يبدو أن رحيل ما يزيد على 225 مواطنًا داخل السجون بسبب التعذيب والإهمال الطبي وانتشار الأمراض وسوء التغذية وعدم التهوية وافتقاد الرعاية الصحية، لم يكن كافيًا لجذب انتباه السلطات الحاكمة، لحال آلاف ينتظرون نفس المصير، ويواجهون القتل البطيء فلا هم أحياء يعاملون كالبشر ولا هم أموات رحلوا كما سبقهم أقرانهم. فلا يكد يخلو يومًا من خروج معتقلين ولكن ليست إلى الحرية وإنما ليوارى تحت الثرى، بعدما صم المسئولون عن سماع صرخاتهم واستغاثاتهم المتكررة داخل السجون، فلا استجابوا لآلامهم ولا طلبوا علاجهم، وبحسب منظمات حقوقية يوجد أكثر من 5000 معتقل مريض في سجون النظام بمصر يواجهون يوميًّا "الموت البطيء" بسبب الإهمال الطبي، تُوفِّى العشرة منهم بالفعل جراء المرض. ورغم الوعود المتكررة التي يقطعها النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسى على نفسه بالإفراج الرئاسى عن المعتقلين الأبرياء، إلا أن شيئًا لم يتحقق، ليعيش من خلف القضبان بفيروسهم والتهاباتهم وكسورهم ومراراتهم لحين إشعار آخر. سلطان.. الميت إكلينيكيًا وصل إضراب محمد سلطان نجل الداعية الدكتور صلاح سلطان إضرابه عن الطعام لليوم ال407 على التوالي، بعد اعتقاله عقب فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس من العام قبل الماضى. ولم تشفع له صورته المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي ووصوله لحالة صحية في غاية الخطورة، لدى المسئولين في حكومة "السيسي" ورفضت محكمة جنايات القاهرة، التماسًا مقدمًا من القنصلية الأمريكية بمصر يطالب بالإفراج عن سلطان، الذي يحمل الجنسية الأمريكية. أب وابنه.. أحياء أموات والدة عبد الله مختار محمد حسن، المعتقل بالمنصورة، تقول، إن زوجها ونجلها اعتقلا في 16 أغسطس 2013، عقب فض اعتصام رابعة العدوية، أثناء خروجهما من المسجد عقب صلاة الجمعة، لتقتاد قوات الأمن كل منهما إلى مكان مختلف عن الآخر مؤكدة أن نجلها يعانى من كهرباء زائدة في المخ، وتصيبه حالات صرع وتشنجات مستمرة، بالإضافة إلى أن والده (زوجها) يعانى من وباء الالتهاب الكبدي (فيروس سي)، وكذلك خشونة في العظام، والتهابات فى العمود الفقري، وأنه رغم محاولاتها المستمرة إدخال الدواء لهما، إلا أن الجهات الأمنية ترفض وتتعنت. مواطنون بالجملة.. مرضى بدون علاج محمد طلعت شميس، يعانى من التهابات جلدية شديدة مع اشتباه فى الإصابة بسرطان الجلد، وقرحة فى المعدة، وآلام حادة فى الأسنان، ومحمد السيد يونس، يعانى من حصوة فى المثانة وتضخم فى البروستاتا، وفى حاجة ماسة لتدخل جراحى، وهشام محمد أبو الفتوح، يعانى من ضمور فى الشبكية، وسامى عبد الجواد البقلى يعانى من كسر بالركبة ويحتاج لتركيب مسامير منذ 4 أشهر، ولا يوجد طبيب فى مستشفى السجن. شوكان.. تقتله مهنته محمود أبو زيد “شوكان” مصور صحفى حالته النفسية والصحية فى تدهور مستمر يمنع عنه دخول أى طعام أو متعلقات له، وتقتصر زيارته على الأقارب من الدرجة الأولى يفتقد للرعاية الصحية داخل السجن رغم ما يعانيه من فقر الدم والأنيميا بحسب قوله شهادة شقيقه. ويقول محمد أبو زيد شقيق "شوكان": "يعلم الجميع أنه مظلوم ولا ينتمى لأية تيارات سياسية، وإنما هو مصور صحفى مستقل، وكان يؤدى عمله أثناء القبض عليه، ويتم تجديد حبسه تلقائيًا بدون محاكمة لأكثر من 18 شهر، كعقاب له على نقل الحقيقة”. مع بداية يوم 14 أغسطس 2013 يوم فض اعتصام رابعة، وأثناء أداء عمله بتكليف من الوكالة التى يعمل لصالحها، قامت قوات الشرطة بإلقاء القبض على “شوكان” وتم تجريد “شوكان” من كل معداته والتعدى عليه بالضرب المبرح والسب. اليمانى.. الطبيب المريض بالسجون الدكتور إبراهيم اليماني طبيب امتياز، بطل جديد لمعركة "الأمعاء الخاوية" يمارس الإضراب الكلى منذ 25 ديسمبر 2013 حتى الآن قطعه فقط 23 يومًا من فك الإضراب بعد التعذيب والإهانات المتكررة، ثم عاد إليه مرة أخرى وحتى الآن ليثبت أن الحرية هى أغلى من كل انتهاكات الجسد. وقالت والدته الدكتورة نفيسة عبد الخالق إبراهيم، إنه اعتقل من مسجد الفتح، أثناء ممارسته لمهنته فى إسعاف المصابين داخل المسجد، مضيفة أنه لم يتم عرضه منذ 25 ديسمبر على المحكمة إلا فى أغسطس 2014 والتى تم تأجيلها أيضًا نظرًا لتنحى المحكمة، وطوال هذه المدة، هو وغيره 494 ما يعرف ب"معتقلى أحداث مسجد الفتح" الجميع رهين ومحبوس بلا محاكمة أو نيابة أو قضاء. وأضافت والدة اليمانى أنه يعانى من إصابة قديمة فى ظهره وأخرى فى ركبته، ومشكلة فى قلبه، وكلها مشكلات تحتاج إلى الحركة والتغذية والنوم الجيد، بجانب العديد من المشكلات الصحية الأخرى نتيجة لإضرابه المستمر عن الطعام وأحيانًا ينقل مغمى عليه، وهو الآن فى تدهور صحى مستمر.. فى حين ترفض إدارة السجن حتى الآن إثبات وضعه كمضرب عن الطعام. دومة.. من الميدان إلى النقالة أكدت نورهان حفظي، زوجة الناشط المحبوس أحمد دومة، أن حالة زوجها الصحية فى تدهور شديد، مضيفة أن دومة يأتى إلى مقر الزيارة محمولًا ولا يستطيع الوقوف، كما أن وعيه غير مستقر فهو يغفو ويصحو بشكل مستمر خلال الزيارة التى سرعان ما تنتهى. وأضافت حفظى "لا أحد يعرف ما الإجراء الذى تعتزم إدارة السجن القيام به حفاظًا على حياته، مضيفة أنه يعانى من مشاكل جمة فى الجهاز الهضمى بسبب إصابته بقرحة فى المعدة، حيث ساءت حالته الصحية بعد إعلانه إضرابًا عن الطعام للمطالبة بإلغاء قانون التظاهر والإفراج عن كل المعتقلين بموجبه. وحكم على دومة و229 آخرين بالسجن المؤبد وبالسجن لمدة عشر سنوات على 39 حدثا بعد إدانتهم جميعًا فى قضية ما يعرف بأحداث "مجلس الوزراء" فى عام 2011. يقول الناشط الحقوقي، جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن المنظمات الحقوقية فى مصر لا تدخر جهدًا فى محاولة للتخفيف عن المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب فى المعتقلات بتقديم الطلبات إلى المختصين بحسن معاملة المعتقلين التزامًا بمبادئ حقوق الإنسان. وأضاف عيد أن المنظمات الحقوقية تقدم العديد من الطلبات إلى النائب العام لعلاج المرضى من المعتقلين في مستشفيات خارجية إلا أن معظم هذه الطلبات لا يتم الرد عليها ويتم رفضها مؤكدًا أنه فى حالة وفاة المعتقلين بسبب سوء الرعاية الصحية سيسيء ذلك إلى الدولة ويعد مؤشرًا على أنها لا تهتم بحقوق الإنسان، وقال ساخرًا: "مصر زى السجن وهتبقى أد السجن". وبدوره أكد جورج إسحق، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن قضية الإفراج عن المعتقلين من أهم قضايا الساعة على المستوى المحلى، قبل إجراء الانتخابات البرلمانية مؤكدًا أن ذلك سيكون له تأثير كبير على سير الانتخابات. ولفت إسحق إلى أنه ناشد الرئيس عبد الفتاح السيسى أكثر من مرة للإفراج عن المعتقلين المظلومين، موضحًا أن تصريحات الرئيس، بشأن إعداد قائمة للإفراج عن معتقلين سياسيين، وصحفيين، ستزيل الاحتقان بين الشباب، مؤكدًا أن المنظمات الحقوقية تسعى إلى تقديم الطلبات للجهات المعنية للإفراج عن المعتقلين المظلومين. وقال إسحق، إن المجلس الحقوقى قدم قائمة للإفراج عن 170 معتقلًا، وتم الإفراج عن 120 منهم، لكنهم حتى الآن لم يطلقوا سراحهم.