النظر إلي أي حركة أو تنظيم من داخل منهجه ورؤيته، يتيح فهمه بصورة تقترب من طبيعته. ففهم طبيعة التنظيم تساعد علي معرفة الأسس التي تشكل علي أساسها، وأيضا تحدد العوامل الفاعلة بداخله، والتي تشكل تحولاته المستقبلية. وجماعة الإخوان المسلمين، ينظر لها من قبل المراقبين بصور مختلفة، مما يؤدي إلي أحكام متباينة عن وضع الجماعة ودورها. لذا يصبح من المهم فهم طبيعة الجماعة وتحديد المرحلة الراهنة من تاريخها، حتي يمكن فهم دورها الحالي والمستقبلي، وحتي يمكن تقييم دورها علي أساس منهجها وخطتها، وليس علي أي أساس آخر. وجماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها، وهي حركة اجتماعية في الأساس، تعمل علي إصلاح المجتمع، وتحمل فكرة تدعو الناس لها، وتطالبهم بالانضمام لها أو تأييدها. وهي تحمل تلك الفكرة بصورة حركية، حيث تطبق الفكرة في نشاطها، وتدعو الناس إلي تطبيق الفكرة في حياتهم. فهي تحاول تقديم نموذج لتطبيق الفكرة في حياة أفرادها، ثم في نشاطهم المجتمعي، وبالتالي تدعو الناس لفهم فكرتها وتطبيقها في حياتهم. وهي ليست جماعة ثقافية، بل جماعة دعوية تطبيقية، أو دعوية تنفيذية، أي تدعو لفكرة وتطبقها، وتشكل بذلك نموذجا عمليا وواقعيا للفكرة علي أرض الواقع. وفي هذا تحاول بناء كيان اجتماعي يحمل الفكرة ويحميها وينشرها وينفذها. وشأنها شأن الحركات الاجتماعية. تمثل جماعة الإخوان المسلمين تيارا اجتماعيا، فهي ليست فرقة أو مذهب، بل هي تيارا حركيا اجتماعيا، يمثل الماكينة الاجتماعية التي تنتج الفكرة في كل الأوقات. فالهدف هو بناء التيار الاجتماعي الحركي، الذي يحمل الفكرة وينفذها، ويصبح التنظيم هو النواة المركزية لهذا التيار. حيث يتشكل التنظيم من الكوادر الحركية والقيادية، وتتشكل حوله دوائر من الانتماء والتأييد، فيصبح تيارا ونمطا حركيا، يحاول إصلاح المجتمع وتغيير حال الأمة. فالهدف الرئيس من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، تمثل في تشكيل تيار في الأمة، يحمل عبء مشروع الاستقلال والنهوض، ويعمل من أجل إصلاح الأمة علي قاعدة استعادة مرجعيتها الإيمانية والحضارية، ويعمل علي تحريك الأمة من خلال قيمها المرجعية الأساسية، كما يعمل علي تعضيد التزام الأمة بمرجعية الشريعة الإسلامية، حتي تنهض الأمة من خلال تمسكها بمرجعيتها الحضارية الإسلامية، وتبني نهضتها ووحدتها، كما تبني دولتها أو وحدتها السياسية، ثم تقوم بدورها ورسالتها في التاريخ البشري. وتلك المهام الكبري، تؤكد أننا بصدد جماعة تأسست ليكون لها دور مركزي في مسار تاريخ الأمة الإسلامية، وهي تقدم نفسها بوصفها نواة مركزية لمسار التحولات التاريخية المستقبلية للأمة. فهي ليست صانعة النهضة، بل الأمة هي التي تصنع النهضة، وهي ليست مشروعا لنخبة حاكمة، بل هي مشروع لبناء تيار مركزي داخل الأمة يقوي حركتها ويوجه مسارها. وجماعة الإخوان المسلمين، لم تقم من أجل هدف محدد، تصل له وينتهي دورها، بل قامت من أجل هدف مستمر، وهي أن تكون تيارا نشطا في جسد الأمة، يعمل من أجل الإصلاح والنهضة والوحدة والتحرر. ولم تكن تلك الأهداف التي لازمت جماعة الإخوان ببعيدة عن الواقع المتحقق، فقد أصبحت الجماعة تيارا ومدرسة داخل الأمة، ومثلت تيار الوسطية والاعتدال، وأصبحت فكرة مؤثرة علي العديد من الحركات والتكوينات الأخري، وشكلت بهذا المدرسة المركزية في جسد الأمة النابض، ووجهت مسار حركة الأمة، وأقامت منهجا في الإصلاح والنهوض، وشاركت في تجديد الفكرة الحضارية، كما شاركت في استعادة الأمة لمرجعيتها الحضارية. وتلك سوف تكون وظائفها الأساسية قبل الإصلاح السياسي وبعده، وقبل الوحدة الإسلامية وبعدها، وقبل تحقيق النهضة وبعدها. نقصد من هذا، أن جماعة الإخوان المسلمين، أسست لتكون كيانا اجتماعيا منتشرا في كل أرجاء الأمة، يعمل من أجل الإصلاح والنهضة والوحدة، وتقديم الرسالة الحضارية الإسلامية، في مختلف المراحل التاريخية. لأنها قامت علي فكرة تكوين مؤسسة للفكرة الحضارية الإسلامية، وهي ليست مؤسسة ثقافية، بل مؤسسة اجتماعية حركية، أي مؤسسة تنشر الفكرة بين الناس، وتطبقها في الحياة. وبجانب جماعة الإخوان المسلمين تظهر جماعات أخري، وبعضها قد يتحول إلي تيار داخل الأمة، وهو ما يشكل مرحلة جديدة في تاريخ الأمة الإسلامية، مرحلة تتجاوز المدارس الفقهية والمذهبية، فتتشكل تيارات الأمة من خلال المدارس الحركية والفكرية، وتتأسس التعددية داخل الأمة، من خلال مدارس لها رؤي ومناهج مختلفة في الإصلاح، وتشكل معا الرؤية الكلية للأمة تجاه المستقبل. فهي حركة اجتماعية إذن، بحسب التصنيف الاصطلاحي العلمي، وهي لهذا تعمل في المجالات المختلفة، لأنها حركة اجتماعية عامة، وتمثل تيارا عاما داخل الأمة. وعليه يكون دورها في العديد من المجالات، جزءا من تصورها عن النموذج المطلوب تحقيقه في الحياة، فهي جماعة تبني نموذجا حضاريا، يمثل في تصورها جوهر المرجعية الحضارية الإسلامية، وتطبقه في مجالات مختلفة، ليصبح النموذج حاضرا في حياة الناس، ويمثل مركزا لتوجهات الأمة في المستقبل. ولأنها حركة اجتماعية إصلاحية، فهي تريد إصلاح النظام السياسي، مثل الجوانب الأخري من الحياة، ولأنها جماعة تعمل من أجل نهضة الأمة ووحدتها، لذا فهي تحمل رؤية سياسية وتصورا سياسيا، بل تحمل جدول أعمال سياسيا، يقوم علي استعادة المرجعية الإسلامية للنظام السياسي بالكامل، وأيضا تحقيق الوحدة السياسية لمختلف الدول الإسلامية، حتي يتم بناء الوحدة السياسية للأمة الإسلامية. هي إذن حركة اجتماعية لها تصورها الحضاري الشامل، والسياسة جزء منه. وهي بهذا لا تريد إصلاح حياة الناس فقط، بل إصلاح كل أحوال الأمة، بما فيها الجانب السياسي. ومنذ بداية جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة اجتماعية لها دورها السياسي، فهي تبشر برؤيتها بين الناس، كما تدعو لرؤيتها في المجال السياسي. فهي كجماعة دعوية تنفيذية، تدعو لرؤيتها في المجال الديني والاجتماعي والسياسي، وتدعو إلي إصلاح وتغيير النظام السياسي حسب رؤيتها. ولكن جماعة الإخوان المسلمين قامت علي منهج يعتبر أن الأمة هي الفاعل الأول في المشروع، فهي تدعو الأمة لتحقيق مشروع النهضة الحضارية علي أرض الواقع، بما في ذلك الجانب السياسي. كما تدعو الحكام والنخب والقوي السياسية، علي تبني المشروع الحضاري، وإصلاح الأوضاع السياسية طبقا له. وهي أساسا تدعو الأمة إلي إصلاح النظام السياسي، ولا تدعو الأمة إلي تأييدها حتي تصل للحكم لتقوم بالإصلاح السياسي. لأن الجماعة تري أن الإصلاح يتحقق بقوة الأمة في مختلف المجالات، ولهذا قام منهج الإخوان، علي تقوية الأمة لتقوم بدورها، وتصبح جماعة الإخوان المسلمين، مؤسسة مركزية داخل الأمة وتيارا أساسيا فيها، ينظم حركتها ويقويها. ومارست الجماعة دورها السياسي، بوصفها تنظيما يشكل الرأي العام ويضغط علي الحاكم لتحقيق مطالبه. وفي كل المراحل، مثلت جماعة الإخوان المسلمين جماعة ضغط سياسي، تقوم بنشر رؤية بين الناس، وتدعو الناس لتأييد رؤيتها، حتي تكتسب تلك الرؤية قوة في مواجهة النظام الحاكم، وتطالب الجماعة بتحقيق رؤيتها بقوة الرأي المساند لها. وجماعة الإخوان تفعل ذلك في العديد من القضايا، وتشكل ضغطا علي النظام الحاكم، بقدر ما تتحرك الجماهير معها وتؤيدها، أو بقدر ما يتوقع النظام الحاكم أن الجماهير تساند موقف الجماعة. وهدف الجماعة الرئيس، هو بناء نظام سياسي علي أساس المرجعية الحضارية الإسلامية، وليس هدفها أن تصل للحكم. لأن التنفيذ في المجال السياسي، يتحقق من خلال تشكيل الرأي العام القادر علي فرض اختياراته علي النخبة الحاكمة. لذا تمثل جماعة الإخوان المسلمين، حركة اجتماعية وجماعة ضغط سياسي، تعمل لفرض الإصلاح بقوة الرأي العام علي السلطة، ولم تطرح نفسها بعد كبديل للنخبة الحاكمة.