ما هو الوصف القانونى لداعش فى القانون الدولى؟ يشترك فى صناعة القانون الدولى مع الدول والمنظمات الدولية وأحكام المحاكم الدولية عدد من الاأشخاص غير القانونية (الشخصية القانونية الدولية هى الدول والمنظمات الدولية) أو كيانات غير رسمية، منها الشركات المتعددة الجنسيات، ومنظمات المافيا الدولية فى جميع المجالات: السلاح ،الرقيق الأبيض، والمخدرات ،والرق والاتجار فى البشر، والأدوية، وغيرها من الكيانات التى تكون قدرات بعضها أكبر كثيرا من قدرات كثير من الدول فى العالم الثالث. وقد أضيفت حركات التحرر الوطنى إلى قائمة أشخاص القانون الدولى، أى أنها من المخاطبين بأحكام القانون الدولى ومن أهمها القانون الدولى الإنسانى الذى يعنى بضحايا الأعمال الحربية من المقاتلين وغير المقاتلين ولكن حركات التحرر الوطنى تم الاعتراف لها بمساحة محدودة من أهلية الوجوب والأداء أى القدرة على التمتع بالحقوق والوفاء بالالتزامات. أما القانون الجنائى الدولى فإنه يخاطب الأفراد بصرف النظر عن المناصب الرسمية التى يشغلونها، وهو فرع جديد من فروع القانون الدولى يخاطب الأفراد العاديين داخل الدول، مادامت أحكام القانون الدولى تخاطب الأشخاص القانونية الدولية وحدها، وتأثيرها على رعايا الدول فى الفروع الأخرى يتم من خلال دولها. وقد لاحظنا أن مجلس الأمن يخاطب الأفراد هو الآخر ويضعهم على قائمة الإرهاب ويفرض عقوبات معينة عليهم بناء على طلب الدول، وصار مجلس الأمن فى هذا الباب ظاهرة جديدة. أضيف إليها اختصاص آخر للمجلس فى نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، وهو سلطة المجلس فى اتخاذ قرار وفق الفصل السابع لإحالة دولة إلى المحكمة. وقد حدث ذلك عندما أحال السودان والقذافى فى ليبيا لكنه لم يتمكن من إحالة الرئيس السورى بسبب الفيتو الصينى والروسى. وقد رأت واشنطن أن يصدر المجلس قرارا ضد داعش من الناحية السياسية رقم 2170 فى 15/8/2014 دون أن يحدد هوية داعش من الناحية القانونية والتكييف القانونى لأعمالها سوي الاشارة بانها ترقي الي الجرائم ضد الانسانية. الحقيقة أن داعش ظاهرة جديدة أشبه فى بعض الوجوه من حركات المرتزقة التى شجعتها واشنطن وباريس وغض الفاتيكان الطرف عنها فى إسقاط نظم كثيرة فى إفريقيا، بحيث صارت ظاهرة المرتزقة ظاهرة خطيرة على استقلال الدول الإفريقية فى سياق الحرب الباردة قبل نهايتها عام 1990. فما هو الوصف القانونى لداعش حتى يمكن وضعها فى سياق القانون الدولى الراهن خاصة وأن مجلس الأمن فى قراره المشار إليه لم يقرر بحالة داعش كمنظمة إلى المحكمة الجنائية الدولية، لأنه يحول الدول وليس المنظمات ولذلك اكتفى بإدانة أعمالها التى اعتبرها انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان وأن هذه الأعمال تعتبر جرائم ضد الإنسانية يتعين إحالتها إلى العدالة كما فرض عقوبات منع السفر ومنع التمويل والحجز على الأرصدة بالنسبة إلى الأشخاص وحدد ستة منهم على أساس أن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادى كان قد أدرك على القائمة السوداء منذ عام 2011 وحث القرار الدولي على تجفيف منابع المال والسلاح لهذا التنظيم. وقد سبق لمجلس الأمن أن أدان هجمات سبتمبر عام 2001 على نيويورك وأدان القاعدة حتى قبل أن يتم التحقيق فى هذه الهجمات ولكن العالم كله كان متعاطفا مع الولاياتالمتحدة فلم يدقق فيما طلبته فى مجلس الأمن حيث تبين فيما بعد أن واشنطن كانت تخطط لغزو أفغانستانوالعراق بهذه الذريعة التى رتبتها بنفسها. والوصف القانونى لداعش يرتبط بتحديد ماهيتها وكذلك الأفعال التى تقوم بها مما يجعل وضعها فى سياق القانون الدولى الراهن قياسا على قو اعده الحالية وبعد المقاربات المطلوبة أمرا صعبا وربما نحتاج إلى وضع قواعد جديدة لمواجهة هذه الظاهرة الجديدة. المعلوم عن داعش للناس أقل بكثير من حقيقتها ويبدو أنها ظاهرة وليست تنظيما بدليل أن كل من يشعر بالظلم فى أرجاء العالم العربى يشعر بأن داعش هى الأقرب إليه وأنها تأخذ بثأره من جلاديه ولذلك يتم القبض يوميا على أشخاص يتهمون بأنهم تابعون للتنظيم علما بأن التبعية ليست لها سجلات وإنما ربما بإعلان المواقف المؤيدة لداعش خاصة وأن داعش ليست حركة مستوردة من الخارج وإنما هى على الأرجح بقايا نظام صدام حسين والمواطنون السنة الذين شعروا بالظلم بعد التقسيم الأمريكى للعراق إلى شيعة وسنة والتغول الإيرانى فى العراق بالاضافة إلى استخدام بعض الدول لهذه العناصر وشعور الكثير من أبناء الدول العربية بأن تقوية السنة فى العراق ربما يوازن طغيان الشيعة فيها، كما أن بعض الدول العربية ظنت أن تسليح المعارضات فى ايران وسوريا يمكن أن ينقذ المظلومين من بطش العراق. أما الشباب المسلم فى أوروبا وفى العالم العربى ولأسباب مختلفة فقد وجد بعضهم ضالته فى داعش خاصة وأن الإعلام العربى مرتبط ارتباطا مباشرا بمصادر تمويله ذات الاجندات السياسية التى لا تقدم شيئاً مفهوما للمشاهد العربى. يضاف إلى ذلك أن مثل هذه التنظيمات مدعومة من جميع الدول الأوروبية التى سهلت للاقليات المسلمة فيها الانخراط فى هذه التنظيمات للتخلص منها ولكى يأكل المسلمون بعضهم بعضا لصالح إسرائيل. نحن ندرك أن البحث فى الجوانب القانونية لداعش مسألة ترفية بالقياس إلى خطورة الحالة والحسابات السياسية فيها خاصة وأن الدول العربية أول من يغض الطرف عن القانون ولن يوقف هذه الظاهرة إلا المراجعة الأمينة لكل الدول العربية لنفسها كما أن واشنطن لن تقضى على داعش لخدمة أطراف عربية. معنى ما تقدم أن داعش تنظيم غير رسمي لا يحتاج إلى تسجيل فى أحدى الدول وهو تعبير عن ظاهرة لها تجليات كثيرة ولها ضحايا أكثر فضلا عن أن الدين يستخدم فيها بشكل خرافي ويستغل فيها حماس الشباب وفراغه وسنوات التنكيل به وتسطيحه وجهله بالدين وتوقد عاطفته الدينية بالاضافة إلى المغريات المادية التى لا يجدها الشباب فى أوطانهم. أما ما تقوم به داعش فهو صراع من أجل رسم خريطة جديدة للمنطقة وألغاء الحدود الخاصة بالدول وإجراء عملية جراحية للكيانات السياسية القائمة وهذا مخطط تلتقى عنده إسرائيل وواشنطن وهذه التنظيمات . إذا عرضت أعمال داعش على محكمة دولية تطبق القانون الدولى فأنها ستؤكد أن داعش انتقدت السيادة الإقليمية للعراق وسوريا واحتلت مناطق فيها ولا نعرف موقف سكان هذه المواقف هل هم مع داعش كحاضنة لها أم أنهم يخضعون لإرهاب داعش أم أنهم يخضعون للطرف الأقوى فى الصراع بحيث يصعب على المحكمة أن تحكم بأنه احتلال عسكرى . أما ممارسات داعش خلال محاولة فرض هويتها على السكان فهى تدخل فعلا فى الجرائم ضد الانسانية ويسأل عنها التنظيم وقيادته، ولكن داعش ترى أنها تريد أن تقيم دولة يرتفع فيها أسم الله وفقا لمفهومها الغريب وهى تختلف عن حروب العصور الوسطى التى شنها المغول مثلا على الدولة العباسية وأوقفهم الظاهر بيبرس فى جنين فى فلسطين. أما التنظيمات التى أعلنت انضمامها إلى داعش فإن المعول عليه هو خطرها على الفكرة الإسلامية وعلى التماسك الإقليمى وعلي خدمة أهداف اعداء الاسلام والمسلمين وليس البحث فى مدى صواب ما تعتقد أو مدى مشروعيته. أن حل المشكلة يجب أن يكون حلا شاملا لأن ظاهرة داعش هى ظاهرة شاملة أشترك فى انشائها المسلمون والدول الاوروبية لكى تحارب معاركهم ولكن الجذر الاساسى لهذه الفوضى هى إسرائيل التي تمكنت من أن تلقى العرب فى غيبوبة حتى يشهد العالم على بربرية المسلمين وسمو اليهود وعلى بربرية العرب وسمو إسرائيل. وربما نكون بحاجة إلى عقلية إسرائيل داخل الجسد العربى حتى يمكن أن نتخلص من داعشيتنا التى تسكن فى الكثيرين منها.