يظن الكثير من الناس أن الإسلام كدين بدأ مع بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خطأ شائع، اتسعت دائرته فشمل ضمن ما شمل بعض أصحاب الأقلام وأصحاب القلادات والقلاطات كما يقولون، وهو أمر نتج عنه تصور حدوث شرخ هائل في الاعتقاد تمثل في أن رسالة الإسلام عمرها حوالي 14 قرن من الزمان بحسب أن القرن مئة سنة !! والحقيقة الواضحة أن القرآن الكريم وهو مصدر معرفتنا الأول يرجع إلى بداية الأمة المسلمة إلى زمن خلق آدم مسلما موحدا، أي أن تاريخ هذه الأمة الكبيرة لا يبدأ فقط ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم. إن التاريخ الإسلامي، تاريخ الإسلام كدين يبدأ منذ ملايين السنين قبل أن يخلق، ليس محمد صلى الله عليه وسلم فحسب ولكن قبل أن يخلق آدم عليه السلام بسنوات لا يعلم عددها إلا الله عز وجل. يترتب على ذلك نتيجة هامة وهي: إن ما بين أيدينا من مناهج ومصادر تاريخية تناولت في غير إنصاف قصة الخلق كما وردت في القرآن الكريم الذي هو مع السنة النبوية الشريفة مصدر معرفتنا، أقول أن التناول غير المنصف لقصة لخلق أدخلنا في متاهة لا نهاية لها لتسليمنا بأن ثقافتنا مقطوعة الصلة بالعقيدة وهو أمر واضح للعيان، لقد اكتفينا من عقيدتنا بشعيرة الصلاة التي تؤدي أيضا بشكل يسيء إلى قدسيتها في معظم الأحوال. إن وجود مصادر أخرى للمعرفة بخلاف القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هو جذر البلاء وقد تمكنت جهات كثيرة خارجية وداخلية من إفساد منظومة المعرفة التي هي أصلا إسلامية فلا توجد معرفة غير إسلامية والقول بوجودها نوع من الافتراء على الله لأنه سبحانه علم آدم الأسماء كلها (واتقوا الله يعلمكم الله) قرآن كريم. ولكن المتفذكلة يرون أن المعرفة الدينية هي الصلاة وغيرها من الشعائر وأن الشرائع الدينية لا تساير العصر الحديث خاصة القصاص !! عقول لا تعي. ورد على موقع (أخبار مصر) 26/9/2013 ما يلي: قالت صحيفة النهار اللبنانية، إن الأردن رفض دخول الفتاة البولونية آنيا ليوسكا إلى أراضيه ضمن جولتها الماراثونية من أجل ممارسة الجنس مع 100 ألف رجل خلال حياتها. وأوضحت الصحيفة، أن الحكومة العراقية سمحت لليوسكا بدخول أراضيها لمدة خمسة أيام فقط برفقة طاقم الشركة المنظمة، وأن شركة "إرم" المستضيفة لهذه البولونية في المنطقة العربية تقدمت بطلب تأشيرة الدخول الرسمية من خلال السفارة العراقية في القاهرة. وتحدثت تقارير عن تكفل شركة أمنية عالمية حماية ليوسكا لأنها متخوفة من الأوضاع هناك، ما قد يؤدي إلى تقييد حركتها، فيما رفضت الأردن والسعودية وتونس واليمن دخولها. انظر إلى ما يشغل الأمة وتأمل وحاول أن تسأل نفسك هذا السؤال: هل هناك إفساد لمنظومة القيم في بلدنا أكثر من هذا؟ (فن) ناضج للغاية، فن كما أراده ماركس في قولته الشهيرة "ألهوهم بالدعارة" وأطلقوا عليها فنا !! قال كبير الكهنة وهو يستقبل صبيانه ذات يوم: "إن التكنولوجيا الحديثة جعلت من أقدس كتاب ديني مجرد أوراق صفراء محفوظة في المتاحف" والحقيقة أن المتاحف تنتظر الكثير والقبور أيضا. إفساد منظومة القيم هو المدخل الرئيسي لإسقاط الأمة. قلنا قبل قليل أن جذر البلاء هو تمكن جهات متعددة من إفساد منظومة القيم في نفوس الناس فظهر قطاع كبير من الأمة يتخلق بمفاهيم لا علاقة لها بالمفاهيم العقدية من قريب أو بعيد في كل النشاطات الإنسانية، المال، الاقتصاد، الاجتماع، السياسية، … الخ. واحتلت النظريات التي تؤسس للمفاهيم المضللة أدمغة الناس فترى من بتكلم عن نظريات فرويد في علم النفس، ودوركايم في الاجتماع، ودارون في التطور، وماركس ونيشته … وكل من ذكرهم (سلامة موسى) في كتابه (هؤلاء علموني) !! ومن هنا استطاعت (الثقافة) الوافدة التي لا تمثلنا على الإطلاق أن تعزو عقولنا بعد أن تم تفريغها تماما لاستقبال (ثقافة) ميتة !! فبعدنا كثيرا عن المرتكزات التي يقوم عليها الفكر الإسلامي الذي هو أساسه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. لا علاقة لمصادر فكرنا بأي مصادر أخرى فمثلا مفهوم السياسة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مختلف تماما الاختلاف عن مفهوم السياسية في الفكر الغربي القائم على المفاهيم النصرانية / اليهودية، وكما علمنا الدكتور عبد الوهاب المسيري أنه لا يمكن لأي عمل من الأعمال إلا أن يكون له قاعدة فكرية يرتكز عليها وألا يكون فاقدا للخصوصية. خصوصية أمتنا الإسلامية قاعدتها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وقاعدة الأمم الأخرى هي بلا شك ما تدين به عقائد تقوم عليها ديانتها على النحو الذي يحقق إرادتها. إن خلط الحق بالباطل أمر عظيم، ووضع المفاهيم المضللة في طريق الأمة لتعويق نهضتها جناية كبرى وخيانة عظمى للأمانة التي قبل الإنسان أن يحملها. ليس هناك مصادر للأحكام النقلية بخلاف القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والذي أفهمه أن كل نشاطات الإنسان في الأمة المسلمة محكومة بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأزعم أنه لا يحق لمسلم أن يتحاكم إلى غيرها. ويقول الفقيه سيد سابق في هذا الشأن: "والإسلام منظومة تتناول شئون الحياة جميعا، عبادي، أسري، اجتماعي، مدني، جنائي، اقتصادي، إداري، سياسي" وهذه المنظومة مأخوذة من الكتاب والسنة، وأعمال الخلفاء الراشدين كما أنها مستنبطة بواسطة الأئمة المجتهدين أيضا تغني عن غيرها ولا يغني غيرها عنها. نعم، لا يغني غيرها عنها أي منظومة أخرى غربية كانت أو شرقية حتى ولو قامت عليها أمم أخرى فهي لا تصلح لأمتنا المحكومة بمنظومة مصدرها القرآن والسنة المطهرة. لأفكار فرويد، ماركس، دارون، سارتر، نيتشة، … الخ من ضمنهم كتاب (هؤلاء علموني) للأستاذ (سلامة موسى) فالعلم عندنا مصدره القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدرا الأحكام النقلية ولا مصدر آخر غيرهما وما على الإنسان إلا أن يضع المنظومة الإسلامية في مقارنة مع ما أنتجه الغرب أو الشرق ليرى الفرق الواضح. حضارة متفوقة خاصة في الجانب الروحي وما علينا إلا أن ندرس الأسباب التي أضعفت نشاطها لمعرفة كيفية العودة إلى إحياء هذه الحضارة من جديد.