الجنسية رابطة قانونية تربط بين الشخص ودولته. وتعني انتساب الفرد قانوناً للشعب المكوِن للدولة، أو هي تبعية قانونية وسياسية تحددها الدولة، حيث يكتسب الفرد بموجبها الصفة الوطنية في هذه الدولة. ورابطة التبعية هذه هي سبب تَمَتُع الشخص بصفة المواطن أو الوطني، والتي يتميز بمقتضاها عن الأجنبي من حيث الحقوق والواجبات. وترجع أهمية الجنسية إلى أن القوانين تُفَّرِق بين الوطنيين والأجانب في نطاق الحقوق والواجبات. فالوطني يتمتع بحقوق أوسع من الأجنبي. والأخير قد يعفى من بعض الواجبات التي يُكَلَف بها الأول. فالحقوق السياسية – كحق الترشيح والانتخاب- بحسب الأصل تكون قاصرة على الوطنيين. كما أن هناك حقوق عامة تكون قاصرة عليهم أيضا دون الأجانب. فلا يجوز إبعاد المواطن عن أرض دولته، على حين يمكن ذلك بصدد الأجنبي إن كان في وجوده ما يهدد الأمن العام أو الآداب العامة، كما أن إقامة الأجنبي مشروطة باستجماع شروط معينة، وللوطني حرية التنقل، على حين تكون هذه الحرية مقيدة بالنسبة للأجنبي. وحتى فيما يتعلق بالحقوق المدنية، قد يضيق مدى تمتع الأجانب بها، ومدى نشاطهم القانوني عما يكون مسموحاً به للمواطنين في شأنها. فكثير من التشريعات تحرم الأجانب من حق تملك العقارات عامة والأراضي الزراعية خاصة، أو تحظر عليهم مزاولة مهن معينة ذات أهمية اجتماعية، كالمحاماة والطب...
والجنسية إما أن تكون جنسية أصلية وإما أن تكون طارئة أي مكتسبة. والجنسية الأصلية هي التي تثبت للشخص بمجرد ميلاده، وتقوم على أساس من رابطة أو حق الدم، حث يكتسب الشخص جنسية أبيه أو أمه بصرف النظر عن مكان ولادته كما هو الحال في غالبية دول العالم ومنها مصر، أو تقوم على أساس من رابطة أو حق الإقليم، فيكتسب الشخص جنسية الدولة التي ولد على إقليمها بصرف النظر عن جنسية والديه، كما هو الحال في أمريكا وكندا. وتختلف الدول في أخذها بمبدأ حق الدم أو حق الإقليم وفقاً لمصلحتها وظروفها، وعموماً يتم الأخذ بمبدأ حق الدم كأصل عام، إضافة إلى مبدأ حق الإقليم إذا توافرت شروط معينة. أما الجنسية الطارئة فهي الجنسية التي يكتسبها الشخص في تاريخ لاحق لميلاده، وتتم عن طريق الزواج أو التجنس متى توافرت شروط معينة.
ويحدد القانون في كل دولة الشروط الواجب توافرها لكي تثبت جنسيها للأفراد الذين ينتمون إليها. والأصل أن لكل شخص جنسية، وأن الجنسية لا تتعدد. ومع ذلك هناك حالات يحمل فيها الشخص جنسية أكثر من دولة، وحالات يكون فيها الشخص عديم الجنسية، وهناك دول تُسقط الجنسية عن رعاياها كعقوبة، لكن ذلك لا يتم إلا بحكم قضائي، وليس بمجرد قرار إداري أو سياسي. وإذن، فتمتع الشخص بجنسية دولة ما يجعله يحوز ويكتسب كافة الحقوق المدنية والسياسية داخل هذه الدولة، كحق الترشح والانتخاب، وحق التملك، وحرية الاعتقاد والتنقل والتجارة والرأي والتقاضي أمام القاضي الطبيعي في ظل إجراءات عادلة وضمانات كاملة. كما تعني الجنسية كذلك تَمَتُع الشخص بالحماية الدبلوماسية التي توفرها له دولته في أي مكان يذهب إليه في العالم.
هذه هي القواعد، والآن إلى التطبيق... قضية خلية الماريوت التي اتهم فيها صحفيي الجزيرة الثلاثة: الأسترالي بيتر جريستي والمصري محمد فهمي والذي يحمل الجنسية الكندية أيضاً، والمصري الخالص باهر محمد ... قضية واحدة، نُظرت بإجراءات واحدة، وصدر فيها الحكم بالإدانة، فقامت القيامة، على أثر تدخل دولتي استراليا وكندا لتوفير الحماية الدبلوماسية وللدفاع عن الأول والثاني بوصفهما من مواطنيهما، فضلاً عن ضغط العديد من الدول الأجنبية للمطالبة بالإفراج عنهما. أما الثالث المصري فلا وطن خلفه إلى اليوم!!!
ولأن محكمة النقض ألغت الحكم، ومن ثم ستُعاد المحاكمة، ولأن الزمن سيطول، ولأن الضغط الخارجي سيزيد، ولان فضائح التلفيق ستتضح، ولأن عوار تطبيق القانون سَيُكتشف، كان التدخل السافر ابتداءً بموجب القانون المخالف للدستور والذي أشار به ترزية القوانين، إذ أشاروا على رأس الدولة بإصدار قانون يتيح له الإفراج عن المتهمين الأجانب حتى قبل محاكمتهم ولو أثناء التحقيق أو المحاكمة... نعم قانون تم تفصيله من أجل شخص واحد أو شخصين للهروب للأمام من الحرج والضغط الدولي!! وبالفعل صدر القانون المخالف للدستور برقم 140 لسنة2014، واستعمل الرجل حقه القانوني وأفرج عن الأسترالي، فغادر فوراً إلى كنف دولته التي أظلته بحمايتها الدبلوماسية القوية والتي كانت سبباً أصيلاً في تشريع هذا القانون!!!
أما المصري الكندي محمد فهمي فقد ساوموه ليتنازل عن جنسيته المصرية، ويحتفظ بالجنسية الكندية، ومن ثم يُفْرج عنه كالأسترالي. وبالفعل خلعها من رقبته، وخرج من ربقتها، وفر من وَصْمَتِها التي لم تحميه، بل أضرته بالغ الضرر!!! نعم فر من جنسيته المصرية متخلصاً منها للأبد، إلى جنسية الدولة الكندية التي وقفت خلفه من أول المحنة، واستماتت في الدفاع عنه، وأظلته بحمايتها الدبلوماسية، حتى خرج إلى النور بالفعل، ونال حريته، على الرغم من أنه مزدوج الجنسية حيث يحمل الجنسية المصرية أيضاً!!!
أما الثالث، المصري الخالص، فلا بواكي له أو عليه، ولا أب له ولا أم!!! ما زال يقبع في السجن ذليلاً؛ لأنه مصري؛ ابن مصري؛ ولد في مصر وشرب من نيلها، وترعرع في مجاريها، وعليه أن يشرب ويتجرع، ويظل يشرب حتى يموت هو وأقرانه وأمثاله من المتجرئين الطامعين المطالبين بالحرية الذين لا يحمدون الله على نعمة الحياة بأي حال.