الثورات فعل تلقائى غير منظم، صحيح، لكنه إن لم يكن على درجة ما من الوعي، فسيكون الثوار ومن والاهم هم ضحيته الأولى وليس النظام الذى يسعون للإطاحة به. لذلك كانت قلة العلم والدراية، هى التى جعلت شبابًا مندفعًا يستهدف بالتحطيم والحرق فروعاً لشركة "موبينيل" بدعوى أنها مملوكة ل "نجيب ساويرس" أحد أكبر داعمى 3 يوليو بالمال والمستلزمات، فضلا عن مواقفه السابقة الساخرة من النقاب واللحية عبر نشر صورة مسيئة على "تويتر". لا يعرف هؤلاء أن "ساويرس" باع معظم حصته فى "موبينيل" وبقيت له فيها أقل من 5% فقط من أسهمها والباقى لشركة فرنسية عملاقة، ومؤكد أنه انقلب على ظهره من الضحك وهو يسمع شماتة الذين حرقوا فروع "موبينيل" نكاية فيه، وربما ما يزال يضحك ساخراً مبتهجاً حتى كتابة هذه السطور. هو نوع من الحول الثوري، الذى يجعلك تخطئ الهدف وربما أصبت نفسك من حيث لا تدري. لقد أغلقت شركة "اتصالات" أبواب عدد من فروعها بالجيزة خوفاً من الاستهداف هى الأخرى، بعد أن رأت أن الحول الثورى يمكن أن يطالها باعتبارها شركة إماراتية، ومعروف موقف "الإمارات" من النظام الحالي، حتى ولو أنفقت نصف ميزانيتها لتوضيح أن مؤسسات مصرية أخرى شريكة فيها بنسب كبيرة مثل البريد المصري، الذى طالته عدد من العمليات، وهو المملوك للمصريين بشكل خالص ويخدم شريحة الغلابة منهم. حتى المصرية للاتصالات، الشركة المصرية الخالصة المملوكة بنسبة 80 % للدولة، وبنسبة 20% للمصريين عبر أسهمهم فى البورصة، نالها نصيب من تلك العمليات المصابة بالحول، عبر استهدف السنترالات. طيب، وماذا عن "فودافون"، بأى حجة سيتم استهداف فروعها؟ أم ستبقى سالمة لأن "بريطانيا"، لم تتخذ موقفًا معاديًا من الثورة؟ أم سيتم الزعم بأنها قامت بقطع الاتصالات إبان ثورة يناير 2011؟ وكأنها كانت الوحيدة التى أوقفت شبكتها عن العمل ساعتها دون باقى الشبكات، أو كأنها أوقفت شبكتها بمزاج القائمين عليها وليس بأمر سلطوى قمعى وقتها. ثم إننى لا أجد سبباً مقنعا لاستهداف الاتصالات بالقطع، وكأن الحول الثورى ينفذ ما تريده السلطة بغير أن تتورط السلطة فيه مباشرة، ألا وهو هدف قطع الاتصالات الصوتية والإنترنت عن المصريين، الأمر الذى يمنع تواصلهم ونقل الحقائق عبر شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، كما فعلوا فى 2011، فاستمرار شبكات الاتصالات قائمة على عروشها، ضمان لتواصل المعارضين على الأرض، لأنهم لا يملكون وسيلة أخرى للتواصل، لا يملكون أجهزة لاسلكي، ولا هواتف متصلة مثلا بالأقمار الصناعية، فما هى مصلحتهم فى استهداف شبكات الاتصالات وأبراج المحمول تحديداً؟ لا أقتنع بتلك التبريرات التى تقول إن أجهزة أمنية سرية تقوم بمثل هذه العمليات لتشويه صورة المعارضين لدى عامة الشعب، وإظهارهم بمظهر أعداء الشعب كله، لا أعداء السلطة وحدها، لأنه من الغباء فى مثل هذه الظروف، أن توسع تلك الأجهزة دائرة الذعر بين المواطنين بما يشل مناحى الحياة فى الدولة. اعتقادى أنه فى مثل تلك الأجواء المضطربة التى نعيشها، هناك من هو لديه هرمونات ثورية زائدة، موجهة نحو السلطة تنحرف مع قليل من انعدام المعرفة والوعى لتصبح حولاً ثورياً. إن خدمات الاتصالات منذ إشراك القطاع الخاص فيها، ليست كباقى الأنشطة الأخرى، التى تستهدف الربح الخالص والخاص، بل هى فى حقيقتها مرفق عامة، تساهم فى قضاء احتياجات عموم المواطنين، بإدارة خاصة، تحقق الربح على المدى الطويل، وتيسر حياة المواطنين على المدى القصير، واستهدافها يضر أول ما يضر بالمواطنين، لذلك سيفقد المعارضون للسلطة الحاضنة الشعبية سريعا، فضلا عن فقدانهم المباشر لوسائل تعينهم على التواصل والتأثير والحشد. أدرك أن الغالبية العظمى ممن يعارضون النظام، لديهم من الرشد ما يسمح لهم بالفرز والتقييم والتقدير لما هو مفيد وما هو ضار فى مسيرة الثورة المصرية، وأن من أصيبوا بالحول الثورى أقلية وإلا لكانت معظم فروع وأبراج الاتصالات فى مصر حطامًا لو قرر كل هؤلاء الملايين استهدافها، ونأمل أن تمتلك تلك الأقلية غير الرشيدة، الرؤية والبصيرة النافذة، وأن تتعافى من الحول، ولا حول ولا قوة إلا بالله.