عاش "جسر الحب" بتليملي وسط العاصمة الجزائرية، "يتيما" من المحبين في عيده العالمي هذه السنة المصادف ليوم 14 فبراير ، بعد أن ضرب سكان الحي وأتباع الشيخ عبد الفتاح حمداش (زعيم سلفي) والمنحدر من الحي حصارا على المكان، في وقت كانت الشرطة تراقب من بعيد. وحسب مراسل "الأناضول"، منع أتباع حمداش كل مار أمام الجسر من التوقف، ولو للحظات تأمل في جمالية الموقع الذي لا يزال يثير الكثير من الجدل في الشارع الجزائري بين أنصار إحياء عيد الحب وخصومه. العام الماضي أقدم مجموعة من الشباب والفتيات على تعليق "أقفال الحب" (هدايا يتبادلها المحبين في عيد الحب "الفالنتين" حمراء اللون) بسياجه، مما أثار حفيظة السكان الذين سارعوا إلى نزعها، متوعدين أي شخص يقوم بتعليقها مرة أخرى، رافضين أن يتحول حيهم إلى قبلة ل"العشاق والشواذ" حسبهم. ويؤكد مولود، (55 سنة)، تاجر بحي تيليملي (اكتفى بذكر اسمه الأول) "لن نسمح مرة أخرى أن بأن يكون الجسر المجاور لحينا، مرتعا للشباب المنحل وفضاء لممارسة الرذيلة". وأضاف لوكالة الأناضول: "نحن مجندون ليل نهار لمنع تكرار ما حدث العام الماضي، أين أصبح حينا صاخبا بالأغاني المنحطة، والرقصات المبتذلة لشباب وفتيات، أتوا من مختلف مناطق العاصمة، ليكسروا هدوء وطمأنينة سكان الحي". وشكل سكان الحي لجانا لمراقبة المكان، طوال ليلة الجمعة (أول من أمس) ونهار السبت (أمس) حسب شهادات بعضهم، خوفا من تكرار مشهد العام الماضي، ومنع أي مجموعة من التجمع في المكان، خاصة بعد أن روّج بعض الشباب على شبكة التواصل الاجتماعي إلى موعد للعشاق في الجسر يوم أمس، وهو ما أعتبره ياسين، أحد سكان الحي، (اكتفى بذكر اسمه الأول) ب"الدعوة الاستفزازية لممارسة الحب الممنوع في الطريق العام وأمام أعين السكان". ويؤرخ جسر تيليملي وهو منشأة هندسية رائعة، شيّدت خلال الحقبة الاستعمارية (1830/1962) للكثير من القصص الدرامية و الغرامية، التي كان شاهدا عليها، حيث لا يزال قاطنو الحي يتذكرون وجوه الشباب والشابات اليائسين من الحياة والذين اختاروا الجسر لوضح حد لحياتهم، ومن أشهر المنتحرين والمنتحرات في الجسر الصحفية الشاعرة صفية كتو التي رمت بنفسها من على الجسر في 29 يناير/كانون الثاني 1989. ويعمل أصدقاء الفقيدة على وضع باقة ورد في مكان انتحارها كل سنة ويوزعون أشعارها على المارة بالمكان. وتقول القاصة الصحفية فائزة مصطفى، "لقد حاولنا أن نخرج بالثقافة إلى الشارع من خلال ذلك النشاط النوعي عام 2012، وزعنا قصائد الراحلة على المارة، وكم كانت دهشتنا كبيرة ونحن نرى إقبال الناس وتفاعلهم، ومدى ترحيبهم بالفكرة". وتضيف فائزة لوكالة الأناضول "للأسف أجهض مشروع تسمية الجسر باسمها بسبب معارضة البعض تحت فتوى أن الكاتبة انتحرت، ولنفس تلك الغاية أردنا أن نجعل من الجسر مكانا للشعر والحب أيضا، وليس لممارسة رياضة الموت (الانتحار)، لكن الفكرة تم تحريفها والإساءة إليها، ومن تم محاربتها". من جانبه، قال الشيخ عبد الفتاح زراوي حمداش، رئيس حركة جبهة الصحوة الحرة السلفية، إن أصحاب الفكرة يريدون أن "تشيع الفاحشة بين الناس"، حيث تبنى العام الماضي حملة نزع "أقفال الحب" بجسر تليملي. وكتب حمداش على صفحته على "فيسبوك" آنذاك "قام ليلة الثلاثاء جنود التوحيد وحماة العقيدة، فرسان الصحوة السلفية بالجزائر العاصمة بنزع كل الأقفال التي تم وضعها وتعليقها من طرف بعض المنسلخين المتفسخين على جسر تيليملي بالعاصمة، في سابقة هي الأولى من نوعها وذلك تشبها بالكفار الفسقة...". وقال عبد الفتاح في بيان له بمناسبة عيد الحب العام الحالي، بأن هذا المناسبة، "عيد وثني لإشاعة الفاحشة والحرام بين الناس". وأكد أن كل من يحيي هذه المناسبة "خبيث وديوث". وطالب الشعب الجزائري ب"إبطال هذه العادة الفاحشة الماجنة التي تستحل الزنا وتروّج للفاحشة وتستبيح الدعارة وتنشر العشق وتشهر للمجون في بلاد المسلمين". وانقسم الشارع الجزائري بين رافض للاحتفال بعيد الحب على جسر تليملي أو أي مكان أخر، وداعيا له، لأن المناسبة قابلة للتطويع – حسبهم- مع قيم مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا، لأنها تحمل قيمة إنسانية يبتهج لها كل البشر، أما الخصوم فاعتبروها مجرد طيش شباب، قد يؤدي إلى هدم أركان الأسرة والمجتمع، وأنها لا علاقة لها بالمجتمع الجزائري ودينه الإسلام. وتقول مريم، (22 سنة) طالبة جامعية، إن عيد الحب "مناسبة أجدد فيها علاقتي بأفراد أسرتي، وأصدقائي، نتبادل فيه الهدايا والورود الحمراء، مناسبة نجدد فيها أواصر المحبة، التي لا تعطي زحمة الحياة في الأيام الأخرى الفرصة لذلك". وتضيف مريم لوكالة الاناضول "إنه اليوم الذي تتوحد فيه الإنسانية على كلمة الحب، فلا أريد أن استثني نفسي منها". أما عبد السلام، موظف (35 سنة)، فيتعجب من الحملة التي يشنها البعض على عيد الحب، وطرق التعبير عنه سواء بالهدايا أو بتعليق الأقفال في أي مكان، ويقول للأناضول" أنا أرفض أن تكون هناك وصاية على مشاعري وطرق التعبير عنها".