فى مقالنا السابق تناولنا أحوال نخبتنا "المفلسة"، وبينا كيف أنها كانت وما تزال سبب نكبتنا والعقبة التي تقف فى وجه تطور البلاد السياسي، وقلنا أنها مصابة بداء "عصر الهضم المعرفي" ،لأنها تفتقر الإبداع ، وتكتفي بعملية الإطلاع على والنقل من تراث الحضارة الغربية فى شتى فروع المعرفة، ومن غير أن تجهد نفسها فى إخضاع ذلك للتحقيق والدراسة النقدية المتعمقة، كي تستخلص عصارتها والصالح منها للبناء عليه بمعرفتها، مثلما سبق وفعلت النخبة الغربية فى العصور القديمة والوسطى ،حين اطلعت ونقلت تراث الحضارات الشرقية فى عصور تقدمها. وقلنا إن نخبتنا اليوم، تردد ذات المقولات الخاطئة، التي سبق وسجلها "أرسطو" فى القرن الرابع قبل الميلاد فى نظريته عن الطغيان الشرقي، وطبيعة عبودية شعوبنا الشرقية، التي لا تفرق بين الديمقراطية والفوضوية ،والتي ترفض كل نظم الحكم الديمقراطية، وتفضل عليها حكم الطغيان، وإن عز وجوده فإنها تخلقه. لهذا نقول - بدون تجنى منا - أن النخبة المصرية المصابة بالعمى "الحيسي" ، لم ترى حتى اليوم أن الشعوب الشرقية المتخلفة ، لما ناضلت وضّحت من أجل الحصول على حريتها وصون كرامتها الإنسانية، نجحت فى أن تستبدل حكم أنظمة الطغيان الفاسدة التي تحكمها، بأنظمة حكم ديمقراطية رشيدة، نقلتها من صفوف الدول المتخلفة والمستعبدة، إلى مصاف الدول الحرة والمتقدمة، مثلما فعلت "ماليزيا " و"اندونيسيا"، بينما النخبة المصرية مازالت مصرة على، أن تكون خارج التاريخ، وترفض النضال من أجل حاضر ومستقبل الشعب، وتجد أمانها ومصلحتها الخاصة حين تخدم الحاكم المستبد ،وتزعم أن الديمقراطية اختراع غربي لا يصلح لشعوبنا الشرقية المتخلفة والفوضوية . ماذا يعنى ذلك؟ يعنى أن الله وهب "اندونيسياوماليزيا" - لحكمة لا نعلمها - نخبة مستنيرة وأمينة على مصالح شعبها، ظلت تحلم وتناضل سياسياً من أجل أن ينعم المواطن البسيط، بنظام حكم ديمقراطي، يحترم قواعد الشفافية وحرمة المال العام، ويؤمن بالحريات العامة والخاصة، وحرية الرأي والتعبير، و كرامة الإنسان وحقه فى التظاهرات وكافة الاحتجاجات السلمية، ويلتزم بتطبيق أحكام الدستور والقانون على الجميع بدون استثناء أو تحايل ،لأنها تعي أن تلك بديهيات الدولة المدنية الحديثة، التي ترفض حكم الطغيان، ودوام التخلف،وانتشار الأمية، وضياع وعى الشعب، وتسعى لكي يسود الأمن والاستقرار ربوع البلاد ، حتى يتفرغ الجميع للعمل والإنتاج والإبداع، وتسقط لغير رجعة دولة الخوف وانتهاكات حقوق الإنسان ،وتنخفض الإضطرابات الفئوية والعرقية والدينية ، وتتسارع المسيرة الديمقراطية بالبلاد، ويلتزم الجميع بمبدأ التداول السلمي للسلطة، من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وهو ما حدث بالفعل فى كلا البلدين ،حين فاز فى "اندونيسيا" "جاكوفي" الماركسي" بمنصب رئاسة الجمهورية، بينما أسفرت الانتخابات البرلمانية – فيما بعد – على سيطرة التحالف المعارض للرئيس المنتخب على غالبية مقاعد البرلمان، وبرغم ذلك رفضت النخبة المعارضة كل دعوات الانقلاب على الرئيس والإطاحة به ، ووقفت إلى جانبه وهو يدير شئون البلاد، لأنه الرئيس المنتخب الذي اختاره الشعب. وحدث – أيضاً- فى "ماليزيا "، أن تنافس فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، تحالفا الجبهة الوطنية "أمنو"، والتحالف الشعبي المعارض ،والتي فاز فيها الأول على الثاني بنسبة بسيطة وبشق الأنفس، مما قد يهدده - وهو حزب العظيم "مهاتير محمد" - بفقدان مكانته فى الحكم لأول مرة منذ الاستقلال، إذا لم يراجع برامجه وسياساته القائمة على المحاصصة العرقية والدينية ،وليس على مبدأ المواطنة ،الذي يطالب به الشعب وتتبناه المعارضة. لذلك تفوقت "اندونيسياوماليزيا" ، بنخبتها الديمقراطية ، وتخلفت مصر فى كل شيء بسبب نخبتها الانتهازية ، التي لا تتورع ولا تخجل عن إقصاء الآخرين حين تصل لسدة الحكم ،أو تعمل على هدم الدولة إذا فقدت السلطة، وكأن لسان حالها يهتف بالصوت العالي (فيها لخفيها وأجيب عاليها واطيها).