الواقعة التي حدثت أمس في مترو الأنفاق دليل جديد على مستوى الاضطراب في السياسات الأمنية وحالة العصبية التي يدار بها الملف الأمني ، وخاصة في شأنه السياسي ، وهي مسؤولية الجهة الضاغطة على الأمن والصانعة للرؤية التي يتحرك فيها أكثر من مسؤولية الأمن نفسه ، والواقعة "الأسطورية" أعلن عنها اللواء سيد جاد الحق، مساعد وزير الداخلية مدير الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات ، الذي أعلن أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض أمس على شاب بريطاني وشقيقته في محطة مترو المرج، وذلك للاشتباه في علاقتهما بالجماعات الإرهابية. كيف اشتبهت قوات الأمن في أنهما من الجماعات الإرهابية ، يقول اللواء جاد الحق أنه تلقى إخطارًا من خدمات التأمين المعينة بمحطة مترو المرج يفيد بإبلاغ أحد ركاب المترو عن شاب وفتاة يتحدثان الإنجليزية، وتمكن من فهم حديثهما الذي تطرق لثورة 25 يناير، والأوضاع الأمنية في مصر، وقال إنه يشتبه في أنهما على علاقة بالجماعات الإرهابية ، وبعد بلاغ "المواطن الشريف" قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على المواطنين البريطانيين ، حيث تبين أنهما شقيقان ، شاب وأخته ، وتم ترحيلهم إلى قطاع الأمن الوطني "أمن الدولة" الذي أخضعهما للتحقيق لمعرفة أبعاد المخطط الإرهابي الذي يعدون له ضد أمن مصر ، غير أن تحقيقات الأمن الوطني لم تجد أي علاقة للبريطانيين بالإرهاب أو بما ادعاه عليهما "المواطن الشريف" ، وبالتالي قاموا بإطلاق سراحهما . الشاب والفتاة محظوظان نسبيا ، لأنهم يحملان الجنسية البريطانية ، ولو كانا مصريين فغالبا سيكون مسار الأمور مختلفا كما نعرف ، وربما كانت أسرتهما حتى هذه اللحظة تدور على الأقسام المختلفة في أحياء القاهرة للبحث عن مكان حبسهما ،ولكن الأهم من تلك "الوجيعة" التقليدية للمواطن المصري ، فإن ما حدث للشاب البريطاني وشقيقته يعطيك صورة صادقة عن أحوال البلد ، وعن الرؤية التي تحكم الشأن الأمني والسياسي فيها ، وعليك أن تتذكر أن هذه الحكومة التي تمارس وزارة فيها هذه السلوكيات ، فيها وزراء آخرون يكلفون خزينة الدولة ملايين الجنيهات شهريا في سفريات وترحال وحفلات ومؤتمرات للتسويق لمصر الأمن والأمان ، وادخلوها بسلام آمنين ، وأن السياحة في مصر واعدة ، ويعطوننا العظات والحكم يوميا عن أهمية السياحة للاقتصاد القومي وكيف أن الإرهابيين يحاولون إعطاء العالم الخارجي صورة مزيفة عن الاستقرار في مصر والأمن والأمان ، كما أن هناك حزمة وزراء آخرين يكلفون الدولة ملايين أخرى في مساعي التسويق لجلب الاستثمارات الأجنبية والتأكيد على أن مصر بلد الأمن والأمان وسيادة القانون والتحضر والاستنارة السياسية واحترام كرامة الإنسان ، وهاتوا أموالكم وخبراؤكم يا جماعة وافتحوا شركاتكم ومصانعكم ولا تخشوا شيئا هنا ! . أحيانا تشعر أن كل وزارة في هذا البلد تعمل وحدها ، برؤية خاصة بها ، وحسابات خاصة بها ، أو أن كل وزارة تتبع حكومة مغايرة للأخرى ، لأنه يستحيل أن تكون كل هذه الوزارات المتناقضة في إجراءاتها ورؤاها وحساسيتها للواقع وفهمها للمصلحة الوطنية تتبع حكومة واحدة وإدارة واحدة وتنسيقا سياسيا واحدا . شاب وفتاة يتحدثون الانجليزية في مترو الأنفاق يصبح سببا كافيا لإلقاء القبض عليهما وإخضاعهما للتحقيقات بتهمة الإرهاب ، هذه حكايات أسطورية يصعب تصديقها ، لولا أنها تصدر بتصريحات القيادات الأمنية الرسمية ، وقبل أسابيع كانت الجهات الأمنية ذاتها تلقي القبض على الخبير السياسي والصحفي الفرنسي الشهير " ألن جريش" رئيس التحرير السابق لصحيفة "ليموند ديبلوماتيك" الشهيرة ، ومعه صحفية ومواطن مصري آخر ، لأنهم كانوا يجلسون على مقهى في حي جاردن سيتي وسط القاهرة ويتحدثون عن ثورة يناير وعن السياسة في مصر ، الأمر الذي لفت نظر "مواطنة شريفة" فأبلغت عنهما بتهمة الإرهاب وتهديد الأمن القومي ، فتم القبض عليه وإخضاعه للتحقيق قبل أن يتبين شخصيته ، ويتم إخلاء سبيله هو ومن معه . الصحفي الشاب "أيمن صقر" ، وهو متدرب جديد في صحيفة المصريون ، وكلفته الصحيفة ضمن عدد آخر من صحفييها لتغطية أحداث مظاهرات 28 نوفمبر الماضية ، بتوزيعهم في نقاط مختلفة بالقاهرة ، وكان أيمن مكلفا بتغطية الأحداث في منطقة المطرية ، اثنان من المواطنين الشرفاء أمسكوا به لما وجدوا معه كاميرا ، وقاموا بتسليمه لكمين الشرطة القريب بوصفه "مشبوها" ، فأخرج لهم "بطاقته الصحفية" فلم يشفع له ، وتم تحويله إلى الأمن الوطني الذي اعتبر أنه كان يغطي المظاهرة إذن هو من الإخوان ، إذن هو إرهابي ، وربما متخابر ! ، وقررت النيابة العامة حبسه 15 يوما على ذمة التحقيق ، وقامت بمدها مرة أخرى رغم أننا أرسلنا خطابا رسميا للداخلية والنيابة بأن الصحفي الشاب مكلف من الصحيفة بتغطية المظاهرة ، فلم يشفع له ذلك ، بل ربما تسبب في زيادة العنت معه ، لأن الصحيفة ليست "مستلطفة" من الجهات الرسمية ، والمشكلة الأساسية للصحفي الشاب "أيمن صقر" أنه لا يحمل سوى الجنسية المصرية ، حظك وحش يا ابن الحلال ، لا يوجد لك سفارة يخشون بأسها .