لاشك ان النهاية المخزية والمشينة لمبارك ، تؤكد مرة اخرى على حقيقة تاريخية ثابتة ، وهى أن الشعوب دائما ما تلفظ كل القادة والملوك والرؤساء الذين يوالون الاعداء ويبيعون انفسهم للشيطان فالمعيار الاول فى تقييم اى حاكم هو فى موقفه من اعداء الامة ، من الخواجات على البر التانى . فان جبن أمامهم أو والاهم و خضع واستسلم لهم ، طاله العار حيا وميتا . وان قاتل وناضل وجاهد حتى لو لم ينتصر ، وضعته الشعوب فى منزلة خاصة ورفيعة . بل ان التاريخ قد يغفر كثيرا من الاخطاء للقادة والزعماء الا الخيانة . لقد انهزم محمد كريم 1798 و محمد على 1840 و أحمد عرابى 1881 و عمر المختار 1931 والحاج أمين الحسينى 1939 وعبد الناصر 1967 ، ولكنهم لم يستسلموا ، فانصفتهم الشعوب والتاريخ معا . أما مبارك فهو ينتمى الى سلسلة بشرية مغايرة تماما : فيها الخديو توفيق 1881 ، وبطرس غالى دنشواى 1917 ، وامين عثمان 1944 رئيس جمعية الصداقة المصرية البريطانية ، وعبد الله ملك الاردن 1951 ، وانور السادات كامب ديفيد ، والجنرال الفرنسى بيتان حليف العدو والمحتل الالمانى فى الحرب العالمية الثانية ، وكلهم كانت نهايتهم بائسة ومحاطة بأكاليل العار . * * * ان الدرس الاول فى حياة كل الامم والشعوب منذ قديم الزمان هو ضرورة تحقيق السيادة الوطنية فى مواجهة الاطماع الخارجية . والدرس الاول فى حياتنا نحن على وجه الخصوص هو أن الخطر الرئيسى كان دائما يأتينا من الخارج وبالتحديد من البر الغربى . فلقد عانينا على مر تاريخنا الطويل من ثلاثة موجات استعمارية غربية كبرى : • الأولى استمرت ما يقرب من الف سنة من 332 قبل الميلاد الى 640 ميلاديا وانتهت بالفتح العربى الاسلامى . • والثانية استمرت ما يقرب من مائتى سنة من 1096 الى 1291 والتى اشتهرت بالحروب الصليبية وانتهت بتحرير عكا . • والثالثة بدأت مع غزو نابليون لمصر 1798 ولم تنته بعد ، فلا تزال فلسطين مغتصبة والعراق محتل وباقى الاقطار العربية غارقة فى التبعية للولايات المتحدة والغرب . وبالتالى فان النضال ضد الاحتلال والاغتصاب الاجنبى هو اولوية اولى وثانية وثالثة ، وبعدها تأتى أى قضايا اخرى . * * * ولذلك فان جريمة مبارك ونظامه ليست فقط فى السلبية و التقصير فى الزود عن سلامة اراضى الوطن والتفريط فى السيادة والارادة الوطنية فى مواجهة الاعتداءات الخارجية . وانما فى التحالف مع اعداء الأمة والتبعية لهم وتسهيل تنفيذ مخططاتهم على امتداد اكثر من ثلاثين عاما : • فلقد تنازلوا عن فلسطين لليهود الصهاينة بموجب المادة الثالثة من المعاهدة مع (اسرائيل) ، بالمخالفة للمادة الأولى من الدستور. • وفرطوا عن السيادة الوطنية فى سيناء بموجب المادة الرابعة من نفس المعاهدة ، بالمخالفة للمادة الثالثة للدستور . • وضربوا وحدة الصف العربى بموجب المادة السادسة من المعاهدة . • وسلموا اقتصاد البلد للامريكان وحلفائهم وعملائهم • وجردوا مصر من قوتها واسلحتها الاقتصادية ببيعهم للقطاع العام وفقا لتعليمات الامريكان ومؤسساتهم الدولية . • وسلموا تسليح مصر للامريكان • ورضخوا لمبدأ التفوق العسكرى والنووى لاسرائيل • وفتحوا بطن مصر وعمقها لاجهزة الاستخبارات الامريكية والاوروبية المتخفية تحت مظلة المعونات والمنح . • وفتحوا المجال الجوى المصرى وقناة السويس لقوات الاحتلال الامريكى للعراق • وحرضوا الدول العربية على التفريط فى فلسطين والاعتراف باسرائيل فيما يسمى بعملية السلام الشامل • ونسقوا الى ابعد مدى مع العدو الصهيونى ضد المقاومة الفلسطينية والمشاركة فى حصار غزة والتواطؤ فى العدوان عليها ديسمبر 2008 • ونسقوا الى ابعد مدى مع العدو الامريكى ضد ما يسمونه بالارهاب ، لتجريد الشعوب العربية والاسلامية من حق المقاومة ، ليكون حق امتلاك السلاح واستخدامه حكرا على الامريكان والصهاينة وحلفاءهم . • وعملواعلى تزييف الوعى الوطنى لجيل كامل ( الجيل 33 عاما ) من الشباب والطلبة ، الذى قدموا له امريكا بصفتها حليفتنا الاستراتيجية ، واسرائيل على انها قطر شقيق ، والمقاومة على انها ارهاب ، والاستسلام على انه حنكة سياسية ودبلوماسية ، والنهب والسرقة لمقدرات البلد على انهما اقتصاد حر . • وقاموا بمطاردة وحصار وسجن كل القوى الوطنية الحقيقية تنفيذا لتعليمات المادة الثالثة من معاهدة الاستسلام ، من أجل تجريد الأمة من أى مقومات الدفاع عن النفس فى مواجهة العدوان الأمريكى والصهيونى . وغيره الكثير والكثير * * * وبالتالى ان كان هناك من عبرة نعتبرها جميعا من النهاية المشينة لمبارك وامثاله ، فهى انه على كل الرؤساء والبرلمانات والحكومات القادمة ، وعلى كل الاحزاب والتيارات والقوى القائمة ، أن تضع على رأس مشروعها السياسى قضية التحرر الوطنى مصريا وعربيا . وكل من يتجاهل هذه القضية أو يحاول تهميشها أو يراوغ فى طرحها ، فانه لن يختلف كثيرا عن تلك السلسة البشرية التى جاء منها مبارك ونظامه . حتى لو قص علينا ليل نهار أروع القصائد فى الدساتير والحريات والحقوق . * * * * * [email protected]