الشعب المصرى لم يقم بثورته العظيمة ويقدم فلذات أكباده ما بين قتيل وجريح من أجل أن يخرج علينا بقايا النظام البائد وخدمه ليعطونا دروساً فى احترام الرأى والآخر و الإيمان بالتعددية فعلاً لا قولاً قبل أن يسمموا الهواء الذى نتنفسه بالحديث عن مبارك وإنجازات مبارك وعدم غمط حق الرجل الذى تحمل " قرفنا " و " بلاوينا " على مدار ثلاثين سنة !! الشعب المصرى قام بثورته العظيمة من أجل القضاء على مبارك ونظامه الفاسد بكل أركانه من حزب شمولى متسلط إلى أجهزة أمنية قمعية مروراً بإعلام كاذب وجهاز بيروقراطى مهترىء ينخر فيه سوس الفساد من قمة رأسه إلى أخمص قدميه وحفنة من فاسدى رجال الأعمال تملكوا البلد وشعبها من الباطن بعد الاستيلاء عليها حصرياً بمساعدة جمال مبارك .. ولكن المتأمل فى الأحداث يشعر بأن الانفصال مازال قائماً بين الجماهير ونبضها وبين الدولة ومؤسساتها الرسمية التى مازالت تتصرف بروح وعقلية ورجال " مبارك " .... فمن غير المعقول أن يبجح البعض ويخرج فى مسيرات ومظاهرات تأييداً لمبارك اتكاء على أن الثورة جاءت من أجل الحرية ومن حقهم التعبير عن رأيهم فهذا حق يراد به باطل إذ لا حق لمبارك لدى الشعب المصرى سوى المحاكمة العادلة وفقط أما خروج المظاهرات وتسيير المسيرات فهذه قمة المأساة والملهاة التى لم تحدث فى أى بلد من بلدان العالم قامت فيها ثورة شعبية ولو كانت حكومة تسيير متسقة فى الشعور والأداء مع نبض الجماهير لما سمحت بهذه المهزلة التى وصلت قمتها فى شهر رمضان المبارك بإصرار عجيب على تدوير رجال مبارك على القنوات والبرامج المختلفة من أجل غسل سمعتهم على حساب الحقيقة المستقرة تاريخياً والتى لم يمض عليها سوى أشهر معدودة ولا تحتاج إلى بذل مزيد من الجهد لإثبات دورهم المشبوه فى الترويج لنظام مبارك الفاسد ... حتى وصل الأمر بالبكاء على المخلوع استدراراً لعطف الجماهير .. فهل هذه ثورة ؟ للأسف الشديد تتحمل القوى الوطنية جزءاً كبيراً من ضياع المد الثورى والحس الثورى من وعى الجماهير بعد أن تفرغت لمعاركها النخبوية من عينة الدستور أولاً أم البرلمان أولاً ، والمبادىء فوق الدستورية وتركت الشارع والجماهير يتلاعب بهم الحواة من سحرة مبارك ويحولون حياتهم إلى جحيم لا يطاق نتيجة الانفلات الأمنى المتعمد وارتفاع الأسعار غير المبرر وتعطل مصالح الناس نتيجة الاحتجاجات والاعتصامات الفئوية التى تتم بلا وعى ورشد ونتيجة قرارات مقصودة تسهم فى إشعال المواقف وتأججها ، حتى تمكنت كراهية الثورة من شعور قطاع غير قليل من الشعب المصرى وهو ما يعنى نجاح أعداء الثورة فى مخططهم فى غيبة القوى الوطنية التى مازالت تتعارك وتتنازع على وطن تتناوشه المخاطر من كل جانب فهل هذه ثورة ؟!! والعجيب أن رجال مبارك مازالوا متمكنين ومتحكمين فى الجهاز الإدارى للدولة ، ومازال تدوير المناصب العليا فى الدوائر الحكومية يتم بنفس طريقة العهد البائد وكأن الدولة المصرية عقمت عن تفريخ كفاءات سوى التى خدمت فى بلاط الحزب الوطنى وارتقت فى المنصب والمكانة اعتماداً على تزكية الحزب ومجالسه المحلية ، وما تقدمه هذه الشخصيات من خدمات للحزب كانت لا تخرج عن تزوير إرادة الشعب فى أى انتخابات أو كتابة التقارير الأمنية ، والخطر الداهم الذى لا يكاد يلتفت إليه أحد أنهم يلعبون الآن دوراً مشبوهاً فى الهجوم المنظم على الثورة وتشويهها فى وعى وحس مرؤوسيهم فهل هذه ثورة ؟!! أظن أن ثورتنا باتت تحتاج إلى ثورة تصحيح عاجلة تضع العربة من جديد على القضبان وتثبت لكل المتآمرين داخلياً وخارجياً أن الشعب المصرى مصمم على إتمام ثورته وبناء دولته القوية العفية ولو كره الكارهون .