تتلبد سماوات العراق ومعه بلدان عربية أخرى بأدخنة المعارك، ولا تلوح في أفقه سوى طلائع تنظيم "داعش"، مستبيحة مدنه وقراه، نازعة حواضره من سياقاتها الثقافية المشرقة، لترتد بها إلى نزعات متطرفة تعيد تشكيل عقولها أبنائها وترويضهم، ليدينوا بالولاء للتنظيم وعقيدته. المسرحية العراقية - المغربية "اكسكلوسف"، لمخرجها العراقي، حيدر منعثر، المنافسة على الجائزة الكبرى لمهرجان المسرح العربي الذي يختتم فعالياته، اليوم الجمعة، بالعاصمة الرباط، تُقارع واقعاً عراقياً وعربياً دامياً، وفق مراسلة وكالة الأناضول. لا تكتفي "اكسكلوسف"، التي هي ثمرة عمل مشترك بين فرقة "ايسيل" للفن المسرحي في المغرب، ومنظمة المسرحيين العراقيين، بخوض جدل مسند إلى حوارات مسرحية مقنعة الحبكة والحجج فقط لمحاكمة الإرهاب في نسخته "الداعشية"، بل تذهب به إلى صياغة صور ومشاهد مسرحية بالغة الدلالة للإحالة على حالة الفُصام العميق التي يعيشها هؤلاء الإرهابيون الذين يتخلقون داخل الحارات ومنازل الدراويش والأغنياء، وفي مدرجات الجامعات، ومعتكفات المساجد، مأخوذون بسحر خطاب ديني هش، تغيب عنه مقومات الإقناع المنطقي المتفحص، ومستعيضاً عنها بفورة حماسة دينية متهورة. يقتحم المخرج العراقي تجربة جديدة، لم يسبقه إليها أحد، متناولاً موضوعاً لاهباً، أضحى مثار انشغال العالم، خاصة بعد اتساع الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها تنظيم" داعش" في كل من سورياوالعراق، واستقطابه لآلاف الشباب العربي المقاتل في صفوفه قادماً من عواصم عربية وأوروبية، ملتهب الحماسة لخوض معارك "خلاص الإسلام"، و"فتوحاته الكبرى". "الإرهاب" المتنقل بين عواصم الوطن العربي، صنع من هذه الرقعة الجغرافية، كما تجسد ذلك مشاهد المسرحية، خبرا "اكسكلوسف" (exclusive) (حصري) على شاشات العالم، التي تنقل مشاهد أزقة مدنها المضمخة بالدماء، وأشلاء مواطنيها المتناثرة، فيصبح الوطن برمته، بسبب حالة حرب ضروس يخوضها ضد نفسه على أيدي جزء من أبنائه، مرادفاً لعبارة "اكسكلوسف" الإخبارية، وتضحى يومياته تُروى من وحي قصص التنكيل الشنيعة، وعذابات السجون، وتفجيرات الانتحاريين، وأدخنة البارود، ولعلعات الرصاص. هذا "الإرهاب" المُحايث ليوميات المواطن العربي، والكابح لكل المشاريع النهضوية التي راكمتها المنطقة منذ عقود للخروج من إسار التخلف والتبعية، ترصده المسرحية متلبساً في تفاصيل المجتمع البسيطة، فيقتحم عليه مخادع أهله، ويشاركهم مشربهم ومأكلهم، ويتسلل إلى عقول صغاره وكباره، فتحاول المسرحية أن تستفز في المشاهد سؤالا ملحا حول حجم الخطر المحدق بالمجتمعات العربية، بعد انتشار نزعات التطرف والغلو، وقد استفحلت اليوم في مواطن عدة. ويعد المخرج العراقي من بين ألمع المخرجين المسرحيين العراقيين في العالم العربي، حيث تتناول مسرحياته قضايا الراهن السياسي والإجتماعي العربي، راصداً من خلال أعماله المسرحية، الإشكالات الكبرى التي تخترق المجتمع العراقي بعد الغزو الأمريكي 2003، وتصاعد نزعات التطرف والطائفية التي مزقت وحدته. وشارك في العمل، وجوه مسرحية عراقية بارزة من بينها: ميمون الخالدي، وزهرة بدن، وأخرى مغربية مثل ناصر أقباب، وكنزة الحلو، وخديجة زروال، وآخرون، إلى جانب طلابٍ من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط. وتُختم، اليوم الجمعة، فعاليات الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي، بإعلان لجنة تحكيم المهرجان عن اسم العرض المسرحي الفائز بجائزته الكبرى (جائزة سلطان القاسمي/حاكم إمارة الشارقة). وتتنافس على جائزة المهرجان المخصصة لأفضل عرض مسرحي، تسع دول عربية وما يزيد عن 300 مسرحي، فيما تترأس المسرحية اللبنانية، لينا أبيض، لجنة تحكيم الدورة هذه الدورة التي انطلقت السبت الماضي.