يخلط المستشار محمد ناجي شحاتة رئيس محكمة جنايات القاهرة خلطا واضحا بين عمله كقاض وبين كونه ناشطا سياسيا معارضا لثورة يناير ورافضا لما جرى في ميدان التحرير ويحمل عداءا مريرا لتلك الثورة ، وهذا الخلط يتسبب في إرباك الدولة ذاتها كثيرا لدرجة تضطر رئيس الجمهورية للتدخل تشريعيا لمعالجة الكوارث ، كما يسبب إحراجا بالغا للقضاء المصري كله ، لأن ما يحدث لا يعطي سوى صورة شديدة السلبية عن أحوال العدالة ، فعمليات التلاسن بينه وبين بعض المتهمين الذين وقفوا أمامه ، وخاصة من شباب ثورة يناير في أكثر من موقف لم يكن يليق به وهو على منصة العدالة ، غير أن الأخطر من ذلك هو تعليقه الغريب على الأحكام الأكثر غرابة التي أصدرها مؤخرا ، وخاصة الحكم على الناشط أحمد دومة وأكثر من مائتين آخرين بالسجن المؤبد ، وكذلك أحكام الإعدام الجماعية لأكثر من مائة وثمانين مواطنا في أحداث كرداسة . ناجي شحاته خرج بعد أن أصدر حكمه لكي يتواصل مع القنوات الفضائية المعادية لثورة يناير والإعلاميين الذين يحملون خصومة صريحة وشهيرة مع نشطاء يناير ، لكي يتحدث عن الأحكام التي أصدرها ويدافع عنها ويهاجم المتهمين ويصفهم بالوحشية ويندد بما نسب إليهم من أفعال ، هذا كلام خطير جدا ، لأنه يتيح الفرصة والحق كاملا لأي صاحب رأي في أن يشتبك مع القاضي في جدل واتهامات متبادلة ، باعتباره تحول إلى ناشط سياسي وإعلامي يشتبك مع قضايا الرأي العام ، وحول القضية التي حكم فيها إلى مجال للملاسنات الإعلامية ، وهو ما يجر عليه وعلى القضاء كله ويلات النقد والاتهام والإهانة أيضا ، مما كان ينبغي أن يتنزه عنه ، فناجي شحاته عندما تصدى للحكم في تلك القضايا لم يكن بصفته الشخصية أو الإعلامية أو السياسية ، وإنما بصفته ممثل المؤسسة القضائية ، وينوب عنها لإقامة العدل ، ودوره ينتهي عندما يصدر الحكم ، وكما لا يجوز التعليق على أحكام القضاء منعا للتطاول عليها وإهانتها وإضعاف حرمتها لدى الرأي العام ، فإن أولى الناس بالالتزام بهذا المبدأ هم القضاة أنفسهم ، ويكون الأمر أكثر إلزاما للقاضي الذي أصدر الحكم ، ولا يجوز له التعليق على حكمه أو التعرض بالنقد أو الإهانة أو الاتهام للمتهمين الذين حكم عليهم أمام الإعلام وبعد انتهاء القضية ، لأنها خرجت من يده وهم خرجوا من ولايته ، وأصبحوا أمانة لدى جهات ومستويات قضائية أخرى . ناجي شحاتة بهجومه على المتهمين وتطاوله على أعراضهم ووصفهم بالوحشية ، يكون قد ارتكب جرم محاولة التأثير على القضاء والاعتداء على اختصاص محكمة النقض ، لأن المتهمين من حقهم أن يلجأوا إلى المحكمة الأعلى لإسقاط حكمه ، ومحكمة النقض ستنظر في طلب المحامين أو النيابة العامة بنقض الحكم وإلغائه ، وبالتالي فهجوم ناجي شحاته العنيف على المتهمين ومحاولة تصويرهم كوحوش وأنه لم ينم ليله من فظاعة ما شاهده ، كل ذلك خطب إنشائية فارغة وتافهة ولا قيمة لها في محراب العدالة ، وإنما هي محاولة للضغط على محكمة النقض وإحراجها ، لأنها إن ألغت حكمه فكأنها تتساهل مع الوحوش والقتلة وتدعم الإرهابيين ، وإن قضت محكمة النقض برفض الحكم وإحالة القضية إلى محكمة أخرى فستكون تحت ضغط التهويل والحشد العاطفي الذي قام به ناجي شحاته أمام الإعلام والرأي العام ، وكل ذلك مما جرمه القضاء نفسه . هذه لم تكن الحالة الأولى التي ينتهك فيها القاضي ناجي شحاته مبادئ العدالة ، فقد سبق وهاجم متهمين ينظر قضيتهم ، وشهر بهم أمام الفضائيات أيضا ، هناك حالة من الفوضى والارتباك في منظومة العدالة في مصر ، يستدعي تدخلا حاسما من المجلس الأعلى للقضاء ، لأن استمرار الفوضى على هذا النحو مضر جدا بالسلام الاجتماعي فضلا عن ضرره الفادح للدولة المصرية وصورتها في العام ، ويكفي أن يضطر رئيس الجمهورية إلى إصدار تشريع خاص يمنحه الحق في التدخل في القضايا التي ينظرها القضاء لكي ينقذ ما يمكن إنقاذه ، واللافت أن هذا التشريع صدر أساسا لمعالجة أزمة الأحكام التي صدرت على صحفيين أجانب ، وكان بطلها هو ناجي شحاته نفسه .