أضرب كفا بكف استغرابا من "المندبة" التي أقامها عدد من الصحفيين المصريين ، قطاع خاص ، عن المذيعة "دينا عبد الرحمن" التي تقدم برنامجا عن الصحافة صباح كل يوم في قناة دريم ، بعد أن قرر أحمد بهجت "صاحب الدكان" طردها من القناة لتكرارها ممارسة العنف الكلامي مع الضيوف الذين لا يعجبونها ، وبصورة فجة فعلا ، واعتبروا ذلك عدوانا على حرية التعبير ، رغم أنه إجراء عادي في أي خلاف بين إدارة قناة وبين العامل فيها إذا اختلفت الرؤية بين الطرفين ، وقد حدث الأمر نفسه في قنوات فضائية أمريكية وبريطانية وعربية ، وكانت قناة الجزيرة القطرية قد أنهت خدمات أربعة من أشهر مذيعاتها دفعة واحدة بعد خلاف حاد في وجهات النظر ، والمثير للدهشة أن أحدا من أقلام الجهابذة والمناضلين الذين انتفضوا من أجل "دينا" لم يكتبوا حرفا واحدا عن مذيعات الجزيرة الأربع ، والسر طبعا أن "السبوبة" كانت عند دينا ، ودريم ، ولم تكن هناك في الجزيرة . ودينا عبد الرحمن شخصية عدوانية جدا في برنامجها ، وربما كان ذلك طبعا في تكوينها النفسي ، تستشعر معه أنك أمام شخصية متوترة وقلقة ومتجهمة على الدوام ، وأزعم أن مشاعر التوتر تصدرها إلى المشاهد الذي يتصور أنه من فرط الكآبة في مأتم عزاء ، وهو ما يفقدها مرونة الأداء والحوار وحميمية التواصل مع المشاهد والبساطة مع الكاميرا ، إضافة إلى النمطية الشديدة في برنامج يتعلق بالصحافة ولكن على طريقة صحيفة الحائط المدرسية التي يصنعها الهواة ، وفي المحصلة نحن أمام نموذج متواضع بالفعل لمقدم البرامج ، لا يحتاج إلى مثل هذه الضجة للغضب من أجل إنهاء خدماته في قناة فضائية ، ولكن لأن دينا كانت متطرفة سياسيا ومنحازة لتيار محدد وعدوانية جدا تجاه أي مخالف لتيارها الفكري ، حاول البعض أن يصنع منها شهيدة لحرية الفكر ، وعلى مسؤوليتي الكاملة فجميع من كتبوا عن دينا حتى الآن هم ضيوف برنامجها الدائمون ، وبعضهم لم يجد حرجا أن يعترف بأنه "مجدول" في البرنامج بشكل أسبوعي ، وكان هذا من أسباب ضعف برنامجها ، لأنه كان من الواضح أنه مخصص لتيار فكري معين ، وإذا صادف وأتى فريق الإعداد بصحفي أو كاتب "من الأعداء" بطريق الخطأ لا تتركه يتكلم جملة واحدة مفيدة . محمود الورواري هو أحدث وجوه "التوك شو" في الفضائيات المصرية ، هو خليفة معتز الدمرداش في قناة المحور ، ومحمود مثقف وقارئ جيد ، وهذا واضح من كتاباته قبل أدائه التليفزيوني ، ولكن مشكلة محمود أنه يتصور أن نجاحه في تجربته الجديدة في مصر مرتهن بتزلفه إلى النخبة ذات الضجيج أو الشهرة القديمة فيفرط في استضافتها عمال على بطال ، رغم أنهم أصبحوا تاريخا من التاريخ ولا قيمة لهم ولا وزن في المشهد السياسي الراهن ، والمشاهد ذكي ، ويخزن ، وهذا ما يفضي في النهاية إلى خسارة الورواري لقبوله ومصداقيته عند ملايين المصريين ، حتى لو ربح حفنة من اليساريين أو الليبراليين ، شاهدت له حلقة قبل أيام كان ضيوفه فيها ثلاثة هم : صلاح عيسى ويوسف القعيد ومحمد سلماوي ، وواحد منهم فقط يكفي لإظلام شاشة ، فكيف جرؤ على جمع الثلاثة في برنامج واحد وجلسة واحدة ، هذا انتحار إعلامي ، ودع عنك التذلل السخيف جدا لهم لدرجة أن يخاطب يوسف القعيد بأنه الأستاذ الذي تتلمذنا على يديه ، وهذه أول مرة أسمع مصريا يقول أنه تتلمذ على يد يوسف القعيد ، القعيد يا رجل ، حرام عليك والله ، وإذا لم يخرج الورواري من هذه الورطة سريعا ، فأتصور أنه سيحزم حقائبه ويغادر مصر كلها عما قريب . قناة الجزيرة مباشر تحولت خلال الأشهر الأخيرة إلى منبر لفصائل محددة من الخريطة السياسية المصرية ، بأشخاصها ورموزها وطرحها المكرر والممل جدا ، وهناك أشخاص أصبح ظهورهم فيها أقرب إلى مستويات ظهور المذيعين أنفسهم ، ولذلك أتصور أن على الجزيرة أن تطلق قناة الجزيرة مباشر 2 ، لتغطية الجزء الآخر من الخريطة السياسية المصرية . [email protected]