الطائرات بدون طيّار الصغيرة الحجم وذات التحكّم عن بعد (drone)، غزت القارة الافريقية منذ عقد من الزمن تقريبا، لإستخدامها في أغراض عسكرية أو مدنية أو انسانية، إلا أنها أصبحت، منذ أشهرقليلة، موضع حديث كبار ضبّاط الجيش الكاميروني، حيث يتم استخدامها بغاية الرصد الاستباقي لهجمات جماعة "بوكو حرام" النيجيرية المسلحة، التي أقضّت مضاجع سكان دول حوض بحيرة تشاد (الكاميرونونيجيرياوتشادوالنيجر). ويعكس استخدام هذه الطائرات، لدعم القوات التشاديةوالكاميرونية والنيجيرية في حربها على الأرض – في أقصى شماليالكاميرون ومنطقتي شمال شرقي وجنوب شرقي نيجيريا- التوجه الشائع الآن في القارة السمراء ومنذ قرابة العقد، نحو التوسع في استخدام هذه الطائرات بلا طيار في المجال العسكري والمدني والانساني. ويتمثل الهدف الأساسي للطائرات بلا طيار، حسب مصمّميها، في تحقيق السلام والمساهمة في التنمية. وحتى الآن، فإنّ دولة جنوب إفريقيا هي الوحيدة التي تقوم بتصنيعها واستغلالها داخل القارة. وعلى المستوى العسكري، تمثل القارة الإفريقية أرض الفرص بالنسبة للطائرات بلا طيار الأجنبية (وخاصة الأمريكية) المستخدمة في عمليات الدوريات ومراقبة الحدود وأنشطة مكافحة الإرهاب الاستطلاعية، خصوصا في منطقة الساحل والصحراء. كما تعتمد عليها الجيوش الفرنسية في منطقة جنوب الصحراء، أين تقوم بمطاردة المجموعات المسلّحة على مدى آلاف الكيلومترات في الصحراء، بحسب تقارير اعلامية غربية. وفي شهر يناير ، زار وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، القاعدة الفرنسية في النيجر، والتي تقلع منها طائرتان أمريكيتان (drone) بلا طيار من نوع "ريبير" لتحلّقا في سماء شمالي مالي والنيجر، ومن المنتظر استخدام طائرة ثالثة من هذا النوع، بحلول شهر مارس/ آذار المقبل. وأعلن لودريان عن تقديم طلبية، في وقت سابق من العام الجاري، في 3 طائرات بلا طيار جديدة من نفس النوع (سيتم تسلّمها أواخر 2016)، لتعزيز القدرات الاستخباراتية الفرنسية. وفي الكونغو الديمقراطية، ذكرت البعثة الأممية المنتشرة في البلاد "مونوسكو"، أنها تستخدم الطائرات بلا طيار منذ مارس الماضي. الصور لا تبدو واضحة للغاية، غير أنّه من اليسير تمييز أشباح بعض الأشخاص المسلّحين، هم على الأرجح من المتمردين، وهم يتحركون في طريق مليء بالأشجار، من خلال الصور التي ترسلها هذه الطائرات، وهو ما يعدّ سابقة في تاريخ الأممالمتحدة. فالحصول على مثل هذه الصور لمنطقة نائية مثل شمال كيفو، في بلد مترامي الأطراف مثل الكونغو الديمقراطية، وأين يتواجد ما يقرب أكثر من خمس جماعات مسلحة، كان حلما بالنسبة للبعثة الأممية. وتسمح هذه الأجهزة، غير المسلّحة، لقوات حفظ السلام بمراقبة إقليم محافظة شمال كيفو، وجمع المعلومات الإستراتيجية عن تحرّكات المتمرّدين، ولكن أيضا عن السكان المحليين، وهم الضحايا الأوائل للمواجهات، بحسب مصدر مقرّب من البعثة للأناضول. وما يميّز هذه الطائرات بلا طيار هو استقلاليتها المذهلة وجودة البيانات التي تعكس مستقبلا مشرقا لعمليات حفظ السلام في المنطقة، ولكن أيضا في مناطق أخرى، أين توجد بعثات الأممالمتحدة، وفقا لنفس المصدر. وفي بوركينا فاسو وأثيوبيا، استخدمت أيضا، في السنوات الأخيرة، الطائرات بلا طيار من قبل الولاياتالمتحدة. ففي البلد الأوّل، يستخدمها الجيش الأمريكي منذ 2007، وقد وصفتها الصحيفة اليومية الأمريكية "واشنطن بوست"، في مقال صدر في شهر يونيو/ حزيران 2014، بأنها "طائرات صغيرة تعمل بالدفع التوربيني متنكّرة في شكل طائرات خاصة ومجهزة بتقنية متطورة يمكنها قطع آلاف الكيلومترات في القارة". وقد اعتمدت الصحيفة في هذا الوصف على وثائق وأشخاص شاركوا في مشروع صناعة هذه الطائرات. وفي 2011، قامت الولاياتالمتحدة بإعادة تهيئة مطار قديم يقع في أربا مينش على بعد 500 كيلومترا جنوبأديس أبابا)، أين يتم استخدام الطائرات بلا طيار غير المسلحة، من نوع "ريبير"، في إطار مكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا (لا سيما في الصومال)، عبر بعثات استخباراتية، وفقا لما أكدته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، في نفس المقال الصحفي. ولكن استخدام طائرات بدون طيار في أفريقيا لا يتوقف عند الجانب العسكري، بل يتعدّاه ليطرح حلولا لإشكالات متعلّقة بالبنية التحتية، وتأمين وسائل التنقّل في حالات الطوارئ، والتي غالبا ما تنعدم في المناطق المتضرّرة من الحكروب والمجاعات. إيريك ديبان مؤسّس الموقع المتخصّص "سمارت درون"، عقّب عن الجزئية الأخيرة، في اتّصال أجراه معه مراسل الأناضول، أنّ "الطائرات بدون طيّار يمكن أن تستخدم في افريقيا لنقل الأحمال الصغيرة إلى الأماكن التي يصعب الوصول إليها، من ذلك البريد الأدوية والغذاء وغيرها من المعونات الانسانية. كما يمكنها المساعدة في المجال الزراعي على غرار ما يحدث في أوروبا، وذلك عبر استخدامها لمراقبة مناطق معيّنة، وإجراء دراسات ميدانية، ومراقبة الريّ". وبالنسبة لهذا النوع من المهام، توجد سلسلة من الطائرات من دون طيار متاحة للعموم، مثل الطائرة الأمريكية من نوع "سوان X1"، والتي تسوّقها الشركة الفرنسية "سوليسيون أف". وإلى جانب ما تقدّم، تم اختبار الطائرات بلا طيار في استعمالات أخرى لأول مرة في إفريقيا، إضافة إلى المجال العسكري. وهو الحال بالنسبة لطائرة "سكونك" التي استخدمت في التصدي للاحتجاجات، بهدف تفريق الحشود دون تدخل عدواني من قبل قوات الشرطة. ويروي هاني كايزر، مدير شركة "ديزرت وولف" من جنوب إفريقيا –وهي التي قامت بتصميم الطائرة بلا طيار- أن "احتجاجا اندلع في منجم في جنوب إفريقيا. بعد ساعات قليلة، علمت أن العديد من المحتجين قتلوا. وقتها، قررت تصميم طائرة بلا طيار قادرة على تفريق المتظاهرين دون سقوط ضحايا". وتذكر الشركة على موقعها الالكتروني كيف تمت عملية التفريق موضحة أن "طائرة "سكونك" تحتوي على 4 مدافع للكرات المطاطية، القادرة على رمي 20 كرة في الثانية. وباستطاعة الطائرة تخزين ما يصل إلى 4 آلاف كرة بالفلفل. كما بإمكانها أيضا بث أضواء قوية وأشعة الليزر. ويضاف إلى ذلك مكبرا للصوت يستخدم لتحذير الجماهير –على سبيل المثال :"نحن ندعوكم للتفرق". ولكن استخدام الطائرات بلا طيار له، مع ذلك، مخاطره الكثيرة في قارة تتضمن مناطق واسعة خارج السيطرة. يقول إيريك دوبان للأناضول "هي نفس المخاطر الموجودة في أماكن أخرى: انتهاك الحياة الخاصة، وحوادث التحطم، والتحليق في مناطق ممنوعة، الخ." ولكن الخطر الرئيسي يبقى تغيير استخدام هذه الطائرات لنقل الأسلحة أو المخدرات لتفادي نقاط المراقبة المختلفة في القارة. وتبقى أسعار هذه الطائرات معقولة في السوق العالمية (50 ألف دولار بالنسبة ل"سكونك")، إضافة إلى غياب القيود القانونية لتسويقها وعدم قدرة الرادارات على كشفها، وهو ما يجعل منها أدوات ممتازة في أيدي المهربين والمجموعات المسلحة من مختلف الاتجاهات.