قديما كان مصطلح المنهج الدراسي يطلق للدلالة علي مجموعة المقررات الدراسية التي تقدم للتلميذ في مادة معينة وفي صف دراسي معين باختصار فإن المنهج كان عبارة عن مجموعة من الحقائق والمفاهيم تعطي للتلميذ إيماناً من المدرسة بأن هذه الحقائق والمفاهيم كفيلة بجعل الانسان يحيا حياة سعيدة ومريحة في المستقبل . فاهتمامه منصب علي ناحية واحدة فقط وهي ناحية المعلومات أو الجانب الإدراكي أو المعرفي والتي تركز علي بناء العقل فقط وهو ما يعرف بالجانب التحصيلي ومع الزمن تطور هذا المصطلح وأصبح العلماء يرون أن التعريف الأمثل للمنهج في المدرسة هو جميع الخبرات التربوية التي تقدمها المدرسة إلي التلاميذ داخل الفصل أو خارجه وفق أهداف محددة وتحت قيادة سليمة لتساعد علي تحقق النمو الشامل من جميع النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والنفسية ومن هنا تبدأ المشكلة لأنه ومع مرور الوقت وتنوع اتنماءات وثقافات المعلمين والمعلمات في المدارس أصبح هناك ما يعرف باسم المنهج الخفي أو بمعني آخر أن يقوم المعلم والمدرس بعدم الالتزام بالرؤي العامة للمنهج الذي يقوم بتدريسه فهو علي سبيل المثال يدرس لطلبته سماحة الإسلام وقبوله للآخر في الوقت الذي يفاجأ به التلاميذ يكفر غير المسلمين بل ويكفر بعض المسلمين ونري مثلا من يدرس النظريات العلمية في مادة الكيمياء أو الرياضيات ثم يقول إن أخذ العلم عن غير المسلمين لا يجوز وبهذا يساهم مثل هؤلاء في إخراج طلبة وتلاميذ مشوهين فكريا وهو ما يعرفه الخبراء باسم المنهج الخفي ... عقيدتي من خلال السطور التالية تحاول إلقاء الضوء علي ماهية المنهج الخفي وأخطاره وكيفية مواجهته بطريقة علمية بعيدا عن التشنج والإجراءات العنيفة: ماهية المنهج بداية تقول الدكتورة وجيهة المكاوي أستاذ علم المناهج بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر: انا وقبل تعريفنا لماهية المنهج الخفي لابد أن ندرك أن المدرسة ليست مكانا يتلقي فيه التلاميذ المعلومات وفقط بل هي مؤسسة اجتماعية هامة يَعهدُ إليها الآباء والأمهات فلذات أكبادهم» لتعليمهم وتربيتهم وإعدادهم» ليكونوا أعضاء فاعلين ضمن منظومة أفراد المجتمع في المستقبل وفق ثقة يمنحها أولياء الأمور للمدرسة لتساندهم في الدور التربوي ومن هنا تأتي أهمية أن يكون المعلمون والمعلمات علي قدر الثقة التي منحها لهم أولياء الامور فليس علي المعلم أو المعلمة أن يوصلوا للتلميذ اعتقادهم او رؤيتهم الخاصة في أي قضية من القضايا إما دينية أو اجتماعية لأن هذا يخرج الحصة التي يدرسون فيها من نطاقها التعليمي إلي دائرة نشر الفكر والمعتقدات الخاصة والتي قد تكون متشددة ومتطرفة في كثير من الاحيان وهنا يكون المعلم والمعلمة قد دخلا في إطار تدريس المنهج الخفي الذي يعتبره الكثير من خبراء التربية القائد التربوي والقدوة في معظم الاحيان وهناك الكثير من الامثلة علي ذلك فقد يتطرق احد المعلمين لشرح خصائص الجهاز التنفسي... وحساسيته واضرار التدخين علي الرئة. وعقب انتهاء الحصة مباشرة يفاجأ الطلبة بمعلمهم وهو يدخن. هنا لابد أن يتأثر تلاميذه سلبا... لأن المادة العلمية تفتقد الاتساق الواقعي والتعليمي. وتضيف الدكتورة المكاوي : والواقع يؤكد لنا أن المنهج الخفي أصبح حقيقة واقعة لا يمكننا التغاضي عن وجوده في كل مدارسنا بلا استثناء من المحيط إلي الخليج فهو للأسف الشديد يسير جنبا إلي جنب مع المنهج التعليمي الموضوع بواسطة خبراء المناهج الرسميين ولكن عدم التزام المعلم بواجباته يؤدي إلي توغل المنهج الخفي أو المستور وسيطرته علي ذهن التلميذ بصورة تراكمية غير محسوسة. ولا مقيسة. ولا تخضع للرقابة» وهكذا يتأثر بها. ويؤثر فيها» وللأسف الشديد فإن مضمون المنهج الخفي في كثير من الأحيان يكون سلبيا ويتدرج في درجات التأثير من البساطة إلي الحدة. والتطرف» أما جوانبه الإيجابية فقليلة . وتنهي الدكتورة المكاوي حديثها قائلة : باختصار فإن المنهج الخفي المنهج المتكون من السلوك والقيم التي تنقل للطلبة بواسطة المعلم أو المدرسة من دون تخطيط. كما يعرف أيضاً بأنه مخرجات المدرسة غير الأكاديمية. وقد عُرف بأنه الخطوات التي تتم في المدرسة. والتي تشمل القيم المكتسبة والتفاعل الاجتماعي التي يتعلمها المتعلمون دون تخطيط ومن هنا فلابد من وجود خطط واضحة للتعامل مع هذا المنهج بحيث يتحول من التأثير السلبي إلي التأثير الإيجابي . خطورة مستترة من جانبه يقول الدكتور سعيد اسماعيل- رئيس قسم علم التربية بجامعة عين شمس-: إن خطورة استمرار إهمالنا للمنهج الخفي أو ما يعرفه البعض بالمنهج المستتر تكمن في أننا لا نعرف أن الدراسات الحديثة أكدت أن أكثر من 70% من تلاميذ مدارسنا العربية يتأثرون بذلك المنهج ويؤمنون بكل ما يقوله لهم معلمهم داخل الحصة ويقتدون به في كل ما يفعله ويرونه يمارسه حتي لو خارج قاعة الدرس ولهذا فلابد من الإلتفات إلي مخاطر ذلك المنهج المستتر خاصة في تلك الفترة التي تداخلت فيها السياسة مع الدين ومع التعليم بشكل أصبح لكل معلم ومدرس قناعة فكرية مختلفة تتضارب في كثير من الاحيان مع قناعة المجتمع الذي يعيش فيه باختصار وعلي سبيل المثال فقد يري المدرس أن جماعة داعش الإرهابية هي جماعة تطبق شرع الله ويحدث أن يدخل هذا المدرس الفصل لتدريس أي مادة حتي لو كانت مادة علمية بحتة هل نستطيع أن نغض الطرف عما قد يقوله هذا المعلم داخل القاعة لتلاميذه وهم في سن يتأثرون فيها بالرأي بأسرع ما يمكن وهذا المثال رغم قسوته إلا أن الواقع يؤكده وهكذا يدخل مثل هذا المعلم تلاميذه إلي دائرة الغلو والتشدد يخلق دون أن يدري تلميذا يميل نحو التطرف. وبث أفكار تُحرِّض علي الآخر. وتدعو إلي كرهه ومقاطعته تحت ذريعة الاختلاف معه إما في الفكر أو الدين.. ووسط الانغلاق الثقافي والعزلة الفكرية لمثل هذا المدرس تبدو خطورة ما يحاول بثّه بين صفوف الطلاب وغسل أدمغتهم وتصليبها ضد كل فكرة جديدة مهما كانت بحجج غير صحيحة ولا تستند علي أي مبررات. يضيف د.اسماعيل : والذي قد لا يعلمه الكثيرون أن المنهج الخفي وأصحابه يمارسون نشاطهم بعيدا عن الأعين والأدلة التي من الممكن أن تدينهم وهنا تكمن خطورته فهو يستشري ويفرد أجنحته علي العقول الصغيرة متسللا من خلف نوافذ المنهج ذاته فمن يستطيع أن يثبت علي معلم ما ممارسته لإرهاب تخويفي علي طفل صغير مهددا إياه بالنار وبئس المصير إذا شاهد التليفزيون أو مثلا ارتدي بنطالا بدلا من العباءة وهكذا يكون معلمو المنهج الخفي علاقة وسواسية تربطه بالخالق جل وعلا بدلا من المساهمة في تكوين علاقة سوية قوامها التعلق بالله كمصدر للإحساس بالأمان. ونابعة من الشعور القوي بالرغبة في ممارسة الطاعات إرضاء لله سبحانه وتعالي الرحيم علي الأطفال من أمهاتهم اللواتي أنجبتهم وللأسف فليس هناك من يستطيع أن يعاقب أو حتي يسأل معلماً أو معلمة عما يدسه في وعي طلبته أو طالباتها علي هوامش الدرس نفسه من تشدد وتنطع وإدانة لعباد الله ولممارسات المجتمع وصولا إلي تجريمها وتكفيرها من يضمن أن الدرس نفسه لا يتعرض لإضافات ورتوش. وذلك لترسيخ فكرة متشددة معينة أو مفهوم منغلق أو ممارسة عنصرية دور كبير يقول الدكتور سيد صبحي- أستاذ التربية النفسية بجامعة عين شمس-: علينا أن ندرك أن المنهج الخفي يلعب دوراً مهماً ورئيساً في العملية التعليمية والتربوية. قد يفوق بكثير ما يلعبه المنهج الصريح "أو الرسمي" من دور بارز في ذات العملية. ويتجلي دور المنهج المستتر ليس فقط فيما يقدمه للطلاب من خبرات إضافية إثرائية في المجال المعرفي فحسب. بل فيما يقدمه لهم كذلك من خبرات تربوية متعددة ذات طابع ديني وفكري واجتماعي. وأخلاقي وسلوكي وتزداد خطورة المنهج المستتر من الناحية التربوية والاجتماعية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية أكثر من أي وقت مضي. ذلك أن التأثيرات السلبية للعولمة وتحدياتها المختلفة في المجالات العقدية والفكرية والاجتماعية. والاقتصادية وما تمخض عنها من مشكلات فكرية وسلوكية وإجرامية تتطلب المزيد والمزيد من الاهتمام بالمنهج المستتر في مدارسنا. ومحاولة تفعيله بشكل إيجابي مؤثر. خاصة إذا عرفنا أن واقع مناهجنا الصريحة المطبقة حالياً في العديد من مؤسسات التعليم في عالمنا العربي والإسلامي لا تحقق طموحاتنا التربوية. باعتبارها أصبحت غير قادرة علي مواجهة تلك التحديات والمشكلات والجرائم المختلفة التي باتت تهدد مجتمعاتنا الآمنة. أفراداً ومؤسسات. ويظهر المنهج الخفي من خلال تعامل المعلمين مع الطلبة. وتعامل المعلمين مع بعضهم البعض. وخلال أحاديث المعلمين العلمية والفكرية. وخلال الأنظمة والقوانين والتعليمات التي تفرض علي الطلبة. وحتي طريقة جلوسهم في الفصل. وطريقة مزاولتهم للأنشطة. أي أنه يظهر في أي شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي داخل المدرسة. المواجهة وعن كيفية مواجهة مخاطر المنهج الخفي يقول الدكتور محمود الحسيني أستاذ علم المناهج بجامعة حلوان : السيطرة علي المنهج الخفي والحدّ من آثاره السلبية في الناشئة مطلب أساسي في العملية التربوية حيث إن التعامل الإنساني الأمين مع التلاميذ وتوجيههم دائماً للأفضل فكرياً واجتماعياً وسلوكياً والاستجابة لمصالحهم ورغباتهم وحاجاتهم من خلال بيئة مدرسية عصرية بناءة ومناهج ذات صلة وثيقة بالواقع الذي يعيشونه مع توفر معلمين وإداريين أكفاء إنسانياً ووظيفياً قد تقلل مجتمعة من فاعلية المنهج السلبية وتحد من نتائجه غير المرغوبة. يضيف د.الحسيني : كذلك فنحن في حاجة ماسة لإبعاد كل من يثبت عليه استهدافه أدمغة تلاميذه بالمنهج الخفي المليء بالتنطع والشر وعلينا أن ندرك اننا في عملية غرس القيم في أدمغة نشئنا نحتاج أن نعرف المراحل السنية لنزرع الخصال والقيم المناسبة . وإلي حصافة المربي في عملية التربيةپ فالتخطيط للقيم عملية معقدة تتدخل فيها عوامل كثيرة اجتماعية ونفسية ومدي قابلية الشخصية المستهدفة. وهي عملية لابد من أن تكون مدروسة ولها منهج مخطط له ويشرف عليها أشخاص علي درجة عالية من التدريب لأن إهمال ذلك يؤدي إلي ظهور المنهج الخفي الذي لا يشرف عليه أحد فكلما كان هناك تطابق بين المنهج الرسمي والمنهج الخفي زاد تكيّف التلاميذ مع المنهج. وزادت فعالية تعلّم التلاميذ. والمنهج الفعّال هو الذي يقوم علي التكامل بين المنهج الرسمي والمنهج الخفي. ولحدوث هذا التكامل لا بد من الحرص والحذر عند تنفيذ المنهج الرسمي والحرص علي تنفيذه بما يتفق مع قيم المجتمع السليمة. والحذر أن ينفذ المنهج بشكل متناسق مع قيم وعادات غير سليمة وسائدة والمحور في هذا التكامل هو المنهج والمربي الذي يشكّل الصورة التي يراها التلاميذ كل يوم لعدد لا بأس به من المواد لأنه ينقل الكثير من القيم للتلميذ دون التصريح بذلك. فإذا تحدث المعلم عن الصدق وعدم الغش والخداع. ثم لمس التلاميذ منه مرةً واحدةً أنه يكذب فإن هذه المرة تكفي لحدوث التناقض والحيرة عند التلاميذ مما يؤثر علي تعلّمهم ويشوشهم. وعن الأساليب الناجحة في عملية غرس القيم يؤكد الحسيني ضرورة استثارة الإنسان لما وهبه الله له من حواس بأن نستثير في المربين الاسئلة ونختبر قدرتهم علي الحفظپ والاهتمام بالأساليب الحديثة وبمكافأة المتفوق والتشجيع علي النجاحپ وأن نخفف من إلقاء اللوم علي المخطئ في حال ارتكابه خطأً ما واتباع أسلوب القدوة والتدرج وعلينا أيضا بالإضافة إلي كل ذلك تنمية إرادة الطالب. وتقوية مناعته وبناء شخصيته بما يسهم في قدرته علي تحليل وتقييم ما يراه ويسمعه ليختار الصحيح منه» وليستطيع التأثير الإيجابي فيمن حوله كما أن المتابعة والإشراف داخل المدرسة عامل مهم جدا فالسلوكيات السيئة تولد بعيدا عن العيون وتنمو وتتكاثر في الخفاء كما أن علي وزارات التربية والتعليم في عالمنا العربي أن ترفع درجة الوعي للعاملين في المدراس حيال هذا المنهج. وتأثيره وطرق تحجيمه قدر الإمكان كذلك فعلي أولياء أمور الطلاب مد جسور الحوار مع أبنائهم ومتابعة أخبارهم ومستجدات حياتهم اليومية داخل المدرسة وخارجها. وتحصينهم ضد الانحرافات الفكرية والعقدية والسلوكية المختلفة. وترسيخ المبادئ السليمة التي تتفق مع ما جاءت به شريعتنا الإسلامية السمحة في معالجة تلك الانحرافات.