بعد ان شبت واستعرت الحملة المعادية للدنمارك والدول التي نشرت صحافتها الصور الكاريكاتيرية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم والتي استفزت ولا تزال تستفز مشاعر اكثر من مليار وربع المليار مسلم في منازعة ومواجهة تاريخية غير مسبوقة بين الغرب العلماني المتمسك بحرية التعبير والنشر وبين التعدي على الثوابت والرموز الدينية وسط اصرار الدنمارك على عدم الاعتذار باسم الصحيفة التي اعتذرت اكثر من مرة. في مشهد يختلط به الدين بالبعد السياسي وحرية التعبير التي تقترب الى حد العنصرية الواضحة مع ما يرافق ذلك من قوانين تستهدف المسلمين دون غيرهم من امريكا الى اوروبا وآخرها امتحان للجنسية الالمانية يستهدف بأسئلته المسلمين وفلترتهم دون غيرهم. احتل العلم الدنماركي والعداء له وحرقه الصدارة وتقدم لاول مرة على حرق العلمين الاكثر حرقا الامريكي والاسرائيلي. اسباب الغضب الاسلامي مشروعة ومحقة، وتقدم مبررات بالنظر الى ازدواجية المعايير الغربية حيث تشتد الحملة المعادية ضد الاسلام والمسلمين بالسياسة والدين فحماس وحزب الله منظمتان ارهابيتان - ويحق للغرب الاستهزاء والسخرية برموز المسلمين ولكنه يقف ويخرس ضد الاديان الاخرى وخاصة اليهود. لماذا لا يتم التعرض وانتقاد اليهود مثلا؟! لماذا من يشكك بالمحرقة ضد اليهود من الكتاب الغربيين مثل الفرنسي المسلم جارودي يحارب ومثل البريطاني ايرفنغ، يسجن في النمسا؟ فقط لتشكيك هؤلاء بضحايا المحرقة. لماذا نفس الصحيفة التي تتغنى بحرية النشر والتعبير Jylands Posten، رفضت قبل اعوام نشر صور كاريكاتيرية عن سيدنا عيسى عليه السلام لأن ذلك سيستفز مشاعر المسيحيين؟ ولماذا ترفض نفس الصحيفة بعد ان وافقت على اعادة نشر صور كاريكاتيرية نشرتها صحف ايرانية عن المحرقة؟ حتى لا تسيئ لليهود؟ امتزاج الكراهية والعداء الغربي للاسلام والمسلمين يأخذ ابعادا خطيرة تغذي العداء وتساهم بنشر التطرف عبر السياسات والاحتلال والقتل والقوانين المعادية للمسلمين من امريكا الى اوروبا ومن التعرض للقرآن الكريم ورموز المسلمين الى اساءة معاملة السجناء في السجون الغربية من أبو غريب وغوانتانامو الى باغارام وغيرها من السجون. المواجهة بين الاسلام والغرب بدأت تكتسب ابعادا خطيرة، تهدد بالانقسام الواضح والذي يقترب كما ذكرنا من صراع الحضارات وما نشهده اليوم ما هو الا قمة جبل الجليد. لا شك ان نشر واعادة نشر الصور الكاريكاتيرية المسيئة والتي سببت هذه المواجهة المستمرة، والتي تدخل الاتحاد الاوروبي وأرسل مسؤول السياسة الخارجية سولانا للعالم الاسلامي لتهدئة المشاعر والخواطر وتعهده بعدم تكرار ما حدث، هو عبارة عن وضع ضمادة لجرح غائر كبير لن يؤدي لحل نهائي ومقنع، ولن يقنع الفئة الضئيلة المتشددة في العالم الاسلامي التي تجير سياسات الغرب الظالمة لتنتقم منها عبر عمليات ارهابية طاولت عواصم ومدن أوروبا الكبرى باسم الغزوات من نيويورك وواشنطن الى لندن ومدريد وحتى في عواصم ومدن عربية ومسلمة موالية للغرب. الخسائر المالية للشركات والمؤسسات الغربية التي تمت مقاطعتها بنجاح وتضامن واضح لدولة صغيرة مثل الدنمارك او النرويج مثلا، خسائر الدنمارك التي تصدر الاجبان والألبان قد تتجاوز مليار دولار اذا ما استمرت حملة المقاطعة، كما تم الغاء العديد من العقود مع شركات دنماركية وغيرها بملايين الدولارات في ايران ونيجيريا، الدنمارك أغلقت سفاراتها التي لم تتعرض للاعتداء والحرق وطلبت من مواطنيها عدم السفر للعديد من الدول الاسلامية وقد تكون الخطوة التالية مهاجمة مقار الشركات الغربية او اخذ رهائن غربيين ومطالبة حكوماتهم بالاعتذار قبل اطلاق سراح الرهائن. الهدف من اي مقاطعة ضد شركات ومنتجات دول ومؤسسات هو تحويل الشركات المتضررة والتي تلعب دورا اساسيا في دعم الحملات الانتخابية «للسياسيين» الى جماعات ضغط وعناصر «لوبي» للضغط على حكوماتهم لتقديم الاعتذار، وهو ما بدأ يحدث على ما يبدو في الدنمارك والنرويج، ولكن السؤال هل الاعتذار كافي؟، في مجتمعات غربية ودول علمانية لا توجد بها وزارات اعلام ولا وزير اعلام او رقابة؟ ما هو المطلوب ابعد وأكثر من الاعتذار المطلوب بعد متكامل شامل يتجاوز ردات الفعل والمقاطعة على نجاحها والتنديد واكثر من الاعتداء وحرق السفارات والاعلام. المطلوب أولا: العمل الجماعي من الدول الاسلامية مع الأممالمتحدة ممثلة بالدول الرئيسية وخاصة الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي ومنظمة المؤتمر الاسلامي، بإصدار قانون اممي يجرم ويعاقب التعرض للاديان قاطبة والرموز الدينية، مثلما نجحت اسرائيل بتحريك كل العالم ضد من يتعرض لليهود والمحرقة واسرائيل بأن ذلك يدخل ضمن ما يعرف بمعاداة السامية. ثانيا: المطلوب تبني الأممالمتحدة ومنظمات المجتمع المدني في الغرب والعالم الاسلامي الانخراط بحوار الحضارات والأديان وعقد ندوة سنوية يشارك بها رجال دين واعلام وأكاديميين تقرب من وجهات النظر بعيدا عن صراع الحضارات واقترابا من حوار الحضارات. ثالثا: على الشركات الغربية ان تستقطع جزءا من ارباحها لانشاء مراكز دراسات اسلامية في الجامعات الغربية مثل المركز الاسلامي في اكسفورد أو هارفرد لتثقيف الشعوب والمجتمعات عن الاسلام والوسطية وسماحة الدين الاسلامي الحنيف. من دون ذلك ومن دون التقارب ونبذ التطرف والعنصرية، فان الخوف والجهل والحقد من وعلى الاسلام سيبقى قائما وتبقى سياستنا ردات فعل وسيبقى الغرب يخشى منا، مما يعني تكرار ما حدث مرة بعد اخرى تحت ستار حرية التعبير والنشر، وبذلك نفوت فرصة كبيرة دون استثمار مخرجاتها ونتائجها وأبعادها. [email protected] باتفاق خاص مع الوطن