ماذا يمثل مقتل الزرقاوي للمشروع الإسلامي؟ بل ماذا يمثل ظهور الزرقاوي أصلا للمشروع الإسلامي؟ تلك في الواقع أسئلة مهمة حول المشروع الإسلامي، بوصفه مشروعا سياسيا وحضاريا، وبوصفه مشروعا مقاوما. ومثل كل مشروع، تظهر العديد من الاتجاهات، بعضها يمثل الاتجاهات المتشددة، وبعضها يمثل الاتجاهات المعتدلة، والزرقاوي مثل الاتجاه المتطرف، ولا نقول الاتجاه المتشدد، حيث بالغ في تطرفه لحدود أضرت بقضية المقاومة في العراق، وكانت تفيد العدو في الكثير من الأحيان، كما أنها كانت تصب لصالح حالة الحرب الأهلية في الكثير من الأحيان. ولا نستطيع القول بعدم انتماء الزرقاوي ومن على شاكلته إلى المشروع الإسلامي، بقدر ما نرى أن تلك الاتجاهات تعبر عن حالة الغضب والظلم الواقع على الأمة العربية والإسلامية، وأنها تأتي في صورة عنف منفلت، يماثل العنف المنفلت التي تتعرض له الأمة العربية والإسلامية في أكثر مكان. ولهذا علينا فهم ظاهرة الزرقاوي وغيره، في ضوء أنها رد فعل عنيف غير ناضج، لمناخ يتسم بالظلم البين. ورد الفعل هذا، لا يقف عند حدود، بل يتزايد بالتدريج، ليصبح وكأنه حالة عنف عامة، قد تصيب في النهاية أبناء الأمة أنفسهم، وتوقع الضرر بهم. وأبو مصعب الزرقاوي، مثل حالة خاصة، ففي الوقت الذي لمحنا فيه العديد من التغييرات في خطاب أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، حيث بات واضحا تحول خطابهم إلى المنهج السياسي، والبعد عن التكفير، وتعليل المواقف بالأسباب السياسية والعملية، مع التأكيد على الثوابت الحضارية والدينية، مع هذا التغير الواضح، كان خطاب الزرقاوي يمعن في التشدد والتطرف، ويكثر من التكفير، ويقود العراق إلى حرب أهلية، بسبب موقفه من الشيعة. لهذا نرى أن الزرقاوي كان يسير في عكس اتجاه حركة التغيير التي تسيطر على الحركات الإسلامية عموما، وعلى الحركات الإسلامية المسلحة، سواء التي تستخدم السلاح في المقاومة، أو التي تستخدم السلاح في التغيير السياسي. فالاتجاه نحو الخطاب السياسي، كان واضحا في السنوات الأخيرة، مما يعني أن الحركات الإسلامية عموما تتجه إلى تحديد رؤية سياسية من الواقع المحيط بها، وفي تلك الرؤية يظهر بوضوح التعمق في المتغيرات السياسية ومحاولة التعامل معها. ولكن في المقابل كان خطاب الزرقاوي يعيدنا إلى صورة الجماعات المسلحة المتطرفة، والتي تحارب الجميع وتكفر الجميع. من جانب آخر، كان موقف أبو مصعب الزرقاوي يؤثر تأثيرا سلبيا على المقاومة في العراق، بل أنه كان يشوه صورتها في واقع الأمر. فالصورة التي كان يرسمها الزرقاوي لنفسه من خلال العمليات التي يتبناها، كانت تجعل الانتقام والتكفير هو العنوان، وتجعل صورة مقاومة العدو تتضاءل بجانب الصور الأخرى. لهذا يكون غياب هذا النموذج في مصلحة النموذج الإسلامي المقاوم، والنموذج الإسلامي الحضاري عامة. وهذا لا يمنع ظهور أمثال الزرقاوي مرة أخرى، ولكن التجربة في الواقع تغير الكثير على أرض الواقع، فالكثير من أفعال الزرقاوي أفقدته التأييد الشعبي، مما جعل التنظيم يراجع مواقفه، حتى قبل مقتل الزرقاوي. والمهم في هذا المقام، أن تغير الحركة الإسلامية، نحو الفعل السياسي الناهض، والفعل المقاوم الرشيد، ستؤدي في النهاية إلى غياب النماذج المتطرفة، والتي تحول حركة التغيير إلى حرب، قد تصيب جميع الأطراف، وليس فقط العدو. ولكن ظهور الحركات الأكثر تطرفا، يرتبط في الواقع بحالة الظلم البين التي تعاني منها الأمة، وكلما تعرضت الأمة إلى اعتداء شرس، كلما ظهرت بداخلها حالة الغضب، والتي يتولد عنها العنف المنفلت. وهنا نلمح في الواقع الدائرة التي نقع فيها أحيانا، فالظلم الحادث في السجون الأمريكية، والتعذيب الشديد التي يتعرض له المقاومون أو حتى الناس العادية، يؤدي إلى حالة غضب ورد فعل شديد، يماثل ما يحدث من ظلم. وبهذا تظهر الاتجاهات المتطرفة، وتميل إلى الانتقام، ويصبح العمل المقاوم قائما على الرغبة في الانتقام، ومدفوع بشحنة انفعالية قوية، لا تعطي مساحة للتفكير. ولكن على الجانب الآخر، سنجد أن عدم التوازن العسكري بين الفصائل المقاومة والعدو، سواء في العراق أو فلسطين، له دور كبير في تحديد وسائل وأساليب المقاومة، وتحديد المستهدف من عمليات المقاومة. وتلك الحالة من عدم التوازن، تجعل عمليات المقاومة تتجه للهدف الممكن. وفي العراق مثلا، نجد استهداف المتعاونين مع الاحتلال، يفوق كما استهداف قوات الاحتلال نفسها. وبسبب عدم التوازن العسكري، بل بسبب الفجوة الكبيرة بين إمكانيات المقاومة، وإمكانيات القوات الأمريكية، تتجه المقاومة إلى تبرير استهداف المدنيين المتعاونين مع الاحتلال، وأحيانا تستمر عملية التبرير لتوسع المجال المستهدف بعمليات المقاومة، ونصل مرة أخرى إلى التصورات المتطرفة أو المغالية في التشدد، والتي تؤدي إلى نتائج عكسية. لهذا نرى أن التطرف وليد بيئة مهيأة له، وتلك البيئة يصنعها في الواقع العدو، ويحاول بعد ذلك تشويه صورة المقاومة بسبب الاتجاهات المتطرفة التي تظهر. وندخل في دائرة لا تنتهي بين الفعل ورد الفعل. لهذا لا نستطيع القول بأن مقتل الزرقاوي قد أنهى فصل التطرف، بل نقول أنهى حلقة من حلقات التطرف، وكانت النتيجة في تصورنا لصالح المشروع الحضاري الإسلامي، ولمشروعه المقاوم، حيث بات واضحا أن طريق التغيير والمقاومة مستمر، وأن المنهج الرشيد والحكيم في العمل السياسي والعمل المقاوم، هو الباقي بما له من قدرة على الاستمرار، ولما له من تأييد جماهيري، فالتطرف يفتقد للتأييد الجماهيري. [email protected]