أسهبنا فى المقال الأول فى تبيان مفصل، المعونة الأمريكية لدول غرب أوربا فى خواتيم أعمال الحرب العالمية الثانية، من خلال ما يعرف ب " مشروع مرشال " الذي استمر سريانه من عام 1948 حتى عام1951(ثلاث سنوات أو أزيد قليلا) ودورها الأكبر فى إعادة تأهيل اقتصاديات تلك الدول المنهارة بتأثير اشتراكها فى تلك الحرب الكونية لتنطلق-بعد التحصل عليها- فى نماء اقتصادي ضخم وغير مسبوق. وعندما نسند لمعونة أمريكا لدول غرب أوربا الدور الأكبر فذلك لأننا لا ينبغي أن نهمل الدور المهم للمشاركات الشعبية والوطنية للنهوض بالأوطان من كبوتها فى تكاتف متكاثف وإعجازا فى الإنجاز لشعوب تلك الدول لرفعة أوطانها وإقامتها لدولها من عثراتها، والانطلاق لنهضة صناعية وإنتاجية جبارة محققتا فى ذلك استغناءا سريعا عن معونات أمريكا، حتى تتخلص من تبعيتها لها، أو الخضوع لإرادتها، ومن ثم النزوع لاستقلال إرادتها وسيادتها عن المارد الأمريكي الصاعد فى تلك الفترة الزمنية، وحتى تتعامل معها بنديه وتفرد واستقلال، واضعه مصلحة شعوبها فوق كل اعتبار.وقد تواعدنا -فى نفس المقال المشار إليه قبلا –على أن نستأنف الحوار ونكمل المسيرة فى دراسة ملف أمريكا ومعوناتها لباقي دول العالم ولاسيما الثالث وهى –أي المعونة–بكل الحقيقة تكون لدول قليلة العدد ومنتقاة، و تربطها بأمريكا مصالح أمريكية حيوية تحتاجها بشكل ملح، ووصفنا –فى ذات مقالنا السابق – تلك الدول بان اقتصادياتها هشة وأنظمتها السياسية بأنها رخوة أي ضعيفة... المعونة الأمريكية لمصر وإذا كان لنا من اختيار لدوله من تلك الدول المتلقية لمعونة أمريكا فالأولى أن يكون اختيارنا لمصر وينبغي أن يوجه للعلاقات التبادلية بين أمريكا ومعونتها من جانب، والنظام السياسي فى مصر من الجانب الآخر.ولا يهم هنا كثيرا -فى تلك المعالجة -التأصيل التاريخي أو القيمة المالية لتلك المعونة فيما أن هناك بنود أخرى من الاحرى النظر فيها مليا بغرض وضع مسألة "المعونة الأمريكية" فى حجمها الحقيقي ودورها الفعلي، لكلا من أمريكا ومصر سواء بسواء.فلا ينبغي أن ننساق لأقلام مغمورة تدعوا لرفضها من منطلقات قاصرة النظرة فقيرة الخبرة مجدبة التجارب أو بالاحرى غير مسئولة وبعيدة عن مسئولية تحمل تبعات اتخاذ قرار بل ونائية عن مراكز المسئولية، أو –من الناحية الأخرى - نجرى وراء أقلام تثنى عليها برأي يغمره النفاق ويملأه الطمع والجشع والمولاة للأجنبي، فكلا الطريقان ممجوجا ًومستهجنناً.ولكننا- فعلا - سننهج طريقا أكثر رشدا يتسم بالموضوعية والعقلانية. من المؤكد أن الدول الراشدة، التي تحكمها مؤسسات وقواعد وقوانين ويؤثر قيها بشده رأى عام معتبر مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا يمكن أن تعطى معونات لغيرها من الدول الأخرى متأثرتا بعواطف أو مشاعر وأهواء حكامها فقط مهما كانوا منتخبين وليسوا كمعظم حكام دول العالم الثالث الذين وصلوا إلى حكم بلادهم فرضا على شعوبهم بالقوة أو بالغدر.....وإنما تكون هناك حسابات ومصالح يتم تقديرها وبعدها يتم دفع المقابل بعد تثمينها ويتم ذلك وفق إجراءات تشريعيه مطوله وقواعد قانونيه يجرى إتمامها فى أمريكا قبل أن يخرج سنتا واحدا من الخزانة الأمريكية خارج أوطانه.ومن هذا المنطلق فانه يمكننا النظر إلى المعونة الأمريكية لمصر ليست على أنها هبات مجانية ولكن على أنها نوع من أنواع التعاون المتبادل أو الشراكة بين الدولتان تحقق الأولى مجموعه من المصالح للثانية وتقبض فى مقابلها على الثمن، الذي يجب علينا أن نراقب خطوات تثمينه وتقييمه ليكون عادلا ومناسبا لحجم المصالح المتحققة ! أي يجب أن نسال أنفسنا أو نسائلها..هل كان الأجر عادلا ؟؟؟ فإذا كان الأمر كذلك..فقد يستفسر البعض فى استطراد منطقي ؛ يا ترى ما هي تلك المصالح التي تحققها مصر لأمريكا؟؟ أمن إسرائيل تأتى فى مقدمه تلك المصالح التي تحتاج إليها أمريكا لان تحققها مصر إليها ضمان امن إسرائيل ذلك بطريق " إعلانها "الالتزام بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ولا يخطر على بال أي حالم أن إسرائيل أو أمريكا تخاف من قوة مصر أو تخشى من ضعف إسرائيل، فيكفى العلم أن أمريكا تضمن امن إسرائيل وتُذَججها بقدرات عسكريه هائلة تفوق الدول العربية مجتمعه بما فيها مصر، وفوق ذلك فإسرائيل تملك قدرات وأسلحة نووية لا تتوفر لكل لدول العربية مجتمعه وفيها مصر.إذن ففيما الخوف؟ الواقع انه ليس الموضوع خوف على وجه الإطلاق!لكن الفكرة الأساسية أن قيام دولة إسرائيل كوطن قومي ليهود العالم يستدعى أنها تقنعهم بأنها توفر لهم الطمانينه والأمان داخل حدودها لتغريهم بالهجرة إليها ،ومن ثم فان التزام مصر كأحد جيران إسرائيل بالسلام معها يعنى تحقق استقرار فى المنطقة يشجع على وفود اليهود من كافة أنحاء العالم على إسرائيل وهم أثرياء العالم ،كما يكون من شانه منع الهجرة العكسية لليهود من إسرائيل التي تحدث كلما اهتزت الأوضاع الأمنية بفعل الحروب أو المقاومة الفلسطينية.أي أن تحقق السلام يعنى تضخم دولة إسرائيل عددا وثروة ،وتزايد قدراتها بمختلف اشكالها وأنواعها.أي أن إعلان مصر تمسكها بمعاهده السلام مردوده الأساسي عند يهود العالم فى بث الطمأنينة فى نفوسهم ليهاجروا لإسرائيل، وليس المقصود منه نزغ خوف يتملك دولة إسرائيل من قوات مصر وقدراتها، النقطة الأخرى المهمة أن جيش الدفاع الإسرائيلي يتألف غالبيه أفراده من العاملين بقطاعات الاقتصاد الوطني يتم استدعائهم عند اى استعدادات عسكريه للمواجهات المعادية لذا فان التزام مصر بمعاهدة السلام يعنى مزيدا من الاستقرار لديهم يقود إلى دوران عجلة الإنتاج بلا توقف وزيادة قدراتهم الاقتصادية.
هل من مصالح أخرى؟
بالطبع فان المصالح فى مجال العلاقات الدولية مثل الحاجات فى علم الاقتصاد ،لا نهائيه و لا تنتهى ، حيث تغذيها احياننا المطامع والمطامح ،كما تتنوع ما بين استراتيجيه وعسكريه واقتصاديه وماليه وغيرها. فخريطه الاحداث العالميه المستمره سريعه الدفق والتلاحق ، تحوى دائما كثير من المستجدات التى تختار امريكا فيها مسار ما ،ترى فيه تحقيقا لمصالحها فعلى سبيل المثال ،ونحن هنا نقتبس من دراسة تقع في 40 صفحة قدمها مكتب محاسبة الإنفاق الحكومي التابع للكونجرس الأمريكي بشأن طبيعة وكيفية صرف مصر للمعونة، ونشرتها واشنطن ريبورت في مايو 2006، أن المساعدات الأمريكية لمصر "تساعد في تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة
ففى احداث حرب افغانستان وتداعياتها وما لحقها من احداث ، ورغبة امريكا فى السيطره عليها لاهميتها الاستراتيجيه كموقع ملاصق ومنغص لمنافسها الرئيس ،راس الكتله الشيوعيه "الاتحاد السوفيتي" الذى كان.... ،استدعى طلبا امريكيا من مصر ،وافقت عليه الاخيره وقدمته طائعه ،وهو فتح الاجواء العسكريه فوق الاقليم المصرى و السماح للطائرات الحربيه الامريكيه باستخدامها وعلى وجه السرعه للوصول الى المناطق اللوجستيه الامريكيه للمعاونات السريعه والعاجله؛ فضلا عن اقامه مصر لمستشفى عسكرى ودعمته بالاطقم الطبيه فى" قاعدة باجرام العسكريه" بين عامى 2003 و2005 حيث قدمت علاجا ورعايه صحيه لاكثر من 100 الف مصاب. كما قامت مصربمنح تصريحات على وجه السرعة ل861 بارجة حربية أمريكية لعبو ر قناة السويس خلال الفترة من 2001 إلى 2005، وتوفيرها الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج.وعلى صعيد الحرب العراقيه الكويتيه حشدت مصر برعايه امريكيه الدول العربيه لتحرير الكويت حتى تحقق الهدف المنشود ...وبعد غزو امريكا للعراق والاجهاز على حكم صدام حسين و ما ادى اليه من من تفكيك اوصاله ، قامت مصر بتدريب 250 عنصرا في الشرطة العراقية، و25 دبلوماسيا عراقيا خلال عام 2004 . كذلك أوضح التقرير –السابق الاشاره اليه –فى كيفية إنفاق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر في شراء معدات عسكرية بالأرقام، حيث أكد أن الولاياتالمتحدة قدمت لمصر حوالي 7.3 مليار دولار بين عامي 1999 و2005 في إطار برنامج مساعدات التمويل العسكري الأجنبي، وأن مصر أنفقت خلال نفس الفترة حوالي نصف المبلغ، أي 3.8 مليار دولار لشراء معدات عسكرية ثقيلة
الختام خلصنا الى ان المعونه الامريكيه لمصر ما هى فى حقيقتها الا مستحقات لها على الولاياتالمتحده كما بينا فى صدر هذا المقال وصلبه ،وواجبه الآداء ، ويتبقى لنا ان نحدد مقدارها وانفاقها ،فهى كما ينظر اى قاض الى دين من الديون لكى يقضى به ، يجب ان تكون محددة المقدار واجبة وحال الاداء حتى يحكم بادائها .فالى المقال القادم