من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان باليوم الآخر الذي فيه يُنصب الميزان , ويقضى بين العباد , فيذهب فريق إلى الجنة , ويدفع بآخرين إلى النار , وفي هذا اليوم يأتي كل منا فرداً ليس معه أحد من أعوانه , بل ويفر المرء من الأخ والأم والأب والزوجة والولد والأهل والعشيرة متمسكاً بما لديه من حسناته , فلا يفرط في واحدة منها قد يحتاجها أحد من هؤلاء , فالكل مشغول بنفسه ( يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) . إن المؤمنين بيوم الحساب لابد وأن يعملوا له بجد ملتزمين بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر ونهي , فيطيعون الله ورسوله ويعملون الصالحات , ويهجرون المنكرات , ويعمّرون آخرتهم بالطيبات , أما الذين ينكرون حقيقة يوم الحساب , فهم لا يقيمون وزناً للحق والعدل , بل وينغمسون في الشهوات والملذات لأنهم يظنون أن لا حساب ولا عقاب , فهذه حياتهم الدنيا , فهم كالأنعام بل هم أضل . فعلى كل منا أن يراجع إيمانه وينظر في أقواله وأفعاله , فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده , فلا يسعى إلا في الخير ولا يتكلم إلا صدقاً ولا يحكم إلا بالعدل فلا يُعين ظالماً , ولا يسئ إلى جاره ولا يقطع رحماً ولا يسب أحداً ولا يتهمه بالباطل أوبما ليس فيه , وعلى كل منا أن يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى , وينصر المظلوم ويحنو على الفقير ويسعى للصلح بين المتخاصمين , ويشهد بالحق عند التقاضي ويعفو ويصفح ويسامح , ويقدم مصلحة الوطن على حق نفسه . أقول هذا لكوني أرى في مصرنا أشياءً عجيبة لم أكن أتصور يوماً حدوثها بين أبناء الوطن الواحد , فهناك تحريض على العنف وحث على القتل والحرق , ودعوة إلى الاستئصال والتدمير , وهذا مادعاني إلى التحذير من هذا الصراع , فهو من فساد ذات البين , حيث ينسى المتصارعون آداب وتعاليم الإسلام , فيتجاوزون في حق الغير ويخوضون في الدماء ويعتدون على المحرمات , وهم يظنون أنهم يحسنون بذلك صنعاً . ولاشك أن اختفاء الحكماء عن المشهد لكونهم ضجروا من إمكانية تحقيق الصلح قد أثر ذلك سلباً على الواقع القائم , فلا يصح أن ييأس كل من له القدرة على وقف نزيف الدم أن يسعى جاهداً بكل ما يملك من نفوذ وأدوات لتحقيق الصلح على أساس من العدل وحفظ الحقوق , ولأن استمرار هذا الصراع الذي يحمل في طياته المزيد من التجاوزات سيضر بالوطن ويعطي انطباعاً أن الحياة الدنيا عند المتصارعين هي أخر المطاف , وليس الآخرة التي هي خير وأبقى , فعلينا أن نسعى لبناء وطننا ورفعته على أسس سليمة وليس على أشلاء ودماء زكية تسيل هنا وهناك وسط إصرار على حسم الصراع لصالح أحد الفريقين , فاتقوا الله ياقوم وأمنوا بالله واليوم الآخر , ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) والله المستعان