سياسة في الدين ، ودين في السياسة . لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة عبارة ليست جديدة في معناها وإن كانت بمفرداتها وصيغتها قد قالها الرئيس السادات في أحدى خطبه حين كان غاضبا ، ومن ثم فهو أول من نطق بها وبصيغة مفرداتها كما هي الآن . · لكن البحث الأًصيل أثبت لنا أن السياسة في صميم الدين وأن الدين في قلب السياسة . · وبما أن النخب الثقافية عندنا لا يؤمنون بما قال الله وبما قال رسوله فإننا سنسوق لهم بشرى تتضمن أقوالا في موضوعنا لرموز يقدسونها ويتجهون إليها لأنها تشكل كعبتهم الثقافية وربما كان في تلك الأقوال ما يأتيهم من أنباء أهل الحداثة ما يزلزل أفئدتهم ويغشي أبصارهم ويكشف عاهات الفكر لديهم ،وعسكرة الثقافات وتزوير الهويات في مذاهبهم ،ويفضح عهر السخافات ويظهر يقينا أن النخبة المثقفة في عالمنا العربى تفتقد الأصالة وتعانى غربة نفسية وثقافية ،وتعيش عالة على فكر غيرها وتتوجه في قبلتها نحو الالتحاق والانسحاق بالغرب والذوبان فيه والسير خلفه حذو النعل بالنعل وحتى لو دخل الغربيون جحر ضب فرفاقنا حتما سيدخلونه دَاخِرِين . · شعار لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ليس جديدا وإنما هو تكرار لما نادت الفلسفة الوضعية المادية التى انتشرت في القرن الثامن عشر والتى بشرت بانحسار الدين عن الحياة ، واعتبرت العلم نقيضا للدين حيث الأول هو سبيل الخلاص للإنسانية وهو الذى يجب أن يسود ويسيطر ويحل محل اللاهوت المسيحي، بينما الثانى هومجرد تعبير ساذج عن الطفولة الفكرية للإنسانية ونتاج لجهل الإنسان بالطبيعة، ومن ثم لم تبتعد الوضعية المادية التى أسسها أوغست كونت ( 1798 - 1857) وأستاذه سان سيمون عن فكرة كارل ماركس ( 1818م - 1883م).في نظرته للدين باعتباره أفيون الشعوب ،وكانت التطبيقات الماركسية قد ملثت أكثر تجليات التنكر للدين ودروه حتى بداية النصف الثانى من القرن العشرين حيث رفعت هذا الشعار ودعت الناس إليه ووظفت في سبيل ترسيخه كل شئ حتى الحديد والنار ، فهل تأثر ماركس بفلسفة كونت في موقفه من الدين ؟ أم أن الحيرة والتخبط كانت هي القاسم المشترك بين فلسفتين كلاهما تبحث في الكون بأدوات العقل وحده بعيدا عن توجيهات الدين التى تمثلت في اللاهوت المسحيي والذى تم التخلص منه باعتباره أول المعوقات في سبيل التقدم العلمى.؟ · العلمانيون والليبراليون وأهل الحداثة عندنا لم يبدعوا شيئا كما يدعون دائما ،فقط روجوا استدعاء الشعار من سياقه التاريخي ونشأته في ظل ظروف إحلال العلم والعقل محل اللاهوت المسيحي في المذهب الوضعى ثم وضعوا الإسلام محل اللاهوت المسيحي ، وهذا أمر مناقض للعقل والمنطق والمنهج العلمى لتناقض ما بين الإسلام واللاهوت ، ولأن الإسلام كمنهج ونظام مغايرتماما لما جاء به اللاهوت المسيحي ومن ثم فترديد العبارة يعكس حالة البؤس لدى من يدعونها من النخب الدينية والثقافية عندنا ، كما تعكس حالة اليأس لدى من يقتنعون بها من جماهير استباح إعلام التهريج والتهييج عقولهم وأفكارهم فصب فيها من السموم والسخافات ما باعد بينهم وبين ثقافتهم الأصيلة وحفر ما يشبه الخنادق بينهم وبين الفهم الحقيقى لدينهم منهجا ورسالة ، وهذا الطرح المسيئ يفتح الباب واسعا لكل ممارس للسياسة بالطبع أو بالقوة والطبع هنا نقصد به الوعي السياسي المتراكم نتيجة الدراسات والخبرات المكتسبة والمتراكمة لرجل السياسة التى جاءت به الجماهير إلى الموقع عن طريق الإرادة الشعبية وبالانتخاب والاختيار الحر ، بينما القوة تعنى الانقلاب والسطوعلى الحكم بقوة الدبابة، وهو ممارسة قد انقرضت من كل الدنيا ولا تمارس إلا عندنا في دنيا العالم النائم. · تطبيق الشعار الخاطئ "لا سياسة في الدين ، ولا دين في السياسية بالنسبة للإسلام كمنهج شامل للحياة يكون في غاية الخطورة ، لأنه يفرغ الإسلام من أهم وظائفه، كما أنه يحرم كل متدين من ممارسة السياسة إلا وفق المبدأ العلمانى الذى يدعو إلى تفريغ الدين من محتواه وإبعاده عن كل نشاط في صياغة الحياة ، لأن الشأن هنا لا علاقة له بالله ولا بالحساب ، فما لقيصر لقيصر ، وما لله لله . · بمعنى مختصر: أن يتحول الإسلام إلى طقوس جامدة يتوقف مداها عند ميلادها وعصرها كظاهرة تاريخية لاعلاقة لها بالناس والحياة ، ومن ثم على أهل الزمن الجديد أن يتجاوزوها ولا يٌلْزمون بالنظر فيها أو النظر إليها ،ولا يُسألون عنها ولا يَسألون فيها ، وهذا ببساطة معنى لا سياسة في الدين . · ومعنى "لادين في السياسة" تعنى ببساطة أن تكون السياسة منفلتة ومبتوتة الصلة بكل القيم الأخلاقية ولا فرق فيها بين المقدس والمدنس . · ولن يكتفى الخصوم غير الشرفاء للإسلام في الداخل والخارج بذلك الشعار الموتور فيجعلون من ثنائية التضاد والتناقض بين الإسلام والسياسة فقط ، ويظل الشعار كما هو” لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة “ حتى إشعار آخر ؟ وإنما سيتم التوسع في المفهوم الخاطئ ليصبح "لا حياة في الدين ولا دين في الحياة كلها.!! والعلامات والدلائل هي حالات التسطيح والاستباحة المتعمدة لثوابت الأمة هوية وثقافة وتاريخا وحضارة · الزعيم المسيحي النابه مكرم عبيد قال قولته المشهورة “ الدين لله والوطن للجميع” لكن رفاقنا من أهل الحداثة ومعهم "أهل اليسار يا ليل" يريدون أن يكون الدين والوطن لفرعون!! وقد بلغ الأمر بأحدهم وهو شاعر معروف أن نشر مقالا في أكبر الجرائد المصرية “ الأهرام “يخطئ فيه المصريين القدماء لأنهم انحازوا لموسى وكان يجب في نظره أن ينحازوا لفرعون!!!! · فهل يا ترى تَّبَقَّى من مقولة مكرم عبيد أثر في المحروسة أم الدنيا …؟ · عن دور الدين في السياسة يرد عالم الاجتماع المسيحي د. برهان غليون بمقال صادم نشر في موقع الجزيرة نت بعنوان “ الدين والسياسة في مواجهة تحديات العصر فيقول: · "يصدم هذا الدور المتجدد للدين، أو للأديان، في صنع السياسة وبناء المجتمعات بقوة الأفكار المسبقة التي سودتها حقبة طويلة من التفكير الاجتماعي الوضعي، الذي بدأ مع عصر الأنوار العقلاني في القرن الثامن عشر، كما تصدم بشكل أقوى أولئك الذين اعتقدوا، على خطى ماركس والفلسفات المادية، بأن الدين أفيون الشعوب، وأنه سينحسر لا محالة مع انهيار نظم السيطرة والاستعباد الطبقية . · بالنسبة للجميع كانت الحداثة تفترض انتصارا مؤكدا لأشكال الوعي الوضعي والعلمي وتراجعا مضطردا للوعي الديني وللأديان بشكل عام “. “بعكس ما بثته الأيديولوجيات الوضعية والمادية التي سادت منذ القرن التاسع عشر تظهر أحداث العقود الماضية تجدد الطلب على الدين في الحياة السياسية والمدنية بشكل عام، . · والواقع أن كثيرا من الفلاسفة وعلماء الاجتماع المحدثين كانوا قد رفضوا النظرة التبسيطية التي سيطرت على الفلسفة الوضعية عموما، واعتبروا الدين نظاما رمزيا مرافقا لوجود المجتمع. · وكان إليكسي دو توكفيل أول من أشار إلى أهمية الدين في استقرار النظام الديمقراطي الحديث الذي نشأ في أميركا في القرن التاسع عشر لما ينطوي عليه من ذخيرة أخلاقية. · كما أن دوركهايم الذي كان أول من سعى إلى تأسيس علم الاجتماع على أسس علمية يعتبر أن الدين ضروري لتحقيق الاندماج الاجتماعي، بما في ذلك في المجتمعات الحديثة. · أما ماكس فيبر فقد أكد أهمية المنظومات القيمية في قيام النظم الاقتصادية نفسها، كما أبرز ذلك في كتابه عن المناقبية البروتستنتية وروح الرأسمالية، · ونظر جورج سيميل إلى الشعور الديني بوصفه معطى أساسيا في حياة المجتمعات.” أ.ه حجة البليد يقولون في المثل "حجة البليد مسح السبورة" والعبارة تعكس حالة البؤس التي يلجأ إليها البليد الغبي في العجز عن إجابة أي سؤال ، والنخب في بلادنا تسلك نفس المسلك ففي كل حوار حول نظام الحكم في الإسلام تجدهم مهمومين ومسكونين بمصيرالأقليات ومستقبلهم وكأنهم مفوضون من السماء لرعاية الأقليات الديننية وحمايتهم من تغول الأغلبية ، أو كأنهم مندوبون عن الخارجية الأمريكية حين تستعمل تلك الورقة للضغط علي دول تحاول الخروج عن سيطرتها وتتمرد على أخلاق القطيع فتلوح لها أمريكا بتلك الورقة وكأن الأقليات هبطت لتوها من السماء ولم تعش من قبل في ظل الإسلام ودولته وشعوبه عشرات القرون !! وبما أن النخب هم رواد التطبيع مع الكيان الصهيوني ومن دعاة المحافظة على علاقة حسنة مع أبناد العم ولعل صدورهم تنشرح ووجوههم تستبشر نسوق لهم مقتبسا للكاتب الإسرائيلي الملحد أوري أفنيري من مقال له كتبه بتاريخ 23/9/2006 تحت عنوان "سيف محمد" قال فيه : · "فكما هو معروف جيدًا، نَعِمَ يهودُ إسبانيا في ظل الحكم الإسلامي بفترة ازدهار لم ينعم بها قط غيرُهم من اليهود في أيِّ مكان آخر حتى وقتنا هذا تقريبًا. فقد نَظَمَ شعراء يهود من أمثال أبي الحسن اللاوي بالعربية، ناهيكم بموسى بن ميمون العظيم. وكان في الأندلس وزراء وشعراء وعلماء يهود. لقد اشتغل العلماء المسيحيون واليهود والمسلمون جنبًا إلى جنب في طليطلة المسلمة، مترجمين أمهات المصنفات الفلسفية والعلمية اليونانية القديمة. ذلك كان عصرًا ذهبيًّا بحق. فهل كان لهذا أن يحدث لو أن النبي قد سَنَّ فعلاً "نشر الدين بالسيف"؟ · وما حدث بعد ذلك فهو أشد بلاغة. فحين استرد الكاثوليك إسبانيا من أيدي المسلمين، أسسوا عهدًا من الإرهاب الديني، إذ خُيِّر اليهود والمسلمون بين ثلاثة مصائر أهونها مرٌّ: · إما التنصر، وإما الذبح، وإما النزوح. فإلى أين فرَّ مئات آلاف اليهود ممَّن أبوا التخلي عن دينهم؟ لقد استُقبِلَ معظمُهم في البلدان الإسلامية بحفاوة، واستقر يهود السفرديم ("الإسبان") في أرجاء العالم الإسلامي كافة، من المغرب غربًا إلى العراق شرقًا، ومن بلغاريا (الواقعة آنذاك تحت الحكم العثماني) شمالاً إلى السودان جنوبًا. لم يُضطهَدوا في أيٍّ من هذه البلدان؛ لم يعانوا ما عاناه أبناءُ جلدتهم من تعذيب في محاكم التفتيش، ومحارق الزنادقة، والمجازر المدبَّرة، وعمليات التشريد الجماعي المروعة التي حصلت في معظم البلدان المسيحية، وصولاً إلى الهولوكوست. · لماذا؟ لأن الإسلام حرَّم صراحةً أي اضطهاد ل "أهل الكتاب". ففي المجتمع الإسلامي، كان اليهود والمسيحيون يتمتعون بمنزلة خاصة ولا يمكن لأيِّ يهودي صادق، عارف بتاريخ شعبه، إلا أن يُكِنَّ امتنانًا عميقًا للإسلام الذي ظل حاميًا لليهود طوال خمسين جيلاً، في حين كان العالم المسيحي يضطهد اليهود، وقد حاول مرارًا "بحد السيف" إكراههم على التخلِّي عن دينهم.” · لقد حكم المسلمون اليونان طوال عدة قرون. فهل صار اليونانيون مسلمين؟ هل حاول أحدٌ مجرد إرغامهم على اعتناق الإسلام؟ على العكس، لقد تبوأ اليونانيون المسيحيون أعلى المناصب في الإدارة العثمانية. كما عاش البلغار والصرب والرومان والمجر وشعوب أوروبية أخرى، في بعض الفترات، تحت حكم العثمانيين متمسكين بدينهم المسيحي. لم يرغمهم أحد على التحول إلى الدين الإسلامي، وبقوا جميعًا مسيحيين أتقياء. أ.ه · الشعار الكارثة "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة" يحرم المجتمع من أهم ضوابط الالتزام والضبط الإرادي الذي يخلقه الإسلام في نفوس وضمائر المؤمنين به ، والذى عجزت كل مناهج الأرض بكل منظوماتها القانونية ووسائل التربية فيها على الأقل حتى الآن عن صياغة مثله أو قريب منه أو شبيه به في كل مجتمعات الدنيا ، ولعل هذا أيضا هو ما التفت إليه الفيلسوف الفرنسي فولتير حين قال : لماذا يشككون في وجود الله ، ولولاه لخانتنى زوجتى، وعاقنى ولدى ، وسرقنى خادمى . وبعد : ذكر ألمفسرون وبعض كتاب السير أن بعض مشركي مكة كانوا يعبدون الجن ، فأسلم الجن بعد لقاء لهم برسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهذا اللقاء ذكرته سورة الأحقاف في أواخر آياتها كما ذكرته أيضا سورة الجن ، غير أن العرب الذين كانوا يعبدون الجن ظلوا علي كفرهم ورفضوا الإيمان بالنبي محمد !!! · تري عزيزي القارئ هل يختلف موقف السادة العلمانين والليبرالين والنخب الثقافية عن هؤلاء الأعراب قديما ؟ · وهل كان إليكسي دو توكفيل ودوركهايم وماكس فيبر وجورج سيميل وفولتير وأوري أفنيري أكثر تعظيما للدين ودوره ، وأكثر وعيا بتأثيره وحضوره ، وأقوم قيلا من حكام ومثقفين وعلماء ولدوا مسلمين وفي بيئة عربية ويتكلمون لسانها ؟ !!! · عزيزي القارئ ذلك هو الدين وقد أنصفه الأسياد في الغرب ترى هل ينصفه العبيد عندنا ؟ أم تظل حناجرهم تهتف بشعار البؤس واليأس : يسقط يسقط حكم المرشد.؟