كما هو الحال في العامين الأخيرين ، وربما كانت مشكلة الزميل العزيز ضياء رشوان أنه اقترب أكثر من اللازم من الدولة ومؤسساتها الصلبة ، وهذا ما جعله في موقف صعب دائما وشبه محاصر أمام عذابات الصحفيين ومعاناتهم ، وانتهى إلى عقابه بشدة في الانتخابات الأخيرة . اللافت في تلك الانتخابات أن الكتلة الإسلامية إن صح التعبير قاطعت الانتخابات ، والأمر كان واضحا لمن حضر ، وهذا يعني أن ثلثي الجمعية العمومية التي حضرت تقريبا وصوتوا لصالح يحيى قلاش ضد ضياء جميعهم من غير التيار الإسلامي ، وهذه هي الرسالة التي أظن أنها وصلت بوضوح إلى القيادة المصرية الحالية ، فالتصويت كان عقابيا بدرجة أو أخرى ، والغضب لم يكن متوجها لضياء بشخصه فقط ، وإنما للدولة وكل ما يتصل بها ، وبوضوح أكثر أقول أن التصويت كان ضد السيسي نفسه ، وهذا مؤشر على أن ثمة إجماعا سياسيا يتشكل حاليا على الأقل داخل الجماعة الصحفية معارضا للسيسي وقيادته ونظامه القائم ، وقد تشهد الفترة المقبلة المزيد من الصدامات بين الصحفيين والدولة ومؤسساتها إذا لم يتم إصلاح تلك العلاقة وتفكيك أسباب التوتر ، وهو ما نتمناه بطبيعة الحال ، ونأمل أن يكون هناك "عقلاء" بجوار السيسي ينبهونه لخطورة ذلك . ضياء رشوان ، تتفق أو تختلف مع وجهته السياسية ، إلا أنه قدم خدمات حقيقية للنقابة وللصحفيين خلال الفترة التي تولاها ، وبذل جهدا كبيرا في ظل ظروف قاسية ومربكة جدا ، وهي خدمات يشكر عليها بطبيعة الحال ، والنقابة في النهاية ليست حزبا سياسيا ، وإنما رابطة لرعاية شؤون العاملين اجتماعيا وقانونيا وصحيا وغير ذلك والدفاع عن مصالحهم ، ولذلك يكون التمييز مهما في مجلس إدارتها بين الموقف السياسي والعمل النقابي ، وأتصور أن هذه الروح كانت حاضرة في الانتخابات الأخيرة ، لأن من نجحوا جميعهم كانوا بعيدين عن "الأدلجة" إن صح التعبير ، ومنهم نقابيون قدامى محترفون مثل العزيزين : حاتم زكريا وخالد ميري ، وهذا أمر جيد بشكل عام لاستقامة العمل النقابي وابتعاده عن الحزبية ، لأن تمزق النقابة بين التيارات السياسية والحزبية يضر بالعاملين ، فالصدامات والصراعات تكون بين الأجنحة والتيارات أكثر منها مع الدولة ومؤسساتها المعتدية على حقوق الصحفيين . أيضا ، يحيى قلاش ، النقيب الجديد ، نقابي قديم وصاحب خبرة محترمة وتاريخ نقابي مشرف لا تشوبه شائبة ، وكان عضوا بمجلس إدارة النقابة لدورات عديدة من قبل ونشاطه كبير وكان مرجعية لكثير من شؤونها حتى وهو خارج المجلس ، وأظن أن الرسالة وصلته في الانتخابات واضحة ، وهو يعرف جيدا سبب ما حصل مع ضياء رشوان ، وبالتالي فسيكون من الحكمة أن يتلافى الأخطاء التي وقع فيها سلفه ، ويعدل المسار الذي كان يسير فيه . ما زالت المؤسسات القومية تملك كلمة الفصل في الانتخابات ، نظرا لامتلاكها العدد الأكبر من الأعضاء ، فمؤسسة الأخبار التي حشدت وراء مرشحيها انتزعت نصف المقاعد التي جرى عليها التصويت ، والجمهورية حصدت المقعد الذي احتشدت وراءه ، وللأمانة فجميعهم شخصيات جيدة وتبشر بمرحلة جديدة أكثر إيجابية وفاعلية للنقابة ، سواء قدامى النقابيين أو الشابين الجديدين أبو السعود محمد ومحمود كامل . كل التوفيق لمجلس النقابة في تشكيله الجديد ، وكل التمنيات للزميل العزيز يحيى قلاش بالنجاح في التصحيح وتحقيق مأمول الجماعة الصحفية فيه ، وهو يملك القدرة والكفاءة لذلك .