في الأول من نوفمبر الجاري، أعلنت "الجبهة السلفية" في مصر عن مظاهرات يوم 28 من نفس الشهر، والتي أطلقت عليها اسم "انتفاضة الشباب المسلم". وتعرف الجهة الداعية لهذه التظاهرات نفسها عبر صفحتها على موقع "فيس بوك" بأنها "رابطة تضم عدة رموز إسلامية وسلفية مستقلة؛ كما تضم عدة تكتلات دعوية من نفس الاتجاه ينتمون إلى محافظات مختلفة في جمهورية مصر العربية"، غير أن هذه الجهة لا تحظى بدعم ما يسمى ب "الدعوة السلفية " و حزب النور السلفي المنبثق عنها، ولا يعرف على وجه الدقة حجم وتأثير تلك الجهة. وربما دفعت هذه الحالة من "الضبابية" المتعلقة بالجهة الداعية الإعلام إلى تضخيم الدعوة، فرغم أن لها "أبا" عرف منذ إطلاقها، إلا أنه على مدى 22 يوما لم ينشغل كثيرا بهذا الأب، وبحث لها عن أباء آخرين، كان الإخوان المسلمين على مدى 21يومًا، ثم دخل اليوم على خط التبني الرمزان الليبراليان محمد البرادعي ووائل غنيم، بحسب وكالة "الأناضول". وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين رسميا اليوم الأحد، تأييدها للدعوة دون الإعلان عن تلبيتها، غير أن الصحف وبرامج "التوك شو" التلفزيونية، اجتهدت خلال الفترة الماضية في ربط الدعوة بالإخوان، وكأنهم أصحابها. وحملت "مانشتات" الصحف عناوين مثل: "28 نوفمبر نهاية الدعوات الإخوانية للحشد"، " الإخوان تبدأ الحرب النفسية قبل 28 نوفمبر"، "فيديو يكشف : الثورة الإسلامية مخطط إخواني منذ ثورة يناير". ورغم أن بعض مما جاء في تفاصيل هذه العناوين وما حملته برامج "التوك شو" من مبالغات لا تبدو متسقة مع العقل والمنطق، إلا أن ربط الدعوة بالإخوان قد يكون له مبررا، من منطلق أنهم أصحاب مصلحة، فأغلب قادتهم وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي والمرشد العام للجماعة محمد بديع في السجون، كما جرى تصنيفهم قضائيا كجماعة إرهابية وتم حل حزبهم السياسي "حزب الحرية والعدالة" في نهاية أغسطس الماضي. ولكن الملفت هو محاولة الربط بين ظهور وائل غنيم ومحمد البرادعي في حلقات نقاشية بأمريكا، تطرقت للأوضاع في مصر، وبين مظاهرات 28 نوفمبر، رغم أنهما لم يشيرا إليها من قريب أو بعيد. وحل وائل غنيم يوم الأربعاء الماضي ضيفا على قمة "رايس أب" التي تنظمها مؤسسة "فيوجن" الأمريكية، وتحدث عن الأوضاع في مصر قائلا : "مصر ليست فى حالة كنا نطمح أن نراها عليها.. لكن هناك شيئا ما مفاده أن التغيير يمكن أن يكون تدريجيا، وأن الثورات عمليات مرحلية، ومن أجل هذا ينبغي أن نستمر في النضال من أجل القيم". وبعده بيوم، حل محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية السابق، ضيفا على "معهد السياسة" التابع ل"كلية كينيدى" للإدارة الحكومية بجامعة "هارفارد" الأمريكية، وتطرق في محاضرة ألقاها هناك مساء الخميس الماضي إلى الأوضاع في مصر. وقال : "لا أستطيع أن أقول أن مصر أصبحت دولة ديمقراطية بمعنى الكلمة، لأن الديمقراطية ليست ك"السعال" تأتى في لحظة أو كالقهوة سريعة التحضير، ولن نستطيع أن نصبح دولة ديمقراطية بين ليلة وضحاها، لأن الديمقراطية ثقافة تكتسب بمرور الوقت، والعيش فى أجواء ملائمة لذلك". ولا يبدو في كلام البرادعي وغنيم، أي تلميح إلى 28 نوفمبر، إلا أن هناك احتفاء مبالغا فيه بتصريحات لناشطة سياسية قدمت هذا الربط في مداخلة مع أحد البرامج التلفزيونية. وتناقلت صحفا ومواقع الكترونية، تصريحات للناشطة السياسية داليا زيادة، مدير المركز المصري للدراسات الحرة، زعمت فيها أن "تصريحات الدكتور محمد البردعي حول الأوضاع في مصر يأتي محاولة منه لإثبات وجوده على الساحة الدولية وتمهيدًا لعودته للمشاركة في أحداث 28 نوفمبر الجاري". وأضافت زيادة، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "الحياة اليوم" المذاع عبر فضائية "الحياة"، أن البرادعي وجه رسالة للشعب المصري ظاهرها إيجابية إلا أنها حوت بداخلها "سم" كثير، قائلًة: " البرادعي قال في تصريحاته إن الديمقراطية لم تكتمل بعد في مصر في إشارة إلى النظام المصري الحالي غير ديمقراطي". ولفتت مدير المركز المصري للدراسات الحرة، إلى أن مؤسسة "هيومن رايتس ووتش" قامت بإرسال مراقبين لمتابعة أحداث 28 نوفمبر المرتقبة، قائلًة: "وائل غنيم سيعود إلى مصر للمشاركة في أحداث 28 نوفمبر تمهيدًا لإحياء ذكرى 25 يناير (الثورة التي أطاحت بنظام حسني مبارك في عام2011) والقيام بثورة أخرى". وهاجم الإعلامي أحمد موسى هو الآخر، عبر برنامجه على فضائية "صدى البلد"، ظهور محمد البرادعي قبل أيام من 28 نوفمبر، وقال: " البرادعى متواجد بأمريكا لمدة 3 أشهر من الآن للتحضير لما يسمونه بالثورة". وأمس ربط برنامج "90 دقيقة" على قناة المحور الخاصة بين ظهور وائل غنيم ومظاهرات 28 نوفمبر، وحملت فقرة قدمها البرنامج عنوان " قبل أيام من 28نوفمبر.. وائل غنيم يعود من جديد ". ويعرف عن محمد البرادعي ووائل غنيم، أنهما من رموز التيار الليبرالي في مصر، فالأول هو مؤسس حزب الدستور ذو التوجه الليبرالي، وكان أحد الرموز السياسية التي شاركت في مشهد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي يوم 3 يوليو من العام الماضي. أما وائل غنيم فلم يعرف عنه أي انتماءات للتيار الإسلامي، وأعلن عن تأييده لعزل محمد مرسي في حسابه على "تويتر" في 3 يوليو من العام الماضي، ثم التزم الصمت طوال الفترة الماضية، قبل أن يعود للحديث مجددا يوم الأربعاء الماضي في قمة "رايس أب" التي تنظمها مؤسسة "فيوجن" الأمريكية. وهو ما يجعل محاولات الربط بين ظهورهما ومظاهرات 28 نوفمبر مثيرة للدهشة، لاسيما أن الاثنين منفصلين فكريا عن أهداف الدعوة، كما أنهما ليسا أصحاب مصلحة من تلك التظاهرات مثل الإخوان.