• من مزايا التعليم أنه يهذب الطباع ويُِلينُ الخشونة ويفتح أفاقا أمام العقل الإنسانى ليفكر بشكل صحيح ،كما أنه يعتق العقل من كل موروث فاسد، ويفك أسر الأبناء من ضغوط المظالم التى قد يمارسها بعض الآباء الظلمة. • ومن مزاياه أيضا أنه يحرر صاحبه من النظرة الضيقة فيجعله يرى الحقيقة كلها، ولا يكتفى بمنظور جزئى ينقله له عن عمد بعض مَنْ يعاونه بينما يُخْفون عنه بقية صور الحقيقة . • والرئيس بشار الأسد شاب متعلم وكان يفترض فيه أنه استفاد من التعليم كل المزايا السابقة التى أشرنا إليها ، وهو كشاب قد تربى في أحضان الوطن السورى واستنشق عبير الشام ونشأ وترعرع في خيره ، وكنا نظن أن ولاء الإبن المتعلم للوطن لا للكرسي والمنصب، وأنه مختلف عن أبيه بحكم ثقافته واطلاعه وتخصصه وانفتاحه على ما يدور في العالم، غير أننا كنا مخطئين حين تصورنا أن شجرة العلقم يمكن أن تثمر غير العلقم ولو سقيناها بالعسل المصفى . • فموقف الرئيس الشاب يذكرنا بقصة الذئب الذى فقد أمه عقب ولادته ، فعطفت عليه إمراة وأخذته وربته بين أغنامها فرضع من لبنها وتغذى معها ، فلما اشتد عوده واكتمل نموه عادت إليه طباعه فافترس الشاة التى أرضعته وفتك بها، فلما رأت المرأة هذا المنظر الغادر قالت أبياتها المشهورة: أكلت شُوَيْهَتِى وفجعتَ قلبى ......وأنت لشاتنا ولد ربيب شَرِبْتَ لبانها ورُبِيتَ فينا ........فمن أنبأك أن أباك ذئب إذا كان الطباع طباع سوء....... فلا أدب يفيد ولا أديب • الرئيس المتعلم والمتحضر جدا يرد على كل مبادرة تدعو لحقن الدماء بمزيد من القتل وإطلاق يد الشبيحة والأجهزة الأمنية وفي حماية الدبابات والأسلحة الثقيلة. • المشهد واحد في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن. • فكل من يعارض الحاكم أو يطالب بحقه في الحرية والكرامة مندس وخارج على القانون ولو كان الشعب كله ، وإذا كان الشعب كله ثائرا فهو كله مندسا فمن ياترى بقي من الناس ليس مندسا؟ الجينات واحدة وإن اختلفت أشكال السرقات وأحجام النهب والتهليب، فإذا تململ الشعب أو اشتكى أو عبر عن رغبته في مقاومة الفساد تولت أجهزة أمن النظام تأديبه ولو وصل الأمر إلى جريمة القتل الجماعى وارتكاب المجازر وطحن وتدمير المدن بدبابات ومدافع دفعت الشعوب ثمنها لتحرس الوطن وتدافع عن أرضه، فإذا بها ذاتها تكون آلة القتل للعزل من أبناء الشعب وهى التى تستبيح الوطن مدنا وديارا وشعبا ، وتتحول تلك الأسلحة من أن تكون موجهة لعدو يتربص بالبلاد إلى أدوات قمع وقتل وترويع وتفجيع لكل من يخالف النظام ويختلف معه وينادى بحقه في الحرية والحياة الكريمة. • وإذا كانت كل المدن السورية ترفض الحكم الاستبدادى وتنادى برحيل الحاكم الظالم فهل هؤلاء جميعا مندسون؟ • ما يحدث في ليبيا يتكرر في سورية ولكنه يتكرر بشكل أكثر بشاعة وأشد خبثا ودهاء، فالرئيس يتحدث عن الإصلاح بينما يطلق العنان للمفسدين من الشبيحة وقادة أمنه ليخوضوا في دماء الأبرياء من المدنيين العزل فيقتلون ويخطفون ويسحلون الناس في شوارع المدن السورية ويركلون ويدوسون بأحذيتهم الغليظة على أجساد الضحايا في منظرمملوء بالبشاعة والقبح وقلما تجد له نظيرا إلا في بلاد العرب الأجاويد . • المتأمل فى المشهد السورى أصبح يلحظ نوعين من العار في العالمين العربي والإسلامي. • العار الأول : عار العجز المذل الذى يضن على الضحية حتى بكلمة مواساة تجبر القلب الحزين بثقل الفقد ومرارة المظالم والشعور بالقهر . • والعار الثانى : عار الصمت الذى يطفح بالخزى على وجوه الأنظمة الدكتاتورية التى تشارك القاتل بصمتها وتتسلط على شعوبها وتقبع على كراسيها والكل لها كاره وعليها ساخط. • وقد يتساءل المرء عن سر الصمت لأنظمة تُعْرفُ وتُعَرَّفُ بأنها ظاهرة صوتية فلماذا كان العكس هنا وقد صمتت الأنظمة صمت القبور فلم تنطق وعلى مدى خمسة شهور؟ ! • إن لهذه الأنظمة في التفاهة ضجيجا يقرع الأذان ويلوث البيئة ويعكر دائما صفو الحياة، • فلماذا هى صامتة الآن ؟ • سر الصمت هنا ليس الخوف من نظام بشار الأسد، وإنما الخوف من انتشار ظاهرة اليقظة الشعبية التى تدفع بالشعوب للمطالبة بحقها من أنظمة ترى أنها أولى بالناس من انفسهم ومن ثم تستبيح كل أموالهم وأعراضهم وأجسادهم وكل حقوقهم. وهم يدركون جيدا أن الشعوب إذا غضبت هزت أقوى العروش وأكثرها ثباتا واستقرارا. • لذلك تمتلئ سجون تلك الأنظمة بآلاف الأحرار والمظلومين ومن تجرأوا وخالفوا وعارضوا وعبروا بشكل طبيعي عن رغبتهم في الحرية والكرامة والعدل . • نظام بشار الأسد واحد من تلك الأنظمة وهم جميعا في الظلم سواء • الأنظمة العربية صامتة لا تنطق ولا تشير، وبعد خمسة شهور اكتفت ببيان هزيل واستدعاء بعض السفراء للتشاور،وكان رد النظام السورى الحليف مزيدا من حصار المدن السورية واقتحام البيوت واعتقال الناس وإطلاق المدافع والدبابات على المدنيين العزل. • منظومة الدكتاتورية في العالم العربي تجمعها خيوط واحدة وهوايات موحدة تتطورت من مفهوم الهواية لتصل إلى درجة الاحتراف وبجدارة . • خيوط القهر والاستبداد واستعباد الشعوب والانفراد بالثروة والسلطة تربط بين أركان المنظومة ما سقط منها وما بقي آيلا للسقوط ولكن بعد حين. • الهوايات الموحدة والتى تطورت لتصل إلى درجة الاحتراف وبجدارة تتمثل في ترويع الشعوب وإرهابها، وسرقة ثروتها وتهريبها للخارج ،واستغلال واحتكار مصادرها ،وتوزيع ما تبقى من فتاتها على الحاشية والمحاسيب وذلك ديدنهم جميعا على اختلاف توجهاتهم . • الشراكة في العار والخسة بلغت مداها عندما ربطت تلك الأنظمة موقفها بالطرف الأمريكى، وانتظرت لترى كيف يتصرف لتكون مواقفها متماهية معه، تابعة له في كل شئ وإن لم يكن على شئ، تسير خلفه وتترسم خطاه حذو النعل بالنعل . • المشهد يذكرنا بقصيدة للشاعر نزار قبانى ينعى فيها العرب وعروبتهم قالها قبل 30 عاما وألقاها عام 1980 وقد جاء فيها: أنا ياصديقة متعب بعروبتي ............فهل العروبة لعنة وعقاب ؟ أمشي على ورق الخريطة خائفآ.........فعلى الخريطة كلنا أغراب أتكلم الفصحى أمام عشيرتي ...........وأعيد لكن ماهناك جواب لولا العباءات التي ألتفوا بها ..........ماكنت أحسب أنهم أعراب وخريطة الوطن الكبير فضيحة ........ فحواجز .ومخافر. وكلاب والعالم العربي .. أما نعجة .............مذبوحة أو حاكم قصاب والعالم العربي يرهن سيفه .........فحكاية الشرف الرفيع سراب والعالم العربي يخزن نفطه ........في خصيتيه ....وربك الوهاب والناس قبل النفط أو من بعده .......مستنزفون .. فسادة ودواب وإذا قسوت على العروبة مرة ........فلقد تضيق بكحلها الأهداب فلربما تجد العروبة نفسها........ .ويضيئ في قلب الظلام شهاب ولقد تطير من العقال حمامة ..........ومن العباءة تطلع الأعشاب • الجيش السورى يرتكب أكبر الحماقات حين يوجه قدراته لقمع ثورة شعب أبيٍّ يجعل الموت هو الخيار الأفضل في سبيل الحرية والخلاص من القهر . • الرئيس ومؤسساته يفتقد الرؤية المستبصرة لتطورات الأحداث وأحوال الزمان ولم يلتفت إلى زلزال المنطقة بشكل صحيح، وظن خطأ أن طلقات الدبابات والمدافع الثقيلة يمكن أن تنال من عزيمة الشعب ولم يدرك أنه كلما سالت الدماء الزاكية على أرض الوطن كلما ازداد الشعب إصرارا على سقوط النظام . • عندما يسقط النظام يتهاوى هيكل المنتفعين كما تتساقط حبات العقد المنفرط ،وسيكونون هم أول من يضحى بالرئيس ويشهد عليه بل وينسب كل الجرائم لأوامره وتوجيهاته في ساحات القضاء. • فكرة التعامل مع الشعب بعقلية ضابط الأمن لم تعد مجدية في ظل وَعْىِ الشعوب وما حدث من متغيرات كثيرة ، فمدينة حماة اليوم ليست هي حماة قبل ثلاثين سنة، ومهما كانت قدرات النظام فلن تستطيع أن تبيد شعبا بكامله ولا أن تخفى حجم الجرائم وإن أخفت وجوه الشبيحة ورجال الأمن، وستبقى سورية ويسقط النظام ويبقى الشعب ويزول الطاغية. • الرئيس الأسد لم يقرأ مطالب شعبه ولم يقرأ الواقع العالمي قراءة صحيحة، ومن ثم فقد وقع في الأخطاء الكبرى التى وقع فيها مبارك والقذافى. ومصير الرجلين ينتظره على عجل. • ولنتذكر جميعا أن دوام الحال من المحال، وأن الشاعر يقول : رِحَابُ الظُّلم حَتماً سَوفَ تَفْنَى... فعين الله حاشا أن تنام. أكاديمى مغترب رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية رئيس إذاعة القرآن الكريم في أستراليا