يتصارع عدد من المرشحين على منصب الرئيس القادم وقد ساقهم حسن النية إلى الاعتقاد بأنهم سيخلفون مبارك فى حكم مصر .. على غير الحقيقة المؤكدة التى تقول بأنهم سيقاسمونه حكم مصر . ولن يخلفوه فيه ! لقد نجحت الثورة فى اقتلاع مبارك من الحكم . ولكنها فشلت فى اجتثاث جذوره التى تم الإبقاء عليها راسخة فى عمق التربة لتعيد – بمرور الوقت – النضرة لشجرة الوارثة بظلالها على كل مناحى الحياة فى الواقع المصري . كيف إذن لرئيس جديد أن يدير حكم البلاد بأدوات مبارك القديمة . بل كيف يأتى إلينا رئيس جديد تلعب تلك الأدوات البالية الدور الرئيسي فى إنتاجه . إن ما يجرى الآن وفقا ً لمعطيات الواقع وحيثياته هو عملية إعادة " تدوير " لمبارك ونظامه وان كل ما حدث ونجحت الثورة حتى الآن فى عمله هو مجرد عملية " تطويش " للشجرة وليس اقتلاعها من الجذور . لقد لعبت قوة الثورة – وبكل أسف – الدور الأكبر فيما نراه من عملية التفاف على الثورة ومطالبها . حين تفرغت تلك القوة للصراع على اقتسام الغنائم وتوجيه الاتهامات والشكوك لبعضها البعض حتى وصل الأمر إلى حد التخوين والتكفير .. بينما تضن تلك القوى بشكوكها – بل تمنح ثقتها – للفاعل الحقيقي بالالتفاف على مطالب الثورة . وتفريغها من محتواها والاتجاه بها نحو مبارك وأحضانه الدافئة ! انظر حولك ثم اجب : هل تغير شئ في المشهد المصري بعد الثورة ؟ هل تغير شئ فيما كان يطالب المصريون بإلغائه او وقفه مثل الفساد والظلم وتكميم الافواه ومصادرة الحريات . والمحاكمات العسكرية للمدنين وتجريم المطالبة بالحقوق . والحق فى التظاهر او التجمهر والاعتصام رغم أن كل تلك الفاعليات هى التي أتت بهؤلاء الى الحكم ؟ ! نعم .. تغيرت أشياء كثيرة ولكن إلى الأسوأ . فقد تم تفعيل قانون الطوارئ وإضافة بعض المواد الجديدة إليه لأحكام السيطرة على الثورة والثوار . فتم إغلاق قناة الجزيرة والتهديد بإغلاق قنوات وصحف أخرى بحجة نشر الأكاذيب والإشاعات وإثارة البلبلة فى صفوف المواطنين . وهى المواد المستحدثة في قانون الطوارئ . بالإضافة إلى المرسوم بقانون الصادر من المجلس العسكري بحظر التظاهر والاعتصام والتجمهر . بحجة منع الإضرار بمصالح المواطنين . وبينما تجرى محاكمة مبارك ومن معه من قتلة وفاسدين أمام محاكم طبيعية . تجرى محاكمة أصحاب الرأي أو المواقف السياسية المعارضة لرغبة – وأهداف – المجلس امام المحاكم العسكرية . ولعل الأهم من ذلك واخطر هو تلك الحملة التى تشارك فيها أطراف الحكم جميعها بإثارة الشكوك حول الثورة والقائمين بها وتلويث سمعتهم بتوجيه الاتهام إليهم جميعا ً بتلقى أموال من جهات خارجية لإثارة الفوضى بينما لم يتم توجيه مثل هذا الاتهام لفلول الحزب الوطني وأذياله . والهدف الواضح من وراء تلك الحملة المستعرة هو عزل الثوار عن الجماهير وحرمانهم من التعاطف والتأييد الشعبي الذي حصلوا عليه فى السابق تمهيدا ً لمحاصرتهم فى بؤر ضيقة ثم توجيه ضربات موجعه إليهم تنتهى بهم إلى الزوال والاضمحلال ؟ هل يقول لي قائل ما هو السر في الاحتفاظ بكل ما أنتجه مبارك عبر سنوات حكمة من قوانين وأنظمة وأشخاص واليات الحكم ؟ ما هو سر الإبقاء حتى الآن على النائب العام ورئيس جهاز المحاسبات والكسب غير المشروع ونيابة الأموال العامة . إلى آخر تلك الأجهزة التى دانت بالولاء لمبارك وأقسمت يمين الإخلاص لنظامه وجاءت تحريات امن الدولة فى حينها لتؤكد تمتعهم بكافة الشروط والمواصفات اللازمة لشغل المنصب خدمة لنظام فاسد . ! هل يمكن لثورى حقيقي أن يطمئن لهؤلاء ويمنحهم ثقته فى إدارة ملفات الفساد التى وضعت بين أيديهم . بكل تفاصيلها التى حدثت تحت أعينهم وربما مباركتهم خلال الأعوام السابقة ؟ هل يمكن لغير احمد عز – أو من يشبهه – أن يقدم لنا قانوناً للانتخابات وتقسيما للدوائر على هذا النحو المقيت والمرفوض ؟ هل يمكن لغير مبارك - أو من يشبهه – أن يتخذ الإجراءات أو يفرض القوانين والمراسيم التى تهدف إلى تعطيل قطار الثورة وخروجه عن القضبان ؟ ثم بعد ذلك كله تتصارعون على اقتسام الغنائم وهى لا تزال مجرد أجنة فى بطون الغيب .. فما بالنا لو كانت حقيقية أو صدرت عن نوايا خالصة ومنزهة ؟ !