فعلها السيسي، وذهب للكنيسة، وهنأ المصريين المسيحيين بعيدهم، لم يفعلها رئيس قبله، كانت لهم سياساتهم وتقديراتهم في هذا الأمر، لكن ننزهم عن أي معنى مسيء فيه عنصرية، أو تعصب، أو عدم تقدير لجزء أصيل من الشعب، والسيسي يخط سياسته، ويضع تقديراته، ورأى أن يقوم بهذه الخطوة، ويبعث برسالة للداخل والخارج أنه لا تمييز بين جميع المصريين مسلمين ومسيحيين. المساواة الكاملة بين المصريين ضرورة، والتفضيل يكون على أساس الكفاءة والجدارة. ما الخطورة في أن يذهب رئيس مسلم إلى كنيسة، ويقول لجزء من الشعب كل عام وأنتم بخير، وانعكاس الدقائق التي أمضاها في دار عبادة على هؤلاء المصريين أنهم باتوا ليلتهم في سعادة غامرة، وعيدهم صار عيدين بوجود رأس الدولة معهم في احتفالاتهم الدينية، ولا يغني عن حضوره كل طبقة السلطة والحكم.
والرسالة التي وجهها السيسي تؤكد على وحدة الشعب والوطن، فلا مصر ستخلو يوما من المسيحيين، ولا من المسلمين، وكلاهما شعب واحد، هذا يتجه للمسجد، وذاك للكنيسة، وما دون ذلك لا تجد اختلافا بينهما، لا في الشكل والهيئة واللهجة والسلوك وخفة الدم، والبيت الواحد تجد فيه ساكنا مسلما إلى جوار ساكن مسيحي، ولا يمكن أن يتعايشان مع بعضهما البعض وبينهما تمييز، أو شعور بعدم المساواة، أو الكراهية في الصدور.
ذهب السيسي للكنيسة فلم تصبح كنيستين، ولم يتضاعف عدد المسيحيين، ولم ينقص عدد المساجد، ولم يتحول المسلمون إلى المسيحية، وحتى من يريد أن يغادر هذا الدين إلى ذاك والعكس، أو لأي وجهة، فليكن، فلن ينتهي الإسلام، ولن تختفي المسيحية، لكن الزيارة نشرت أجواء من الارتياح النفسي، والاطمئنان لدى فريق من المصريين ربما كان يشعر بالغبن.
التعامل يجب أن يكون أساسه الوطنية والإنسانية، أنا وأنت مصريان، وننتمي للأسرة الإنسانية الكبيرة. في موقع عملي اتعامل مع مسيحي مصري، ومسيحي هندي، ومسلم شيعي، وبوذي، وهندوسي، ولا نحقد أو نكره بعضنا بعضا، ولا أحد يسال عن ديانة الآخر، تجمعنا محبة وإنسانية وتعامل راق.
لماذا في مصر يمسك نفر من كل دين خنجر الكلمات والأوصاف للآخر. المتعصبون هم من يحولون الحياة الجميلة إلى حياة موحشة، وهم من يدمرون كل أسس التعايش، وهم من يشعلون نار الفتن، لو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ، هذا التنوع له حكمة إلهية عظيمة.
خصوم السيسي غاضبون من ذهابه للكنيسة، فكيف تدّعون أنكم تتحدثون باسم الشعب، وتناضلون من أجل الشعب، وتريدون استعادة الحقوق للشعب، أليس هؤلاء من الشعب؟، أم تقصدون شعبا خاصا بكم؟، وكيف تريدون استعادة السلطة، وأنتم تظهرون عدم راحة لطرف أصيل في المجتمع؟، وكيف سيتعامل هذا الطرف معكم، أو يتفهم رسالتكم، أو يتعاطف مع خطابكم ؟، بل كيف ستسعون لصوته ودعمه إذا عدتم إلى المشهد السياسي، أم أنكم تسقطونه من حساباتكم؟، ألستم بذلك تقيمون سدا منيعا بينكم وبينه لا يزول أبدا، والسيسي بدهاء نجح في جذبه إليه فاصطف خلفه وهو لم يفعل أكثر مما كان يفعله الرؤساء السابقون غير أنه يقرن القول بالفعل.
إزالة إرث ثقافي وفكري شعبوي في ذهن نفر من كل طرف عن الآخر بات ضروريا، لا نريد أن نتحدث عن طرفين، إنما طرف واحد، شعب واحد ، الإهانة والسخرية والحط من القدر لم يعد مقبولا، فلا يمكن أن ننام جميعا على جمر من الكراهية، والانقسام على أساس ديني.
إذا كان الغرب المسيحي يتعامل مع المسلم عنده باحترام، ويمنحه حقوقه، وهو مهاجر، وليس من السكان الأصليين، فكيف يجحف البعض بمشاعر أناس هم أبناء أصلاء للوطن؟.
المحبة والوطنية تجمعنا.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.