أثبت التاريخ أن الأزهر الشريف (المنارة العالمية التي تعد كعبة العلم ومقصد الدارسين للعلوم العربية والإسلامية من كل مكان) أسهم عبر تاريخه في تأكيد مكانة مصر على المستويين الإقليمي والدولي... ولقد أثر الأزهر الشريف عبر تاريخه المديد في تفاعل الحضارات وإذابة الفوراق الثقافية والاجتماعية، وإحداث التقارب والتعارف بين الناس... وفي العصر الحديث ينظر المسلمون وغير المسلمين إلى الأزهر وجامعته نظرة تقدير واحترام، ويعولون عليه كثيرا في تفعيل دوره الحقيقي في التفاعل والتقارب الحضاري ونشر الوسطية والتسامح.. وأبناء الأزهر في كل مكان هم سدنة العلم والدعوة الوسطية.. وهم رمانة الميزان في مواجهة الإفراط والتفريط والتطرف والغلو والتشدد في الدين.. وجامعة الأزهر هي القلب النابض للعالم الإسلامي، وهي الرأس والرمز والمرجعية الدينية للمسلمين في كل مكان... ولما كانت الأزهر الشريف (بمعاهده وجامعته) هو مركز الحصانة الفكرية والمناعة الثقافية للمسلمين، ومركز زراعة القيم والأخلاق واستنباتها في المجتمع المصري والعربي والإسلامي، وإعداد الشباب لمواجهة تحديات الحياة، ورعاية الفكر الإسلامي المستنير؛ فإن عليه عبئا كبيرا في إشاعة القيم في المجتمع بما يمكِّن من تحقيق المواطنة الصالحة وقبول الآخر وأيضا محو الصورة الذهنية السيئة عن الإسلام، والقضاء على ظاهرة الإسلام فوبيا، ورسم مستقبل الإسلام والمسلمين حول العالم في المرحلة القادمة. لذلك يجب علينا أن نتكاتف جميعا؛ لنسهم في تحقيق جودة التعليم في مؤسساته التربوية المنتشرة في ربوع المعمورة.. ونظرا لخصوصية التعليم الأزهري بشقيه: (المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر)، فإن هناك بعض المتطلبات التي ينبغي أن تُراعي تحقيقا لجودة التعليم في هذه المؤسسة العريقة، ونعرض لها في السطور التالية على النحو التالي: متطلبات تجويد الدراسة بالأزهر: إدخال مقررات تعليمية في الأزهر الشريف تُعنى بتطوير مهارات الطلاب نحو المشاركة الإيجابية، وحرية التفكير والنقد والتحليل، وشحذ همهم نحو الإبداع والابتكار، وتساعدهم على حل المشكلات واتخاذ القرار وفق المنهج العلمي، وتتناول قيم التعددية والتسامح، وتمجد الشعور بالمواطنة. مع ضرورة تركيز المناهج على غرس حب العمل في نفوس الطلاب، والحث على إتقانه والإبداع فيه، والتأكيد على مدى أثره في بناء المجتمع المتقدم. التركيز على طرائق واستراتيجيات التدريس التي تدعم: العمل الجماعي، والتعلم النشط، والتعلم التعاوني، والتعلم الذاتي المستمر، والتفكير الناقد، والتفكير الابتكاري والإبداعي، والقضاء على أساليب التلقين وكل ما من شأنه تغييب عقول التلاميذ. حذف الحشو من المناهج وتخفيفها مع بقاء بنيتها الأساسية بصورة لا تخل، وليس استبدالها كلية بما يخل بما يجب للطالب الأزهري أن يتعلمه، فالتطوير لا يعني أبدا عمل مناهج هشة تضم معلومات دينية عامة معلومة للصغير قبل الكبير ومعلومة للعامل البسيط. التركيز على جعل المعاهد الأزهرية بيئة جاذبة ومحفزة للمتعلمين، وإيجاد المعلم الجاذب لطلابه، وتحلي المعلم بالحلم والصبر وأن يكون قدوة لطلابه في أقواله وأفعاله وهندامه، وسيادة العلاقات الإنسانية بين المعلم والمتعلم، وسيادة السلوك الرشيد في المعاهد الأزهرية. إشاعة القيم الإسلامية (الصدق – التسامح - العدل- الصبر- الحلم – الروية – العفو – العطاء- الرضا- الأمانة- الوسطية.... إلخ) في البيئة الدراسية بالمعهد، مع التركيز على قبول الآخر بمعناه الواسع... وتدعيم ما سبق بأنشطة وممارسات تطبيقية دائمة يشترك فيها الجميع. ضرورة تركيز المناهج الدراسية الأزهرية على تحقيق الأمن التربوي، ذلك أن لكل مجتمع أفكاره التربوية النابعة من قيمه وثوابته العقدية والفلسفية، والتي تصوغ هويته وتشكل شخصيته، ليتمكن من تحصين أفراده من مخاطر الأفكار الهدامة، والتطرف، والنظريات الوافدة، ومعاول الهدم الرامية إلى إحداث تغيير عاصف يشتت الملامح. تنمية روح الانتماء لشريعة الإسلام، وتربية المتعلم ليكون لبنة صالحة في بناء أمته، ويشعر بمسؤوليته الاجتماعية لخدمة بلاده والاسهام في نهضتها. ضرورة احتواء كل مادة دراسية على عنصر التربية الخلقية، بحيث تسهم في تحقيق الخلق القرآني في نفس المسلم، وتؤكد على الضوابط الخلقية النابعة من قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). تنمية إحساس الطلاب بمشكلات المجتمع الثقافية، والاقتصادية والاجتماعية، وإعداد هم للإسهام في حلها. تشجيع روح البحث والتفكير وتنميته، وتقوية القدرة على المشاهدة والتأمل لتنمية البعد الإيماني بدراسة ما في هذا الكون الفسيح (كتاب الله المنظور) من عظيم الخلق، وعجيب الصنع، واكتشاف ما ينطوي عليه من أسرار قدرة الخالق للاستفادة منها وتسخيرها لرفع كيان الإسلام وإعزاز أمته، وتحقيق الانسجام التام بين العلوم الإنسانية والعلوم الدينية. رفع مستوى الصحة النفسية لإحلال السكينة في نفس الطالب، وتهيئة البيئة الدراسية المناسبة. الاهتمام بالإنجازات العالمية في ميادين العلوم والآداب والفنون المباحة، وإبراز ما أسهم به أعلام الإسلام في هذا المجال. اكتساب المتعلمين القدرة على التعبير الصحيح في التخاطب والتحدث والكتابة بلغة عربية سليمة وتفكير منظم، وتنمية القدرة اللغوية بشتى الوسائل التي تغذي اللغة العربية، وتساعد على تذوقها وإدراك مبانيها ومعانيها ومراميها. توظيف مناهج العلوم الشرعية (بصورة متضافرة) للاهتمام بمفردات البيئة والموارد الطبيعية وكيفية التعامل معها في إطار الرشد الحضاري النابع من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتطبيقات الخلفاء والحكام والعلماء في الحضارة الإسلامية في عصورها الزاهرة. تعويد الطلاب على العادات الصحية السليمة، ونشر الوعي الصحي، وفقا للمنهج الإسلامي وتطبيقات العلم الحديث، وإكساب الطلاب المهارات الرياضية لبناء الجسم السليم، والقيم الإسلامية حتى يؤدي الفرد واجباته في خدمة دينة ومجتمعه بقوة وروية وثبات. ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب توطئة لحسن توجيههم، ومساعدتهم على النمو وفق قدراتهم واستعداداتهم وميولهم والاهتمام باكتشاف الموهوبين ورعايتهم، وإتاحة الإمكانات والفرص المختلفة لنمو مواهبهم في إطار البرامج العامة، وبوضع برامج خاصة.. وعمل سجلات خاصة لهم بحيث يمكن متابعتهم خلال سنوات ومراحل التعليم المختلفة. وأيضا العناية بالمتأخرين دراسيًّا والعمل على إزالة ما يمكن إزالته من أسباب هذا التأخر، ووضع برامج خاصة دائمة ومؤقتة وفق حاجاتهم، حتى لا يتسربوا من التعليم، والعناية بالطلاب (ذوي الاحتياجات الخاصة) واكتشاف مواهبهم والتركيز على تنميتها، والاهتمام بهم عملاً بهدي الإسلام. العناية بالنواحي التطبيقية في المعاهد الأزهرية، بحيث يتاح للطالب الفرصة للقيام بالأعمال اليدوية، والإسهام في الإنتاج، وإجراء التجارب في المخابر والورش والحقول. تدريب المعلمين والمتعلمين على العطاء بمفومه الشامل إيجاد إدارة لمواجهة الأزمات وتدريب الطلاب على أساليب مواجهة الأزمات، وعرض نماذج من السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي في هذا الصدد.. تدعيم وعي الإدارة والمعلمين بالمتغيرات الحياتية ومستجدات العصر، وفقه الواقع، وفقه الأولويات. إجراء تقييم موضوعي للمعلمين، والاستفادة من التغذية الراجعة. التركيز على الأنشطة الدينية من صلاة وخطابة وعمل صحف حائط والاشتراك في الإذاعة المدرسية، وإيجاد معامل للغة العربية واللغات، وتدريب التلاميذ على النطق السليم.. التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة وفقا لضوابط تراعي قيم الإسلام.. آخر الكلام: سيدي الإمام الأكبر.. أستاذي الوكيل: جامعة الأزهر ملئية بالكفاءات الشابة التي يمكنها أن تنهض بتطوير التعليم الأزهري بمنهجية تربوية حديثة، تراعي متطلبات العصر، وتوأم بين الأصالة والمعاصرة التي يمتلكون نواصيها. والله ولي التوفيق