أكدت في بداية المقال السابق على عدة فرضيات كأساس ، ولبناء سياق عام لفهم الوثيقة بشكل جيد. أوجزها سريعا لأستكمل القراءة التفصيلية في بنود الوثيقة على الإجمال جاءت الوثيقة بمبادرة واعية من الأزهر الشريف استجابة لمقتضيات المرحلة وعنوانها مستقبل مصر وبين سطورها مستقبل العرب والمسلمين، ومنهجيتها العامة الوقوف على حد القواعد الكلية ، وغايتها التوافق ، وروحها الإنسانية العالمية الأزهر في حقيقته مؤسسة علمية وتعليمية مهمته إنتاج المعرفة الشاملة الأزهر الشريف مؤسسة فكرية متعددة الأفكار حيث يدرس المذاهب الفقهية الأربعة مرحلة الانحسار الجزئي التي تعرض لها الأزهر الشريف بفعل الاستبداد السياسي أثرت سلبا على نمو وتمدد الفكر الاسلامى الأزهر الشريف مرجعية وضمانة عليا من الانحراف والزلل لكافة الجماعات الاسلامية على مستوى العالم وليس منافسا لها حساسية وأهمية توقيت الوثيقة حيث تعيش مصر والأمة العربية مرحلة إعادة تشكل جديدة في بنيتها الفكرية والتي سيترتب عيها واقع الحال على الأرض . من أهم الدلالات التفصيلية التي جاءت في هذه الوثيقة التاريخية المباركة الوثيقة حددت حقيقة ومضمون الديمقراطية في كونها نظام ووسيلة وأداة للحكم يمكن أن توصلنا إلى صيغة الحكم الرشيد الذي يتمناه كل إنسان على وجه الأرض ، وبذلك أخرجت الديمقراطية من كونها نظام للحكم الطاغوتى البديل عن حكم السماء كما كان يتصور البعض ، حيث أكدت على : 1 رؤية الإسلام في نظام حكم الدولة بأن الأصل فيه لاجتهاد الناس بما يحقق مصالحهم ، وبذلك أرست قاعدة هامة بأنه نظام انسانى عالمي رشيد ومرن قابل للتحديث المستمر وفق مقتضيات العصر يجمع بين المبادئ الكلية لشريعة السماء والتي هي في طبيعتها إنسانية عامة جاءت لصالح الإنسان وضمان حقوقه وحريته واستقلاليته وتحرير من كل مظاهر العبودية لغير الله ، مع الاحتفاظ في نفس الوقت بحقه في الإيمان بالله من عدمه ( لا إكراه في الدين ) ، مع المحافظة على كافة الشرائع السماوية الأخرى ، وفى نفس الوقت يعتمد العقل البشرى وما بلغه من تطور في مفاهيم ونظام وآليات الحكم وإدارة الدولة ، قاطعة بذلك الطريق تماما على كل مدعى بوجود علاقة ما بين الإسلام والدولة الدينية الكهنوتية المرعبة المجسدة في ضمير البعض نتيجة لخلفيات تاريخية معينة . 2 رجحت ودعمت الوثيقة تصور الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة كأحدث وأرقى نظم الحكم التي توصل لها الفكر البشرى عبر تاريخه الطويل حتى الآن والأكثر قربا للحكم الرشيد الذي يضمن حرية وحقوق وكرامة المواطن ، ولضمان وحدة الفهم وحمايته من الاختزال والتقويض والتلاعب حيث حددت لها مواصفات ومعايير جودة يمكن تسميتها بمعايير الجودة الأزهرية العالمية لنظم الحكم الديمقراطية اعتماد دستور ترتضيه الأمة الفصل بين السلطات اعتماد نظام الانتخاب الحر المباشر التعددية السياسية واحترام الأديان السماوية التداول السلمي للسلطة هيكلة وتحديد المهام والاختصاصات مراقبة الأداء ومحاسبة الجميع أفراد ومسئولين سواسية أمام القانون التطور التشريعي المستمر لمواكبة المصالح العامة تغليب سلطة القانون وحدة في إدارة شئون البلاد الشفافية الكاملة وحرية تداول المعلومات الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية الشاملة في الفكر والرأي والعمل بخصوص ملف التعددية الدينية أكدت على المساواة التامة في الحقوق والواجبات وممارسة الشعائر بين المواطنين ، واعتماد منهج الحوار المتكافئ الأركان سبيلا للتعايش ، وقطعت الطريق على اى جدال يمكن أن يدور حول المتاجرة بالدين واستغلاله لتحقيق أغراض سياسية ، حيث نصت على تجريم استغلال الدين في بث الفتنة والدعوة للعنصرية والمساس بالمواطنة. بخصوص ملف العلاقات الدولية فقد حررته تماما وسلمته للمهنيين المتخصصين ليكملوا مسيرة إنجازاته تحقيقا لخير الإنسانية كلها، مع التأكيد على الالتزام بالمواثيق والقرارات والعلاقات الدولية المتوافقة مع تقاليد الثقافة الإسلامية الإنسانية السمحة ، مع العمل على استعادة الدور القيادي المصري الضامن لتحقيق التوازن والاستقرار الاقليمى والعالمي . بخصوص الأمن القومي للبلاد فقد توافقت وأكدت على الأركان الأربعة لمفهوم الأمن القومي المتعارف عليها في الأدبيات السياسية العالمية 1 حفظ السيادة والاستقلال 2 حفظ فرص التنمية 3 حفظ تماسك اللحمة الوطنية 4 حفظ هوية وتراث الدولة حددت الوثيقة الغايات العليا لنظام حكم الدولة في بتوخى المصالح العليا للمجتمع وتنميته ونهضته ، وتحقيق أفضل مستويات العيش الكريم الآمن المستقر للمواطنين ، ونشدان الخير للإنسانية . اعتماد منظومة قيم أساسية حاكمة للدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة الحرية والمساواة والعدل والشفافية والمحاسبية والاحترام وحب المعرفة والإبداع والابتكار والتنافس الايجابي والاحتراف والمهنية والايجابية بمحاربة الفساد والإفساد وفى مسار التنمية وملاحقة ركب النهوض الحضاري اعتماد مسار تنمية واستثمار العنصر البشرى بتوفير كافة سبل الرعاية الأساسية الخاصة به ، ومنحه أفضل فرص للتعليم والتدريب وتوجيهه نحو مسار البحث العلمي وإنتاج المعرفة وفى مسار عولمة مؤسسة الأزهر الشريف علميا وإداريا ، وتحريره من سلطة وهيمنة الدولة أكدت الوثيقة على البعد المرجعي للأزهر ، مع عودة هيئة كبار العلماء واختصاصها وحدها بترشيح واختيار شيخ الأزهر ، وتحرير وتطوير وتفعيل ملف الدور التعليمي العالمي للأزهر وفق أعلى معايير الجودة التعليمية التي توصل لها الفكر الانسانى الحديث. وبذلك احتفظ الأزهر لنفسه بمكانته العالمية الراقية كمؤسسية علمية لخدمة الإنسان كل الإنسان ، كما أنه قام بدوره الذي تقتضيه اللحظة التاريخية كيفية الاستفادة العملية منها في واقعنا السياسي العام والحزبي الخاص لكل حزب على حده. 1 اعتماد الوثيقة كمرجعية عليا وقواعد حاكمة لمبادئ وخطط واستراتيجيات الأحزاب والقوى السياسية في المجتمع ، بما يضمن وحدة وقوة احتشادها في اتجاه واحد لتنمية ونهضة المجتمع. 2 نشر وتعزيز وتمكين القيم والمفاهيم والثقافة التي طرحتها الوثيقة على الأهل والزملاء والمؤسسة والنادي والمجتمع والدولة . 3 الاصطفاف خلف مؤسسة الأزهر ودعمها حتى يصل إلى التحرر الكامل من سلطة الدولة 4 مطالبة المجلس العسكري بإعادة كافة ممتلكات وأوقاف الأزهر ، ومساواته بالكنيسة التي استعادت جميع أوقافها في عهد النظام السابق في حين حرمت الأزهر من أوقافه وحقوقه ! . بما يضمن تحرير الذمة المالية لمؤسسة الأزهر عن ذمة وقبضة وهيمنة الدولة .