حسب البروتوكول المعمول به في قصر الإيلزيه حدد وقت اللقاء بين الرئيس شيراك و"ابنه" سعد الحريري 20 دقيقة، فإذا به يمتد إلى ساعة و20 دقيقة. شيراك يعشق لبنان ولبنان تعشقه، وربما ليس هناك بلد في المنطقة يحن إليه شيراك أكثر من لبنان. وظلت هذه العلاقة تتفاعل يوما بعد يوم وعلى امتداد سنوات، كيف لها وهو يعتبرها المدخل الأساس للفرانكفونية في منطقة الشرق الأوسط وأهم قلاعها واهتمامه بالداخل اللبناني لم يتغير، بعد أن ورث سعد عن أبيه زعامة بيروت السياسية. وقد أثرت هذه العلاقة الشخصية على سياسة شيراك، بل وحتى على فرنسا تجاه لبنان وسوريا، ولهذا أمكننا فهم مدلول تبني شيراك لقرار 1559على الأقل في شقه الأول، المتعلق بانسحاب القوات سورية من لبنان، وبداية جنوحه إلى المنطق الأمريكي في التعامل مع الملف اللبناني، بل والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط من حيث آلية العمل والتخطيط، حيثي يتراجع دور المؤسسات التقليدية، الخارجية، لصالح جهاز الرئاسة. عشية مقتل الحريري، أرسل شيراك فريقا من جهاز الاستخبارات الخارجي DGSE لحماية عائلة الحريري. ومنذ الخريف، اشترك جهاز(SPHP) الفرنسي المتخصص في حماية الشخصيات الهامة، اشترك في توفير الحماية الخاصة لسعد الحريري، كما أرسل شيراك عقيدا متقاعدا إلى الزعيم السياسي الدرزي وليد جنبلاط لإقناعه بالعمل على تعزيز السياسة الفرنسية في لبنان. وقد وصل تأثر شيراك بعلاقته الشخصية مع الحريري إلى أن يستجيب لمطلب سعد بالتحقيق مع أحد الشهود، رقم محدودية أهميته، في ملف مقتل أبيه, في باريس. ولم يتوان في توجيه سعد الحريري بمواصلة العمل ضد رئاسة البرلمان، وتحديدا نبيه بري، باعتباره أهم رموز السياسة السورية المهيمنة. وحسب الدبلوماسي الفرنسي السابق Alain Chouet، فإن شيراك لا تخلو سياساته من أخطاء، ولعل من أبرزها، وفاؤه في الصداقة إلى أقصى حد ممكن. وكما ساند ابتداء بشار الأسد ووقف إلى جانبه بعد توليه الرئاسة وتحمس له، يريد أن يفعل الشيء نفسه اليوم مع سعد الحريري، حتى إن آصف شوكت أحد أركان النظام السوري، علق على سياسة شيراك تجاه لبنان، في لقائه مع أحد الموفدين من قصر الإليزيه، بقوله: "كيف لزعيم كبير كشيراك يوجه سياسته ويبنيها تماشيا مع رغبات شخص واحد"؟ فرنسا لا تريد تغييرا للنظام، وإنما تغيير سلوكه، وفي هذا السياق ذكر أحد مستشاري الإليزيه، أنه في الخريف الماضي، فعلت فرنسا كل ما بوسعها لثني الأمريكان عن فرض عقوبات واسعة على دمشق. ولعل أحد أهم عوامل تحول الموقف الفرنسي، إلى جانب العلاقة الشخصية مع الحريري، شعور شيراك أنه تعرض لنوع من "الخيانة" من قبل الأسد الابن، حيث إن الرئيس الفرنسي عمل على التقرب من بشار حتى قبل أن يستلم الحكم في سنة 2000م، من خلال "القرار غير الدستوري" في صيف 2004 بالتمديد للرئيس اللحود. وقد نسقت باريس تحركاتها مع واشنطن عقب أوامر دمشق بالتمديد، وبعث شيراك مستشاره الدبلوماسي Maurice Gourdault-Montagne للتباحث مع مستشار الأمن القومي للرئيس بوش المصدر : العصر