حالة من الفزع تجتاح التركيبة السياسية والإعلامية للسلطة من مظاهرات دعا لها نشطاء إسلاميون يوم 28 نوفمبر.. وليس من الواضح ما إذا كان الفزع بسبب المظاهرات المتوقعة فى حد ذاتها أم بسبب أنه سترفع المصاحف خلالها؟! الإعلام المؤيد للنظام، استدعى مشايخ ودعاة من نجوم الفضائيات، لتقبيح صنيع المتظاهرين المحتملين، بلغت حد أن ناشد أحدهم وهو داعية أزهرى وناشط سياسى فى ذات الوقت "المتظاهرين بعدم رفع المصاحف لأنهم أنجاس والمصاحف لا يمسها إلا المطهرون، لأنها انتفاضة شواذ وليست إسلامية" بحسب قوله نصًا فى برنامجه على قناة "التحرير" المحسوبة على الكنيسة المصرية! ويبدو لى أن الفزع يرجع لأسباب مركبة ومتداخلة، فالتحضير للمظاهرات جاء فى توقيت بدأت فيه الكتلة الصلبة التى اعتمد عليها النظام، فى التعبير عن تذمرها من أدائه، بل إن ظهيره الإعلامى لم يعد موحدًا، فى لغته وخطابه التبريرى لممارسات السلطة، حتى لو كانت ضعيفة وكارثية.. بل إن بعضهم يطرح أسئلة لا تخلو من إحساس بالمرارة من أداء السلطة، خاصة فيما يتعلق بالجانبين الحقوقى والإنساني.. وذلك بالتزامن مع عودة ظهور الدكتور محمد البرادعى ووائل غنيم، بشكل قد يستدعى إلى ذاكرة السلطة "القلقة" و"المتوترة".. مشاهد ما قبل ثورة يناير 2011.. فى الوقت الذى بدت فيه "الرئة الخليجية" التى يتنفس منها نظام 3 يوليو، ويستمد منها بقاءه.. "متعبة" ومثقلة بتحديات خليجية أكبر وأخطر.. وشاءت التخفف من "العبء المصري"..وهو ما كان واضحًا فى مفردات البيان السعودي، الموجه إلى مصر قيادة وشعبًا.. بعد انقضاء "القمة الخليجية" والتى توجت على غير المتوقع بما يشبه انتصارًا سياسيًا للدوحة، وانفتاح العواصم الخليجية عليها على نحو أربك حسابات قوى 30 يونيو فى الداخل المصري.. وجعلها تتخبط بشكل قد يحرج السلطة مع حلفائها الخليجيين.. ويبدو أن ما يفاقم حالة الفزع من 28 نوفمبر، هو ما أحسبه جانبًا أخلاقيًا، قد يضع النظام فى مواقف شديدة الحرج.. إذ لأول مرة ستكون الشرطة فى مواجهة "المصاحف".. وهى على الصعيد الدينى قد تردع داخليًا قسوتها فى التصدى للمتظاهرين.. وليس بوسع أحد، أن يضمن خلو المشهد، وسط الفوضى والتوتر والعصبية، من تسجيل مشاهد قد تستفز الرأى العام المسلم، وتحرضه ضد الدولة وأجهزتها الأمنية، حال التقطت صور تعتبر تعديًا على المصاحف وليس على المتظاهرين. الوضع إذن من حيث الاضطراب السياسى والإعلامى والاقتصادى والإقليمى والأمنى من جهة.. ودخول المصاحف كأداة جديدة لإحراج السلطات الأمنية.. وإضافة المزيد من ممارسات متوقعة ومستفزة للرأى العام من جهة أخرى.. يجعل فعلاً مظاهرات 28 نوفمبر.. دقيقة وحساسة، وأيا ما كانت نتائجها، فإنها أحد أبرز نتائج قانون التظاهر.. الذى جعل من التظاهر جريمة.. ما حمل المتظاهرين على التمترس خلف المصاحف.. وهى معضلة لا أدرى كيف ستتصدى لها السلطة وهى على توترها وعصبيتها؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.