لم تكن إيران طوال العقود الثلاثة ونيف الماضية مجرد لاعب احتياط في استراتيجية السياسة الدولية في الإقليم بل كانت وما تزال عنصرا رئيسيا وفاعلا في كل الأحداث والمخططات السياسية الدولية في المنطقة وهذا ما أعطى إيران القوة للدفع بمشروعها إلى الأمام حيث لم تجد القوى الدولية, ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية على وجه التحديد, في المشروع الإيراني ما يتعارض مع مصالحها الاستراتيجية أن لم يكن مساعدا لها. ولهذا لم تقف هذه القوى بشكل حقيقي في مواجهة المشروع الإيراني الذي ازدادت الحاجة إليه بشكل اكبر بعد حرب الخليج الثانية 1991وما لحقها من حروب وأحداث أخرى كحادثة 11 سبتمبر2001, وحربي غزو أفغانستانوالعراق 2002-2003, والحرب اللبنانية –الإسرائيلية عام 2006م, إضافة إلى دورها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي كان يشهد بين حين وآخر تصاعدا حيث لم تمر حادثة أو حرب في المنطقة إلا وكانت الحاجة الغربية إلى إيران تزداد وذلك نتيجة لتأثيرها المباشر على بعض أطراف تلك الحروب والأحداث وكلما زادت الحاجة الغربية إلى إيران كلما زاد النفوذ الإيراني توسعا واستحكاما في المنطقة مما أدى إلى إصابة الكثير من أنظمة المنطقة بالإحباط واليأس من احتمالية تغيير الموقف الغربي من هذا التمدد والنفوذ الإيراني, إلا أن ذلك اليأس لم يكن ليمنع اندلاع الثورات العربية التي كادت أن تؤدي ( إن لم تؤد فعلا) إلى فوضى عارمة في النظام الإقليمي وهو ما كشف لأول مرة عن تباين المواقف الاستراتيجية للقوى الدولية الكبرى من تلك الثورات حيث سعى كل طرف في هذه المنظومة أن يستغلها لإضعاف الطرف الآخر من اجل إعادة تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة من جديد بما يتلاءم ومصالحه التي لم يعد تحقيقها ممكناَ في ظل هيمنة أمريكية مطلقة ودائمة على المنطقة. ومن هنا وجدت بعض الدول العربية التي تخطت موجة ( الربيع العربي) بسلام, الفرصة سانحة للقيام بإعادة بناء تحالفاتها مع القوى الاستعمارية السابقة كفرنسا وبريطانيا إلى جانب تمتين العلاقات مع الصين وروسيا وألمانيا وهي الدول التي أصبحت تنافس أمريكا بشكل واضح وصريح على النفوذ في المنطقة. وفي خضم هذا المعترك بقيت أمريكا تنظر إلى إيران على أنها بيضة القبان من خلال ما تمتلكه الأخيرة من نفوذ وما لديها من تحالفات وعلاقات قوية مع جماعات ودول يمكن من خلالها بناء منظومة إقليمية جديدة تحفظ للإستراتيجية الأمريكية قبضتها القوية على المنطقة. ولهذا حاولت إيران بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وتونس وليبيا وتصاعد مدهم في باقي دول المنطقة إلى جانب وجودهم أصلا في غزة وتركيا, بالإضافة إلى تحالفها مع النظام السوري والحكومة العراقية, سعت إلى بناء محور جديد في المنطقة على أمل أن تنضم إليه لاحقا بعض الدول الخليجية, غير أن تطور الأحداث قد أضاع على إيران بناء هذا المحور حيث استطاعت المملكة العربية السعودية أن تحزم أمرها بعيدا عن الموافقة الأمريكية وتتدخل لإحباط المؤامرة في البحرين وتنقذ الموقف وتفوت الفرصة على إيران. ثم جاءت الثورة السورية لتدق أول مسمار في نعش المشروع الإيراني وتبعها بعد ذلك قيام ثورة العرب السنة في العراق لتزيد في تعقيد الأمور ثم أعقب ذلك سقوط حكم الإخوان في مصر الذي كانت إيران تعول عليه كركيزة أساسية في بناء محورها الجديد وبسقوطه انتهى الأمل في بناء المحور المأمول. ثم تتابعت الأحداث حتى جاء الحدث الأبرز وهو استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش) على الموصل وثلاثة محافظات في شمال وغرب العراق ليغير مسار الأحداث من جديد ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء. يتبع