مَن كان يتوقّع أن يختلطَ هديرُ الدم العراقيّ بهدير دجلة ؟!.. حين يتفكّك الدم إلى ماءٍ وسراب.. لنا أن نتوقّع وقوعَ ما لا يخطر على قلب بشر !.. يوم كان دجلةُ يتقلّب في نعيم مائه الزلال.. كان ابنُ بغداد لا يشمّ إلا رائحة زهر النارنج، ولا يرى إلا الأخضر الخصب والنخيل السامق، ولا يسمع إلا صوت (الرشيد) يزلزل أركان الروم والفُرس، فيكفّهم صاغرين، عن أمّةٍ ارتقت إلى أعلى درجات الحضارة والتحضّر والعلم والمعرفة !.. وهل الذين قتلوا تلك الشابة السامرّائية.. لا يعرفون أنهم أرادوا ذبح (روح) الكاتبة والصحفية والمراسِلة (أطوار) وجوهرها العراقيّ الأصيل ؟!.. إنها (أطوار)، التي اقتحمت المخاطر، لتزرعَ في كل أرضٍ عراقيةٍ ورقةً من أوراق بنفسجها، ليبقى العراق موحَّداً بوجه الريح الصفراء القادمة من الشرق، والريح الحمراء القادمة من الغرب !.. (أطوار)، هي التي نافحت عن الفلوجة، كما دافعت عن النجف.. ودوّى صوتها العراقيّ الأصيل في سامراء، كما دوّى في كربلاء.. لكن الشابّة (أطوار) هذه، أرادتها الأيادي الآثمة والعقول الخاوية.. موؤودةً تحت التراب السامرّائي، المجبول بالدم العراقيّ، والمتشرّب دموعَ الثكالى والأيتام والمقهورين، وأهات ضحايا الديمقراطية الأميركية وحكومتها العميلة !.. الذين ذبحوا العراق.. هم الذين ذبحوا (أطوار)، وهم الذين دمّروا القُبَّةَ الذهبية، ليُشعلوا فتيل الفتنة.. إنهم صُفْرُ فارس، المستمسكون بمدافع المحتلّ، والمتسلّقون أسوارَ بغداد بالحبال الأميركية الصهيونية !.. دمّروا القُبَّة، وسرقوا الذهب، ثم تطايرت التصريحات اللئيمة من تحت العمائم السوداء، ليتطاير الرصاص في كل اتجاهٍ يُفضي إلى عراقيٍ سُنّيٍ من أبناء العراق الأشمّ.. فكان الانتقام عاماً على الهوية، موجَّهاً مخطَّطاً مُدبَّراً هادفاً حاقداً.. أتى على عشرات المساجد والمنازل والمتاجر، وأرواح مئات المسلمين العراقيين !.. كيف يمكن لمسلمٍ يملك ذرةً من إسلامٍ أو شرف.. أن يُمسك بكتاب الله عز وجل، لِيُشبِعَه تمزيقاً وتحريقاً وإهانة ؟!.. أينتصرون للقبور، بتمزيق المصاحف وتدمير بيوت الله، والعبث بالمقدَّسات ؟!.. أية حكومةٍ هذه التي تُشرِف على إبادة أبناء شعبها ومقدّساتهم وقرآنهم.. بهذا الحقد، وهذا التخطيط، وهذه الخطوات المشبوهة ؟!.. ما الذي يجمع بين مَن مزّقوا كتاب الله في بغداد أو غوانتانامو أو تل أبيب أو باغرام كابول أو كوبنهاغن الدانمارك ؟!.. أليس هو الحقد الأعمى، واللؤم والشؤم والتعطّش للانتقام والدماء، ولإهانة هذه الأمة، وإذلال مقدّساتها ؟!.. ما الذي يميّز أصحاب الرسوم المسيئة لخير البريّة صلى الله عليه وسلم في أوروبة.. عن الذي داهم مساجد بغداد، ليدوسَ قداستها، ويعتديَ على حُرُماتها وآيات قرآنها ؟!.. أوَبعد ذلك كله، يريدوننا أن نقتنع بأنّ هؤلاء الهولاكيين الهمجيين.. مسلمون حقيقيون ؟!.. وهل لهذه الأفعى الطائفية المُغرِقَة في الحقد والعَمى.. من حدود ؟!.. وقد توغّلت بحماية الحِراب الأميركية الصهيونية.. فاجتاحت بغداد.. ثم انطلقت إلى دمشق، تجميعاً وتجنيساً ودعماً ديموغرافياً للطائفيين.. وامتدّت إلى لبنان !.. وما معنى أن يُرفرف عَلَمُ (حزب الله) بدل علم (لبنان) في مؤتمر اتحاد المحامين العرب، الذي انعقد مؤخراً في دمشق ؟!.. وما معنى أن يزور (مقتدى الصدر) دمشق، ثم يخطف زيارةً منها إلى طهران، ثم يعود إلى دمشق، ثم يؤوب إلى بغداد، ليشارك في العدوان على بيوت الله وبيوت المسلمين ومقدّساتهم ؟!.. وما معنى أن يزعل (بشار الأسد) في دمشق، فينسحب خمسةٌ من وزراء حزب الله وحركة أمل من اجتماعات الوزارة اللبنانية ؟!.. وهل يمكن أن يكون في منطقتنا أخطر من هؤلاء على بلادنا وأوطاننا وشعوبنا، وهم يمارسون حقدهم وجرائمهم ومؤامراتهم في وضح النهار ؟!.. قد يرمينا بعضُ المتسرّعين بالطائفية، لأننا نُشخّص المرضَ الطائفيّ الذي يجري حقيقةً واقعةً على الأرض، وعلى مدار الساعة.. لكنّ هؤلاء المتَّهِمِين يغيب عنهم الفرق الشاسع، بين مَن يمارس الطائفية بأبشع صورها وأشكالها، كما يفعل الذين ذكرناهم جميعاً.. وبين مَن يفضحها ويقاومها ويحذّر الناسَ من جرائرها وجرائمها، كالذي نفعله ونقوم به.. فهل من مُتَّعظٍ أو حكيمٍ عاقلٍ يعي حقيقة ما يدور، من استهداف حاضرنا ومستقبلنا ؟!.. وهل ستبقى الحقائقُ حبيسةَ الادعاء بالعقلانية، والتوهّم بأوهام التعقّل والكياسة، وقد وصلت الريح الصفراء إلى منابرنا ومساجدنا ومصاحفنا.. وحرائرنا ؟!.. ذبحوا (أطوار)، التي كانت قلماً وكلمةً تفضح المحتلّ، وتُشَهِّر بزبانيته، ولأنها ما كانت تميّز بين الأعظمية والكاظمية، ولا بين الكوفة وتلّعفر، ولا بين الكرخ والرصافة، ولا بين أربيل والبصرة والأنبار !.. قتلوا (أطوار)، ليغتالوا باغتيالها رمزاً من رموز الوحدة الوطنية العراقية، التي امتدّت آلافاً من السنين الغابرة.. فمضت ابنة سامرّاء ذبيحة الكلمة الحق.. لكنّ أوراق بنفسجها بقيت تزيّن أرضَ العراق، وتتمايل على صوت هدير دجلة، وتتزوّد من عذوبة الفرات، وتتعطّر بعبير ثرى العراق، ويتطاول نُسغها إلى نجوم السماء البغدادية !.. أيها المسلمون : احذروا الريح الصفراء القادمة من أوكار الشرق الظلامية، والممتدة إلى جحور الطائفيين في العراق وسورية ولبنان.. فهي أشد خطراً من الريح الحمراء القادمة من الغرب.. وفي كلٍ.. خطر ودمار وخراب وبَوار وزوال، وانكشاف لظَهرِ هذه الأمة !.. أيها الحكام والمحكومون : احذروا زُرّاعَ الفتنة الطائفية، وسماسرةَ الإبادة والتطهير العرقيّ الطائفيّ.. وإلا، فسنشهد تدميراً مفتَعَلاً لبقية القباب الذهبية.. والحجرية، ثم ستعيش أمّتنا ومقدّساتنا ومساجدنا ومساكننا وأوطاننا.. أياماً حالكة، ما شهدتها يوم اجتاح (هولاكو) بغداد، واستباح فيها البشر والحجر والشجر !.. اللهم هل بلّغت ؟!.. اللهم فاشهد !.. * كاتب سوري