المئات يواجهون مصير محمد سلطان في الخفاء من القيادات للمجهولين بصوت محتقن ودموع منهمرة يردد "حياة ابنى محمد أمانة بين أيديكم وبين أيدى القضاء المصري, فهو يعانى من جلطات وسيولة فى الدم".. كلمات نطقها الدكتور الأب صلاح سلطان فى محاولة رجاء المحكمة لإخلاء سبيل نجله الذى قربت روحه على الاحتضار بعد عام من الإضراب عن الطعام أكمله اليوم. دولة الظلم "حيث وصفت صورة الأب" ونجله "محمد" مفجرة مشاعر الألم والأسى, فهو أب معتقل مكلوم على نجله، ممسكا بروحه قبل يديه، حيث قاربت مشارف روحه على الاحتضار وسط قاعة هادئة يملأ جدرانها عبارات "العدل أساس الملك". لم يكن سلطان ونجله الوحيدان اللذان يحضران يوميًا محاكمات، ولم يكن كذلك محمد نجله فقط أنفاسه حبيسة أيامًا أو شهورًا أو ربما دقائق فى موعد مع النهاية, كذلك لم تكن عائلة سلطان فقط الأسرة الوحيدة التى تعانى يوميا انتظار "الخبر" اليقين "البقاء لله", فخلف القضبان تختبئ العديد من الحكايات والقصص لأشخاص لم يعرف أحد معاناتهم التى قد تتناقلها مصادفة فى إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعى وقد تمر كعابر سبيل على أسمائهم دون أن تركز فيها. فالسجن متاهة لمن لا يعرفه, وحكايات كتبت على جدرانه لن يرويها إلا كاتبها "لكن متى ستروى ومتى ستنتهى؟" الله أعلم. محمد سلطان يحتضر "اللهم من ولى من أمر أمتى شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولى من أمر أمتى شيئًا فرفق بهم فارفق به"، بهذا الحديث الشريف بدأ الدكتور صلاح سلطان حديثه لهيئة المحكمة التى سمحت له بالخروج من القفص برفقه نجله "محمد" والتقطت الصورة التى باتت مصدرًا للذهول بين العديد من النشطاء الذين طالبوا بالإفراج عن سلطان والرأفة والرحمة به وبوالده بعد إضراب عن الطعام وصل لقرابة العام. "لو مت عندنا هنكتبك منتحر" هكذا كان آخر تهديد تعرض له "محمد سلطان" بمستشفى المنيل الجامعى، ردًا على رفضه تقييد يده فى سرير المستشفى، حيث هدده أحد الأطباء الإداريين بإرسال تقرير للمحكمة، يفيد بأنه رفض العلاج ويحاول "الانتحار". "سلطان" المعتقل بسجن العقرب منذ عام وشهرين، قضى منها 263 يومًا إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على اعتقاله, حيث قيد ضمن أقدم المعتقلين المضربين احتجاجًا على اعتقاله وتلفيق قضايا واهية له منذ فض اعتصام رابعة العدوية فى القضية المعروفة إعلاميا بغرفة عمليات رابعة. ويعانى "سلطان" الآن من تدهور واضح فى صحته وصل إلى نزيف بأنفه وفمه حتى دخل العناية المركزة، الأمر الذى حذر بعده النشطاء من احتمالية أن يكون "سلطان" فى المرحلة الأخيرة من عمره ويعانى احتضارًا, مؤكدين أن حياة محمد سلطان فى خطر وحملوا وزارة الداخلية المسئولية الجنائية حال حدوث أى مكروه لمحمد. فى الوقت نفسه تأبى وزارة الداخلية أو المحكمة إخلاء سبيل سلطان نظرًا لظروفه الصحية التى كادت أن تقارب على الموت. "الإضراب يقتلنى.. لكننى لن أقبل تقييد حريتى" "إبراهيم اليمانى" 181 يومًا يقتله الإضراب لكنه حتما لن يتوقف سوى وهو حر, الطبيب المعتقل منذ أحداث رمسيس الأولى من العام الماضى, "إبراهيم اليماني" اسم آخر فى سجل الموتى ببطء بين صفوف المضربين عن الطعام فى معركة الأمعاء الخاوية احتجاجا على اعتقاله، حيث كان ضمن الأطباء المسعفين فى أحداث رمسيس وتم القبض عليه يومها من قبل قوات الأمن, فقد حوالى ثلث وزنه، مطالبا بالحرية ويعانى من انزلاق غضروفى وتهتك بالرباط الصليبى للركبة اليسرى ومشاكل بالقلب". كان "اليمانى" قد أنهى إضرابه الأول بعد 89 يومًا؛ أعلن إضرابه عن شرب الماء من أول أيام العيد 10 ذو الحجة لمدة 7 أيام ينتهى 17 ذو الحجة، وذلك اعتراضًا على تكرار موقف حاجته للنقل لمستشفى خارجى، وفى كل مرة ترفض إدارة السجن، ورفض هشام غنيم، مدير المستشفى، أن يثبت إضرابه فى آخر مرة كان داخل المستشفى، وقال "ماليش دعوة بالإضراب، إجراءات الإضراب عزل فى المستشفى وأنت مش أد كده"، فرد عليه اليمانى ""الإضراب يقتلنى.. لكننى لن أقبل تقييد حريتى". "شقيقة اليماني" وصفت حالته فى آخر زيارة، بالسيئة، وقالت وهى تروى بحزن شديد "أتانا أخى فى مكان الزيارة وقد تعمدوا إدخاله فى آخر كشف الزيارة كالعادة، أتانا وهو مسنود من اثنين من المعتقلين معه، يمشى بخطوات بطيئة ثقيلة، أمسكت بيديه؛ ليست هاتان يديه اللتين أعرفهما، صارتا ضعيفتين تمامًا وصار بهما ارتعاش غريب، وجهه شاحب تماما وبه بعض الزرقة، عيناه فقدتا بريقهما تماما، أصبح جسده هزيلًا بعد أن فقد حوالى ثلث وزنه، عندما جلس إلينا جلس وهو مائل إلى الأمام فالألم يعتصر معدته وأمعاءه، كنت أراه وكأنه لا يستطيع حمل رأسه من شدة الصداع، شفتاه صارتا جافتين تمامًا بسبب إضرابه عن المياه، يتكلم بصعوبة ويرد بصعوبة وكأنه فاقد لتركيزه، بعد أن كان يقوم ولو بصعوبة ليحيى من جاء ليطمئن عليه صار لا يستطيع الوقوف، صار يتنفس بصعوبة شديدة وكأنه يخوض معركة كى يستطيع التنفس". وتضيف شقيقة اليمانى: "أخى لم يعد كما عرفته فبريق وجهه ولمعة عينيه اختفت, إبراهيم ذو الوجه الصبوح والبسمة المميزة لم يعد كما كان", وتختتم: "هل سيعود لى أخى إبراهيم يومًا ما كما كان؟". "دومة" معارض كل نظام "محمول على كرسى متحرك وسط حراسة أمنية مشددة"، هكذا بات مشهدًا متكررًا لأحد رموز ثورة 25 يناير من الشباب وأحد من خرج فى ال30 من يونيو قبل الماضى ليطالب برحيل محمد مرسى عن سدة الحكم. "أحمد دومة" معارض كل نظام يقبع خلف الأسوار بمنطقة سجون طرة، مطالبًا بالحرية فى معركة الأمعاء الخاوية, ورغم أنه مضى على اعتقاله أكثر من 10 أشهر بالسجن, إلا أنه قرر الدخول فى إضراب عن الطعام منذ شهر تقريبا، مطالبًا بالإفراج عن جميع المعتقلين وإسقاط قانون التظاهر. ويعانى دومة من تدهور حالته الصحية بعد شهر من إضرابه، حيث يعانى قرحًا فى المعدة أدت إلى تقيئه دمًا من فمه, نقل على أثرها إلى مستشفى قصر العينى القديم, لكن لم يعرف حتى الآن ما وصلت إليه حالته الصحية وما إذا كان قد فك إضرابه من عدمه، خاصة فى ظل تضارب الأقاويل حول حالته، حتى أكدت نورهان حفظي، زوجته، الأسبوع الماضى قائلة: "بخصوص ما تناولته بعض الصحف من أخبار عن حالة أحمد وإقامته بالمستشفى بعضها نقل عن لسانى؛ لم أر أحمد منذ دخوله المستشفى ولم أزره ولا مرة ولم ألتق أيًا من الأطباء المتابعين لحالته، يعنى معرفش تفاصيل عنه من يوم ما دخل المستشفى"، نافية بذلك جميع ما جاء على لسانها بفك إضراب دومة. معاملة غير آدمية يواجه قيادات الإخوان بسجن العقرب، معاملة من نوع خاص، حيث يتم احتجازهم داخل السجن طوال 22 ساعة، دون خروج، وسط مكان غير آدمي، وينامون على الأرض، فى غرف مدهونة باللون الأسود، دون زيارات. فى هذا الصدد تقول، سناء السقا، زوجة الداعية صفوت حجازي، إن قيادات الإخوان يتم التعنت معهم داخل المعتقل، ومع أسرهم أثناء الزيارة، ولأول مرة يسمح لنا بإدخال بطاطين لهم. وحول الحالة الصحية لزوجها داخل المعتقل، توضح: "صفوت مريض بالمرارة، وتسريب الأملاح والضغط، ونقوم بإحضار العلاج الخاص به على نفقتنا الخاصة، وسط مضايقات من إدارة مستشفى السجن فى التعامل معه، ويحاول حاليًا التصعيد ضده". وأضافت: "مؤخرًا قاموا بدهان حوائط السجن باللون الأسود حتى يتم تحطيمهم نفسيًا، ولم يسمحوا لهم بالخروج من عنابرهم فى إجازة العيد، مع تفريقهم من خلال إبعاد العنابر عن بعضها، حتى لا يتمكنون من التحاور فيما بينهم". البلتاجى وتعنت فى إجراء جراحة عاجلة له تقول سناء عبد الجواد، زوجة الدكتور محمد البلتاجي، القيادى بجماعة الإخوان المسلمين، إن حالته الصحية تتعرض للخطر، بعد رفض وزارة الداخلية إجراء عملية جراحية له فى جدار البطن, مؤكدة أنه كان من المقرر إجراء العملية منذ أكثر من شهرين، لكن مصلحة السجون بوزارة الداخلية مازالت تماطل وتتعنت فى السماح بإجرائها. وحذرت عبد الجواد، من خطورة الحالة الصحية للبلتاجى قائلة: "هناك أعداد كبيرة ماتت داخل السجون، بسبب غياب الرعاية الصحية، وصلت ل 95 حالة، متسائلة: "هل هم يريدون أن يصبح البلتاجى الحالة رقم 96؟". ويحاكم البلتاجى فى ما يزيد عن 35 قضية منذ اعتقاله بعد فترة من فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، أكثرها سخرية الجهر بالصياح من أعلى المنصة، وتجاوزت الأحكام الصادرة بحقه القرن وربع، بخلاف الإعدامات.