حيثيات الحكم في قضية مبارك تستحق القراءة، وقد شرعت في قراءة ملخصها الذي نشرته الصحف ويقع في أكثر من 280 صفحة، ففيها تفاصيل قانونية وسياسية وتواريخ وأرقام وأحداث ووقائع وشهادات مثيرة لمسؤولين كبار. لكني دققت فيما يتعلق بالجزئية المتعلقة بمبارك وهي عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية ضده في جناية قتل المتظاهرين وبناء عليه حصل على البراءة وبعد قراءة هذه الجزئية وجدت لدى استفسارات وتساؤلات قانونية حائرة تحتاج إلى الإجابة عنها. ومن المهم قراءة نص ماورد في الحيثيات بشأن هذه الجزئية التي سجلها القاضي محمود كامل الرشيدي كالتالي. "عدم جواز نظر الدعوى الجنائية في الجناية رقم 3642 لسنة 2011 قصر النيل بشأن تهمة الاشتراك بالاتفاق مابين رئيس الجمهورية الأسبق ووزير داخليته للقتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بالقتل العمد والشروع فيه المقامة قبل محمد حسني السيد مبارك في 24 /5/2011 لسبق صدور أمر ضمني من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله في 23/3/2011". ويواصل القاضي قائلا : "حيث إنه عن الدفع المبدي من دفاع المتهم محمد حسني السيد مبارك بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية رقم 3642 لسنة 2011 لسبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله تأسيسا على أن النيابة العامة بعد أن تولت تحقيق الجناية رقم 1227 لسنة 2011 قصر النيل بما تحويه من وقائع القتل والشروع فيه والإصابة واستمعت وطالعت ماتتضمنه تلك التحقيقات من اتهامات موجهة للمتهم مبارك كالها له العديد ممن سمعت أقوالهم حتى اكتظت بتلك الاتهامات ومع ذلك فإن النيابة العامة أصدرت أمرا في 23 / 3/ 2011 بإحالة الجناية سالفة الإشارة إليها لمحكمة الجنايات قبل المتهم حبيب العادلي ومساعديه مسندة الاتهام فيها عن تلك الوقائع دون أن تدخل مبارك متهما في تلك الوقائع مما ينبئ بصدور أمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله ثم عادت النيابة في 24/5/2011 وبعد أكثر من شهرين لإصدارها لأمر الإحالة في الجناية رقم 1227 لسنة 2011 بإصدار أمر آخر بإحالة المتهم محمد حسني مبارك للمحاكمة الجنائية في الجناية رقم 3642 لسنة 2011 قصر النيل وتضمن من بين التهم المسندة إليه الاتهام بالاشتراك في القتل العمد مع سبق الإصرار والمقترن بالقتل العمد والشروع فيه وهي ذات الوقائع محل أمر الإحالة الأسبق صدوره في 23/3/2011 والمار بيانه دون تعديل أو تبديل أو إضافة بما يعني أن النيابة العامة عندما أصدرت بتاريخ 23/3/2011 أمر الإحالة في الجناية رقم 1227 لسنة 2011 قصر النيل وجاء خاليا من اسم مبارك كمتهم فيها تكون قد أصدرت في ذات الوقت أمرا ضمنيا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله يمنعها من العودة لاتهامه بالاشتراك مع أي متهم في الجناية الأولى مادام الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله لايزال قائما ولم يلغه النائب العام طبقا للحق المخول له في المادة 211 في قانون الإجراءات الجنائية". ... انتهى هذا الجزء من الحيثيات مجال هذا المقال وهنا نطرح الاستفسارات والتساؤلات بغرض المعرفة والفهم. أولا : في مقالي هنا أمس تساءلت كيف تصدر المحكمة الأولى "محكمة القاضي أحمد رفعت" حكما بالسجن المؤبد على مبارك، ثم تأتي محكمة الإعادة "محكمة القاضي محمود الرشيدي" وتصدرحكما بالبراءة مع أن القضية وأوراقها وتفاصيلها لم يتغير فيها شيء، ولن نلتفت هنا للقول إن الأوضاع السياسية والأجواء النفسية تغيرت لتنتقل القضية من المؤبد إلى البراءة ، لكن بعد قراءة الحيثيات يتولد من هذا السؤال سؤال آخر وهو : ألم يتنبه القاضي رفعت لما تنبه إليه القاضي الرشيدي بألا يجوز إقامة الدعوى الجنائية ضد مبارك وألم يتنبه لكون أن أمر الإحالة الأول في شهر مارس 2011 لم يتضمن اسم مبارك ثم ورد في أمر الإحالة الثاني في شهر مايو من نفس العام وهو الأساس الذى بنى عليه الرشيدي عدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضده ما يعني حكما ببراءته من قتل المتظاهرين؟. البون هنا شاسع بين محكمتين، الأولى تقضي بالمؤبد، والثانية لاتجيز نظر الدعوى ، والأولى لاتتحدث عن أن أمر الإحالة الأول جاء خاليا من اسم مبارك، والثانية تتحدث عنه وتبني عليه قضائها. ثانيا: على أي أساس لم يجد النائب العام وجها لإقامة الدعوى الجنائية ضد مبارك في أمر الإحالة الأول في 23 مارس 2011 وبالتالي خلا أمر الإحالة للجنايات من اسمه مكتفيا باسم حبيب العادلي ومعاونية؟. ثالثا : ماذا استجد بعد شهرين اثنين فقط حتى يتم إدراج اسم مبارك في أمر إحالة في الجناية رقم 3642 لسنة 2011 ويذهب للجنايات ليلحق بالعادلي ومعاونيه في تهمة قتل المتظاهرين؟. رابعا : هل أمر الإحالة في 24 مايو لمبارك إلى الجنايات صدر تحت تأثير سياسي مثلا، ونذّكر القارئ بأن مبارك في هذا الشهر سرب تسجيلا صوتيا بثته قناة "العربية" السعودية يتحدث فيه عن الاهانات التي يتعرض لها وأسرته وينفي كل مايتم إلصاقه به وأسرته من تهم قتل وفساد بل ويتوعد من يقولون ذلك بالمحاسبة فيما بعد وهو التسجيل الذي أثار غضبا واسعا وخرج الألوف للتحرير في الجمعة التالية للمطالبة بمحاكمته وبالفعل بدأ التحقيق معه في شرم الشيخ وصدر قرار بحبسه في المستشفى ثم انتقل بعدها للسجن بالقاهرة، هل هذه التطورات السياسية هي من جعلت النيابة تحيله للجنايات وهل هذا يفسر الاختلاف بين أمر الإحالة الأول الخالي من اسمه ثم أمر الإحالة الثاني المتضمن اسمه وهو ماجعل القاضي الرشيدي يقول في حيثياته إن ذلك يمنع النيابة من العودة لاتهامه بالاشتراك مع أي متهم في الجناية الأولى مادام الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله لايزال قائما ولم يلغه النائب العام طبقا للحق المخول له في المادة 211 في قانون الإجراءات الجنائية. خامسا : لمّا عادت النيابة للتحقيق مع مبارك، لماذا جعل النائب العام أمر الإحالة الأول الخالي من اسمه قائما ولم يلغه كما أشار لذلك الرشيدي وهذا حق قانوني له طالما سيصدر أمر إحالة جديد يحيله بموجبه للمحاكمة؟. سادسا : هل إلغاء أمر الإحالة الأول وإصدار أمر إحالة جديد كان سيترتب عليه إزالة النقطة القانونية التي استند إليها القاضي الرشيدي بأنه لايجوز إقامة الدعوى الجنائية قبله ليصبح جائزا إقامة الدعوى الجنائية ؟. سابعا: هل عدم إلغاء أمر الإحالة الأول في مارس 2011 له مبرر قانوني، وإذا كان واجبا إلغائه لإصدار أمر الإحالة الثاني في مايو 2011 فلماذا تم تركه قائما دون إلغاء ؟. ثامنا : حتى لو افترضنا أن هناك وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل مبارك ولم يقترب القاضي الرشيدي من مسألة أمر الإحالة هل كان سيحصل مبارك على البراءة ؟. اتصور ذلك تأسيسا على أن العادلي ومعاونيه حصلوا جميعا على البراءة من تهمة قتل المتظاهرين وبالتبعية سيكون نفس المصير لمبارك حيث يفترض أنه هو من يصدر أوامر القتل للمتظاهرين وإذا كان لم يثبت صدور الأوامر بذلك من وزير الداخلية لمعاونيه وبالتالي بالضرورة لن يثبت شيء مثل هذا من مبارك للعادلي ولاحظت أن محكمة الإعادة بجانب ما استندت إليه في تبرئة العادلي ورفاقه كان صدور أحكام في 9 محافظات ببراءة مرؤوسيه من تهم قتل المتظاهرين مما يترتب عليه براءة رئيسهم وهو العادلي من إصدار أوامر لهم بقتل المتظاهرين. تاسعا وأخيرا: يتأكد أن فريد الديب ليس محاميا عاديا فهو طالب المحكمة بألا يجوز إقامة الدعوى الجنائية قبل موكله مبارك. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.