لم يعد ممكنًا أن تبقى العلاقات المصريَّة- الإسرائيليَّة على حالتها المحكومة بمعاهدة غير متكافئة، كما لم يعد في استطاعة أي نظام حكم في مصر أن يواصل سياسة الإذعان التي تعود عليها الإسرائيليون لعدة عقود. وكان مشهد الشاب المصري أحمد الشحات الذي نجح في تسلق بناية طويلة تقع سفارة إسرائيل في قمتها وإنزال علمها ورفع علم مصر محله مشحونًا بالمعاني والدلالات، وليس فقط بالمشاعر والأحاسيس. كان هذا المشهد هو التعبير الرمزي الأكثر وضوحًا عن أن العلاقات المصريَّة الإسرائيليَّة لا يمكن أن تبقى على حالها، وكان مثيرًا للانتباه احتفاء صحف غربيَّة بهذا التطور، لكن ليس من زاويته الخاصة بالعلاقات مع إسرائيل، بل من جانبه المتعلق بأن الديمقراطية تخلق حقائق جديدة. وعبرت "نيويورك تايمز" عن حقيقة التطور الذي حدث في مصر، وهو أن شعبها أصبح طرفًا في معادلة العلاقات مع إسرائيل، بعد أن كان بعيدًا عن حسابات الحكومات السابقة. وتوازى ذلك مع كتابات وتعليقات في صحف إسرائيليَّة حرصت على توضيح ضرورة استيعاب التغيير الذي حدث في مصر للمحافظة على العلاقات معها. غير أن هذا الاستيعاب يتطلب إدراك ضرورة حدوث تعديل جوهري للبروتوكول الأمني أو الملحق الأول لمعاهدة السلام الموقعة عام 1979 حتى لا يتسبب الوضع العسكري غير المتكافئ على الحدود في استسهال إطلاق جنود إسرائيليين النار على الجانب المصري فأيًّا كانت ملابسات الحادث الحدودي الأخير، فثمة ما يدل على أن الجنود الإسرائيليين يستسهلون إطلاق النار لمعرفتهم أنه لا توجد قوة ردع على الجانب الآخر بسبب القيود المفروضة على مصر في المعاهدة، وهذه قيود فادحة لا مثيل لها على الحدود بين أي بلدين في عالم اليوم، ولذلك فهي تعتبر أمرًا غير طبيعي يتطلب مراجعة تأخرت كثيرًا، بالرغم من أن المادة الرابعة في المعاهدة تجيز بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المتفق عليها. ووفقًا لهذه الترتيبات تم تقسيم سيناء إلى ثلاث مناطق، وحظر إدخال قوات مسلحة في المنطقة المصرية المسماة "ج" على الحدود مع إسرائيل، حيث يقتصر الوجود الأمني فيها على قوات شرطة و750 جنديًّا من حرس الحدود بأسلحة خفيفة، إلى جانب القوات المتعددة الجنسيات. وكان طبيعيًّا أن يتأثر الوضع الأمني في هذه المنطقة كغيرها في مختلف أنحاء مصر، نتيجة انهيار جهاز الشرطة واستمرار القصور في أدائه لأسباب في مقدمتها عزوف السلطة الانتقاليَّة عن إعادة بناء وزارة الداخليَّة حتى الآن والاكتفاء بعمليات تجميل فيها. وبغض النظر عن أن هذا وضع مؤقت فقد سلط ضوءًا كثيفًا على ضرورة تصحيح الوضع غير الطبيعي في المنطقة الحدوديَّة المصريَّة المنطقة "ج" وخصوصًا عندما نقارنه بالوضع في المنطقة "د" على الجانب الإسرائيلي من الحدود؛ ففي المنطقة "د" توجد قوات مسلحة تضمُّ أربع كتائب مشاة بكل منشآتها العسكريَّة وتحصيناتها الميدانيَّة ومعظم أسلحتها، بما في ذلك صواريخ أرض جو، بالرغم من حرمان مصر من الحق في إدخال طائرات أو حتى إنشاء أي مطارات عسكريَّة في سيناء كلها. ويعني ذلك أن قاعدة المعاملة بالمثل ليست مطبقةً رسميًّا في المعاهدة، فضلا عن الوضع الفعلي، حيث توجد في المنطقة "د" في معظم الأحيان أسلحة غير مسموح بإدخالها إليها، بدليل أن الشهداء المصريين في الاعتداء الأخير قتلوا في عمليَّة جويَّة بدعوى مطاردة منفذي الهجمات التي حدثت في إيلات. كما أن قاعدة المعاملة بالمثل لا تتطلب أن تكون مساحة المنطقة "ج" على الجانب المصري أكثر من 50 ضعفًا المنطقة "د" على الجانب الآخر، فلا صلة حتميَّة لمساحة الدولة بحجم المناطق المنزوعة أو المقيدة التسلح، وخصوصًا حين يكون هناك انعدام تام للمساواة في مستوى المخاطر، حيث توجد أعداد هائلة من الدبابات الإسرائيليَّة على بعد نحو ثلاثة كيلومترات فقط من الحدود، في حين أن الدبابات المصريَّة توجد على مسافة حوالي 150 كيلومترًا في المنطقة "أ" المسموح فيها بفرقة مشاة واحدة وثلاثة ألوية مشاة ميكانيكيَّة ولواء مدرع وسبع كتائب مدفعية ميدانيَّة ومثلها مضادة للطائرات. وهذا وضع صعب للغاية كان ممكنًا الوصول في المفاوضات إلى أفضل منه، لو أن الرئيس الراحل أنور السادات لم يتعجل وترك الفرصة لفريق التفاوض المصري للسعي إلى شروط أفضل، ولكنه أخطأ ولم يتأمل مغزى تراجع إسرائيل في قضية مستوطنات سيناء في المرة الوحيدة التي اتخذ فيها موقفًا قويًّا عندما هدد بإنهاء المفاوضات حين حاول رئيس وزراء إسرائيل حينئذ مناحم بيجين إبقاء هذه المستوطنات. وهناك أصوات إسرائيليَّة تطالب اليوم بقبول إعادة تطالب اليوم بقبول إعادة التفاوض على الترتيبات الأمنيَّة، ولكنها لا تعبر حتى الآن عن الاتجاه الرئيسي في إسرائيل، ولذلك يمكن لتحرك مصري مدعم عربيًّا لدى أمريكا وغيرها من الدول الكبرى، واللجوء إلى الأممالمتحدة أن يمثل ضغطًا على المتشددين في إسرائيل لقبول مراجعة المعاهدة، ولكي ينجح مثل هذا التحرك في التعامل مع العقل الغربي وإقناعه، لا بد أن يقوم على رسالة سلميَّة واضحة مؤداها أن مصر تغيرت ولن يقبل شعبها اعتداءات تكررت ست مرات منذ 2004 في ظل الخلل الجوهري في التوازن على الحدود، وأن تعديل المعاهدة هو السبيل الوحيد للمحافظة عليها في الفترة القادمة. المصدر : الإسلام اليوم