يذكر الدكتور عبد الحميد أبو سليمان رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامى ، في كتابه " إشكالية الاستبداد والفساد في الفكر والتاريخ السياسي الإسلامي" معلقاً على أشكال من الاستبداد الذي يمارسه بعض من ادعى انه من أهل الفكر ، أو من النخب السياسية ، وادعاءه بأنه صاحب الرأى والمشورة ، بل انه أولى من الجميع بالتنظير واقتراح الحلول واتخاذ القرارات المصيرية ، وان باقي الشعب ليس أهلاً لاتخاذ قرار ، أو الحكم على الأمور ، ولعل ذلك يذكرنا جميعا بما يدور على الساحة المصرية ، بشأن المبادئ الفوق دستورية ، وما ترتب عليها من مواقف وردود أفعال بين معارضة كاسحة ، وتأييد من قبل البعض ممن اعتبر نفسه وصياً على المجموع العام ، ووفقاً لمبدأ مغلوط يدعى أن المجموع العام لا يعرف وليس له دراية بالأمر . فماذا يقول الكتاب في هذا الشأن يقول المؤلف : " لقد انقلب حال نظام الأمة رأسًا على عقب حين اعتبر الخطاب الديني – بشكلٍ واعٍ أو غير واعٍ -أن الأمة المسلمة هي "الذين لا يعلمون" و"الذين لا يفقهون" وأصبح رجال الحكم والسلطة ومن وراءهم من أصحاب السطوة وكذلك وموظفوهم من أصحاب الإجازات، والاختصاصات الأكاديمية، والألقاب الرنانة الطنانة، هم "الذين يعلمون ويفقهون" وأصبحت الأمة هي الجاهل والقاصر، وأصبح الحكام وأصحاب المصالح وموظفوهم وأعوانهم وزبانيتهم، هم "الراشدون" "العالمون" والأوصياء على الأمة" إن من المهم أن نعلم أن أصحاب الاختصاصات الفنية الأكاديمية من العلماء الأكاديميين في الشأن الديني أو الاجتماعي أو التقني أو سواهم مهما اتسع علمهم فدورهم يجب أن لا يعدوا المشورة والتنفيذ وإبداء الرأي والمشورة، وليس من حقهم إصدار القرار السياسي، لأن القرار السياسي هو من شأن الأمة صاحبة المصلحة؛ لكي تحقق الأمة تطلعاتها الحضارية، وتحمي مصالحها السياسية والحياتية. وغير ذلك خلط للأوراق بدعوى جهل جمهور الأمة المسلمة وقصور إدراكهم، ويصبح القائلون به هم المسئولون عنه، ومن يجب إبعاد أيديهم عن أي مشورة أو سلطة. إن مثل هذه الدعوى من قِبَلِ رجال السلطة وأعوانهم من جانب، وبسبب خلط الأوراق وغيمومة الأمر من بعض المخلصين من جانب آخر، هي – في الحقيقة – دعوى فاسدة؛ لأن الأمر هنا أمر شورى سياسةٍ وقرارٍ، وهو حقُّ الأمة صاحبة القرار "وأمرهم شورى بينهم" الشورى: 38 وهو أمر يختلف عن أمر تنفيذ قرارات شورى الأمة، ولذلك يجب اتخاذ القرارات السياسية العامة بشورى الأمة؛ التي يستفاد فيها بمشورة أصحاب الاختصاص في بعض الجوانب، بحسب الأحوال. أما دعوى جهل الأمة وقصورها لتبرير سلب حقِّها في اتخاذ قراراتها، وتوجيه أمور حياتها، هي دعوى لتمكين مزيد من الجهل والتجهيل والاستبداد، وبالتالي الفساد والإفساد في الأمة ؛ وذلك حتى تبقى الصفوة السياسية وأدواتها وأجهزتها هي الوصي العالِم المهتدي المستنير !! أما إذا كان هناك حقاً جهلٌ أو قصور إدراكٍ عند جمهور الأمة، على مستوى الوعي السياسي وصنع القرار السياسي، وهو غير الدراية الفنية والأكاديمية، لأن الشئون الأكاديمية والفنية والتقنية هي أمور اختصاص فني وهي من شأن السلطات التنفيذية، فيكون علاج قصور الوعي الاجتماعي والسياسي بمزيدٍ من جهود التربية والتعليم والتثقيف والإعلام، وبمزيدٍ من برامج الدعوة والتربية والتعليم والإعلام، والتوعية، وباقتناع جمهور الأمة وتقبلهم، وليس بادعاء الوصاية والتجهيل ومزيدٍ من وصايات التسلط والاستبداد؛ تمكيناً لمفاسد رجال السلطة وأصحاب المصالح وتجاوزاتهم. وللحديث بقية عن خارطة الطريق للخروج من مشهد الفساد والاستبداد السياسي . [email protected]