مع السير بتؤدة وفهم وتركيز بصحبة فكر وانتاج الفقيه المنهجى الرائد شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ، نكتشف كم نحن مقصرون فى حقه ، وكم نحن مقصرون فى حق أنفسنا ومنهجنا ألا تكتمل لدينا تلك الرؤية الناضجة الشاملة المنضبطة بكليات وقواعد محددة واضحة دقيقة ، وليس بسير عشوائى متخبط يهوى بمن أرادوا العلم والفقه والدراية الى مستنقعات الجهل والكذب والظلم لكل شئ جميل ولكل رمز عظيم فى تاريخنا .. ظلم لأنفسنا وظلم لمنهجنا وظلم لرموزنا وعلمائنا ومفكرينا .. وتنحرف مساعينا للتغيير والاصلاح الى مسارات الافساد لا محالة ... وهذا ما لخصه بدقة كعادته ابن تيمية رحمه الله فى قوله " لابد أن يكون مع الانسان أصول كلية يرد اليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل ، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت ، والا فسيبقى فى كذب وجهل فى الجزئيات وجهل وظلم فى الكليات .. فيتولد فساد عظيم ". القواعد والأصول والمبادئ المنهجية العامة التى وضعها شيخ الاسلام ابن تيمية كفيلة بأداء راق منضبط وبمسير راشد متوازن متصاعد نحو الظهور والعزة والانجازات الحقيقية للمنهج ورواده ، شريطة أن تجد فقهاء معاصرين مجددين يدركون جيداً ويعون أن مهمتهم استصحاب تلك القواعد والأصول المنهجية وهم يباشرون معالجة قضاياهم العصرية بآراء مبتكرة ومتطورة على ضوء المتغيرات والمستجدات وعلى ضوء تلك القواعد المنهجية العامة ، وليست مهمتهم اجتزاء وجلب آراء وفتاوى شيخ الاسلام الفرعية الجزئية الخاصة بحوادث وظروف معينة وانزالها على وقائع وواقع وظروف مختلفة كلية عن تلك التى مضت . كتلك القاعدة المنهجية فى استيعاب الاختلافات ومنع تداعياتها ، وقد ترك البعض هذا التأصيل المنهجى لشيخ الاسلام ووقعوا فيما حذر منه من أسباب الاختلاف والفرقة .. لننظر ولنقارن : قاعدة فى صفات العبادات الظاهرة التى حصل فيها تنازع بين الأمة فى الرواية والرأى مثل الأذان والجهر بالبسملة والقنوت فى الفجر والتسليم فى الصلاة ورفع الأيدى فيها ووضع الأكف فوق الأكف ومثل التمتع والافراد والقران فى الحج ونحو ذلك فان التنازع فى هذه العبادات والشعائر أوجب أنواعاً من الفساد الذى يكرهه الله ورسوله وعباده المؤمنون . تلك قاعدة منهجية ويدخل تحت قوله " نحو ذلك " أمور كثيرة أخرى لا حصر لها طفحت بها خلافات القوم ونزاعاتهم الممتدة ، والأصل المنهجى هى أن تؤخر جميعاً تلك الفروع ويقدم الأصل " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " .. الى قوله " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم . يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " .. قال ابن عباس " تبيض وجوه أهل السنة والجماعة - ليست جماعة بعينها - وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة " القاعدة التى لم يرفعها القوم وهم يختلفون حول تلك الفرعيات أهملوها ووقعوا فى الفساد ، والحديث عن القاعدة العامة ذهب فى شرحها بالتفصيل وذكر أن من أسباب الاختلاف الجهل بالشريعة وجهل كثير من الناس بالأمر المسنون الذى يحبه الله ورسوله ، وأيضاً الظلم وقلة الانصاف ، فهناك ظلم للأمة بعضها البعض وبغيهم عليهم تارة بنهيهم عما لم ينه الله عنه وبغضهم على ما لم يبغضهم الله عليه ، وتارة بترك ما أوجب الله من حقوقهم وصلتهم لعدم موافقتهم له على الوجه الذى يؤثرونه حتى يقدمون فى الموالاة والمحبة واعطاء الأموال والولايات من يكون مؤخراً عند الله ورسوله ويتركون من يكون مقدماً عند الله ورسوله لذلك ، وكذلك اتباع الظنون وما تهوى الأنفس حتى يصير كثير منهم مديناً باتباع هؤلاء فى هذه الأمور المشروعة ، وحتى يصير فى كثير من المتفقهة والمتعبدة من الأهواء من جنس ما فى أهل الأهواء الخارجين عن السنة والجماعة كالخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم ، وقد قال تعالى " ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بنا نسوا يوم الحساب " ، وكذلك التنازع والتفرق والاختلاف المخالف للاجماع والائتلاف حتى يصير بعضهم يبغض بعضاً ويعاديه ويحب بعضاً ويواليه على غير ذات الله ، وحتى يفضى الأمر ببعضهم الى الطعن واللعن والهمز واللمز وببعضهم الى الاقتتال بالأيدى والسلاح وببعضهم الى المقاطعة حتى لا يصلى بعضهم خلف بعض ، وهذا كله من أعظم الأمور التى حرمها الله ورسوله . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.