سؤال يطرح نفسه على ساحة الحدث السياسي في مصر ، والغريب أن تتنازع كافة القوى السياسية وكل منها يشير بأصابع الاتهام نحو الآخر ، ويقف المجموع العام للشعب شاهدا على تلك الاتهامات المتبادلة ، وما بين اتهام القوى السياسية لبعضها البعض ، ووصول الأمر إلى تخوين بعضها ، بل والإشارة إلى عدم وطنيته ، نرى حالة من القلق والتوتر تسود الشأن العام ،الذي يريد أن تستقر الأمور ويشعر بتحسن على ارض الواقع ، يلمسه في حياته المعيشية ، وفى أمنه الاجتماعي ، وراحته النفسية . بالأمس القريب قررت كافة القوى الوطنية تعليق الاعتصمات بميدان التحرير وغيره من ميادين الثورة ، وذلك في إشارة إلى حالة من الرضا حول الإعلان عن مثول الرئيس السابق أمام القضاء ، على اعتبار أن ذلك كان ومازال ضمن مطالب الثورة . وبالفعل ظهرت ردود أفعال تباينت في ظاهرها ولكنها عبرت عن حقيقة هامة تمثلت في مثول أول رئيس دولة في العالم العربي أمام المحكمة كمتهم في قضايا قتل وفساد ، وهذا في حد ذاته يمثل سابقة تعد الأولى من نوعها شكلا ومضمونا . من المنطقي أن تسود حالة من الارتياح لدى جموع الشعب ، ولدى كافة القوى السياسية كرد فعل على تلك المحاكمة ، ولكن من الواضح أنه كلما ضغط الشعب في سبيل تحقيق مطالبه الثورية ، كلما كانت ردود أفعال بعض القوى السياسية مخيبة لآمال وطموح المجتمع ككل ، ذلك من خلال العديد من الممارسات التي تهدف إلى إعلان الوصاية على إرادة الشعب ، بل والتأكيد في كثير من الأمور على سلب الثورة من مضمونها ، ولعل ما يشير إلى ذلك صراحة ما أعلن عنه المهندس ممدوح حمزة "أن صوت "الليبرالية" انتصر في النهاية، وقال إن الفضل في ذلك يعود إلى المليونيات التي طالبت بهذا، متهمًا الإسلاميين بالرغبة في القفز على السلطة، وأنهم لا يريدون "الدستور أولاً"، رغبة منهم في الهيمنة على مقاليد الأمور بالبلاد لكن هذا لن يحدث ولن يسمح به". المصريون 15/8/2011م . ومن الغريب أن نرى تلك التناقضات في خطاب تلك القوى ذات التوجه العلماني ، حينما تصرح مرارا بالقول " نحن مع خيارات الشعب" ، وفجأة ومع أول تصويت ديمقراطي حقيقي تشهده مصر ، وعبر نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية والتي جاءت نتيجتها 77% " نعم للتعديلات " ، فماذا كان تعليق المهندس ممدوح حمزة بعد مرور ما يقرب من أربعة أشهر على نتائج الاستفتاء حيث سخر حمزة من تمرير التعديلات في استفتاء 19 مارس، بقوله إن "الشعب قال نعم إكراما للجلباب واللحية، وقال نعم وهو لا يعي بالضبط على اى شئ سيقول نعم أو لا"، على حد تعبيره. وحث الشباب المجتمعين معه أن يكونوا في حالة استنفار دائم وألا يتركوا الساحة للتيار الإسلامي ليرتع فيه كيفما شاء. المصريون 15/8/2011م . وفى ضوء تلك التداعيات التي لا تبعث إلا رسائل سلبية تكاد تساهم في إجهاض الثورة ، كما أنها تساهم في زيادة الفجوة بين كافة القوى السياسية التي يدعى بعضها الوصاية على الشعب ، ظنا منها أنها أكثر فهما ووعيا بمصالح البلاد والعباد ، وتلك الوصاية لا تختلف كثيرا عما كان يمارسه الحزب الوطني في تعامله مع المجموع العام للشعب ، كنوع من الاستخفاف به ، ولعل هذا جعلني استدعى كلمات الرئيس المخلوع إثناء احتفاله مع نظامه وفى حضور مجلسي الشعب والشورى ، بقوله تعليقا على موقف بعض القوى الوطنية الرافضة لنتائج الانتخابات ، ومن خلال إعلانهم تأسيس برلمان موازى كرد فعل على التزوير، حيث قال عبارته الشهيرة " سيبوهم يتسلوا " ورغم أن المشهد مختلف اليوم إلا أن لغة الاستخفاف بالإرادة الوطنية هي نفس اللغة التي تصدر من قبل مجموعة تدعى أنها القوى الممثلة للشعب ، رغم أنها على ارض الواقع لا تمثل إلا نفسها ، في صورة شخوصها ، وأفكارها التي تتبنى المنهج العلماني ، ومن الواضح أنها تستقوي بالخارج في خطابها السياسي بل والاعلامى . ولقد ظهر بوضوح نتائج الضغوط التي يمارسها أصحاب الاتجاه العلماني على مجلس الوزراء ، ومحاولة دفعه إلى تبنى نفس التوجه عبر بيانه الذي نشر في 11/8حيث ظهر تبنية إلى حد كبير أفكار مشروع ما سمى بالتحالف الديمقراطي الذي تثار أسئلة كثيرة حول هوية ووزن القوى المشاركة فيه وهل هي قوى حقيقية أم شلل مختلفة في قبيلة سياسية واحدة. وهو المشروع الذي سعى إلى إضعاف المادة الثانية من الدستور الخاصة بمرجعية الشريعة الإسلامية للقوانين. ودعا إلى إقحام العسكر في السياسة بحجة الدفاع عن الدولة المدنية. كما أن المجلس تبنى خطاب العلمانيين الذي ادعى أن تظاهرة 29 يوليو كانت محاولة لاختطاف الثورة، ولم ير في التظاهرة سوى «ظهور أعلام غريبة عن الدولة المصرية»، واعتبر ذلك مصدرا «للقلق البالغ» الذي سجله بيان المجلس." وهذا ما أشار إليه الأستاذ فهمي هويدى في مقاله بجريدة الشروق بتاريخ 15/8 . ومن يدقق النظر في تصريحات المجلس العسكري ، والذي يتحدث عن إصدار إعلان دستوري جديد في وقت قريب لضمان مدنية الدولة ، وعن وثيقة مبادئ حاكمة لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور الجديد ، يلمس بوضوح لغة الوصاية على إرادة الشعب ، وفى الوقت نفسه فإنها تعبر عن إقصاء تام لنتائج الاستفتاء الذي اعتبره الجميع علامة فارقة في تاريخ مصر ، والخطورة هنا تتمثل في أن احترام إرادة الشعب لم تعد هي المحك الذي يجب أن يضعه الجميع في الاعتبار ، وبخاصة الجهة الضامنة والحاكمة والمتمثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، والذي سبق وان أعلن مرارا تمسكه بنتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، والتي أقرتها إرادة الشعب في 19 مارس . ولعلى اطرح تلك الأسئلة من باب التذكير ، ولكي تبقى في ذاكرة الثورة : من الذي رفض نتائج استفتاء الشعب على التعديلات الدستورية في 19مارس 2011م ؟ من الذي يتبنى خطاب اعلامى هجومي على كل ماهو اسلامى في مصر ؟ من الذي دفع القوى الإسلامية إلى الخروج عن صمتها فى 29يوليو 2011م؟ من الذي تجاهل كافة الشخصيات ذات التوجه الاسلامى ضمن التعديلات الوزارية في الحكومة الحالية والسابقة ؟ من الذي يحاول إثارة الوقيعة والفتن بين القوى الإسلامية وآخرها محاولة الدفع بالمتصوفة لمواجهات مع التيار السلفي في مصر ؟ من الذي يدفع نحو إصدار مبادئ فوق دستورية بعيدا عن الإرادة الشعبية وخارج الاستفتاء الشعبي ؟ من المؤكد أن الإجابة عن الأسئلة السابقة تتمثل في ................. هو من يفرض وصايته على شعب مصر وعلى ثورة مصر . [email protected]