في منظومة رسمية لا تتأسس على قواعد ديمقراطية يكون من الصعب أن تناقش بشكل عقلاني وسياسي أي تغييرات وزارية فيها ، لأنك لا تملك قواعد تعينك على ذلك ، وبالتالي فكل شيء ممكن ومحتمل في هذه الحالة ، بدءا من الأخطاء المهنية وانتهاء بالصراعات الشخصية الصغيرة ، وبالتالي من الصعب أن تحكم على دلالات التغيير الوزاري المحدود الذي جرى في مصر أمس ، والذي انتهى بإطاحة حوالي خمسة وزراء ، أهمهم بطبيعة الحال وزير الداخلية ، اللواء محمد إبراهيم ، الشريك الحقيقي للرئيس السيسي في مشوار 30 يونيو 2013 وكل ما أعقبها من إجراءات ووقائع ودماء ، كما أن تغيير وزير الثقافة جابر عصفور بعد أقل من عام على تعيينه في المنصب هو أمر لا يخلو من إشارة أيضا على طبيعة التعديلات ، وربما يكشف لنا أبعادا مخفية في قرار تغيير محمد إبراهيم نفسه . إبعاد اللواء محمد إبراهيم عن وزارة الداخلية كان قرارا منتظرا من مدة طويلة ، لأنه عبء سياسي وأمني وأخلاقي على السيسي ، لاعتبارات مفهومة ، وكانت التضحية به خطوة ضرورية لتخفيف العبء عن السيسي نفسه ، فثارات محمد إبراهيم لم تعد مع الإخوان وحدهم بل مع جميع قوى ثورة يناير ، وأيضا كان إبراهيم يعتبر نفسه شريكا في "الشرعية" الجديدة ، وليس مجرد وزير ، وتتابعت تقارير غير معلنة عن مشكلات بينه وبين اللواء أحمد جمال الدين الذي اختاره السيسي مستشارا أمنيا لرئيس الجمهورية ، فحوله محمد إبراهيم إلى خيال مآتة ، بدون عمل حقيقي ، ولم يشركه في أي خطوة أو قرار أو ترتيبات ، وهذه النقطة ربما تكون أحد النقاط التي عجلت بقرار الإقالة ، لم تكن السبب ، ولكنها عجلت به ، لأن معلوماتي أن قرار إقالة محمد ابراهيم اتخذ فعليا بعد أحداث الدفاع الجوي ومقتل حوالي عشرين من مشجعي نادي الزمالك ، وتردد أن القرار أبلغ له بالفعل ، لكنه خرج في تصريح إعلامي لافت لينفي أنه تقدم باستقالته ، وهو ما أحرج الجميع وأربكهم ، كما طرح تساؤلات عن طبيعة علاقته مع مؤسسة الرئاسة وحساسيات المرحلة ، لأن شراكة محمد إبراهيم في أحداث 30 يونيه وما بعدها جعلت في جعبته كمية من الأسرار بالغة الخطورة يمكنها أن تقلب الأمور رأسا على عقب . وزير الداخلية الجديد اللواء مجدي عبد الغفار هو ابن جهاز أمن الدولة ، وخبراته الأمنية بالكامل منحصرة فيه ، هذا صحيح ، لكن هناك معلمين في شخصيته ، الأول أنه أتى من خارج المؤسسة الحالية ، فقد كان بالمعاش ، وهذا ربما يعطي مؤشرا على رغبة سياسية في هيكلة جديدة للداخلية قد تطال منظومات ودوائر رفيعة فيها ، لأن هذه الهيكلة يكون الأقدر عليها شخص من خارج المنظومة الحالية ، كما كان للوزير الجديد اللواء مجدي عبد الغفار تصريحات قديمة يتحدث فيها عن أهمية إعادة هيكلة جهاز أمن الدولة وتغيير السياسات الحاكمة له بما يتوافق مع التغييرات التي جرت في المجتمع بعد ثورة يناير ، وهذا ربما هو المعلم الثاني لاختياره ، ولو كان الأمر متعلقا بتمكين جهاز الأمن الوطني من الداخلية لتم اختيار أحد أبنائه الحاليين ، لأنه من الناحية النفسية يكون الاختيار من خارج المؤسسة مؤلما لأبنائها العاملين وفيه ما يشبه الإشارة بأن أحدا منهم لا يصلح للقيادة ، كما أن تجربة مبارك مع حبيب العادلي لا تعطي درسا إيجابيا للسيسي في تمكين هذا الجهاز الخطير من مفاتيح القرار الأمني . التغيير الآخر اللافت ، هو إطاحة وزير الثقافة جابر عصفور ، صاحب المعركة الشهيرة مع الأزهر وشيخه فضيلة الدكتور أحمد الطيب ونائبه فضيلة الشيخ عباس شومان خلال الأشهر الماضية ، وهو الأمر الذي دعا الأزهر للتنديد به والرد عليه علنا في بيانات ومقالات منشورة ، وقد حشد عصفور عددا من الصحفيين والإعلاميين لمهاجمة الأزهر وإهانته ، عزل جابر عصفور كان مهينا ، ليس فقط لقصر مدته ، وإنما لأن السيسي أتى بأستاذ بجامعة الأزهر لكي يخلفه في منصبه ، ويكون المسؤول الأول عن الثقافة في مصر ، وهي إشارة لا تخفى دلالتها . بعيدا عن الأسماء ، فإن توقيت القرار بالغ الغرابة ، ومن الصعب تفسير تغيير وزير الداخلية ، أخطر منصب وزاري حقيقي ، قبل أيام من انعقاد مؤتمر اقتصادي عالمي كبير في مصر يفترض أن هناك ترتيبات أمنية على أعلى مستوى قد اتخذت له ، كما أن التغييرات الوزارية في حد ذاتها تعطي رسائل قلق وحيرة للمجتمع المحلي والدولي ولا يناسب إجراءها إلا بعد انتهاء مثل هذه الترتيبات ، ولأن إجراءها قبل أيام فقط من انعقاده لا يخدم الأجواء الجاذبة للمؤتمر الاقتصادي وفرص نجاحه . ارتباط التغييرات الجديدة بتفكير السيسي في تغيير بوصلة سياساته المحلية وتحريك بعض الإصلاحات ، هو أمر غير مستبعد ، لأن هذا الأمر لا مفر منه إن أراد أن يستمر هو نفسه ، فهو ليس بالاختيار أمام هذه الضرورة ، لاعتبارات كثيرة محلية وإقليمية سبقت الكتابة عنها ، ولكن لا يمكن الجزم بأن هذه التغييرات الجديدة مرتبطة بذلك ، لأنها بكل تأكيد أضعف من أن تمهد لذلك ، حتى وإن ضممنا له تعيينه لنائب عام مساعد جديد .