السيادة مفهوم قانوني وسياسي يتعلق بالدولة بوصفه أحد أهم خصائصها الرئيسية. ومفهوم سيادة الدولةيرتبط بمفهوم استقلال الدولة. فالدولة المستقلة هي الدولة السيدة، القادرة على ممارسة مظاهر سيادتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، بحرية تامة، دون أدنى تدخل أو ضغط خارجي. وعلى ذلك؛ فداخلياً، السيادة تعني السلطة العليا والمطلقة التي تتمتع بها الدولة؛ لمزاولة وظائفها؛ وممارسة صلاحياتها داخل إقليمها، دون منازعة أو تدخل من أية دولة آخرى، وهذا ما يطلق عليه مسمى السيادة الاقليمية. أما خارجياً، فالسيادة تعني الأهلية الدولية التي تتمتع بها الدولة لتكون طرفاً في علاقات خارجية، ومن ثم التعامل على قدم المساواة، بندية وتكافؤ مع الدول الأخرى علي الصعيد الدولي. والذي يعنينا في هذا المقام هو السيادة الإقليمية للدولة على إقليمها بما عليه ومن عليه. تلك السيادة التي تعطيللدولة الحق في التشريع، والحق في تطبيق قوانينها، والحق في محاكمة الأشخاص وطنيين وأجانب داخل إقليمها الوطني، وأمام قضاءها الوطني، وهذا ما يعرف قانوناً بمبدأ إقليمية القوانين. ومبدأ إقليمية القوانين يعني أن القانون مقيد في نطاق تطبيقه بحدود الدولة التي أصدرته، حيث يطبق على جميع القاطنين بإقليمها من مواطنين وأجانب، وعلى جميع الوقائع التي حدثت على أرضها بصرف النظر عن جنسية أطرافها. أي أن قانون الدولة يسري على جميع العلاقات والوقائع التي تتم على إقليمها، مما يُعد معه تطبيق قوانين الدول الأخرى على ما يقع في إقليمها اعتداءً على سيادتها. وإذا كان تأصيل مبدأ إقليمية القوانين يستند إلى فكرة السيادة، فإنه تاريخياً يرجع إلى اعتبارات العزلة والانكماش التي كانت تسود علاقات الدول في الماضي، مما دعا كل دولة إلى التمسك بتطبيق قوانينها على كل من يوجد على إقليمها من وطنيين وأجانب. ولكن في ظل التقدم الصناعي الهائل، وثورة الاتصالات الحديثة، وتحول العالم إلى قرية صغيرة يسهل الاتصال والانتقال بين أرجائها، اتسع نطاق العلاقات بين الدول، ونزح الكثيرون من بلادهم إلى دول أخرى؛ سواء للعمل، أو للسياحة، أو للدراسة، أو للاستثمار، أو للمرور، أو التمثيل الدبلوماسي...الأمر الذي استوجب التخفيف من حدة إعمال مبدأ إقليمية القوانين، والبحث عن وسيلة أخرى يراعي في ظلها الجانب الإنساني والاعتقادي والاجتماعي الخاص بالأجانب، ويمكن من خلالها تطبيق قانون دولة ما خارج إقليمها؛ وهو ما أدى إلى ظهور مبدأ شخصية القوانين. ومبدأ شخصية القوانين: يعني أن قانون الدولة يطبق فقط على مواطنيها الذين يحملون جنسيتها، سواءً وجِدوا داخل الدولة أو خارجها، فهو يعني من ناحية أن القانون الوطني يطبق فقط على مواطنيها المقيمين على أرضها ولا يطبق على الأجانب المتواجدين فيها، ومن ناحية أخرى يعني امتداد قانون الدولة ليطبق على مواطنيها المقيمين بالخارج.غير أن إعمال هذا المبدأ على إطلاقه ينطوي على خطورة كبيرة؛ إذ سيؤدي إلى تطبيق قوانين أجنبية على الأجانب المقيمين على أرض الدولة؛ مما قد يمثل انتهاكاً لسيادتها وإخلالاً بأمنها. ولذلك، وحرصاً على تكريس سيادة الدولة على إقليمها، وأيضاً حرصاً على الجوانب الإنسانية والاعتقادية والاجتماعية الخاص بالأجانب، وتفعيلاً للعلاقات المتشعبة والمتبادلة بين الدول وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل، نجد غالبية دول العالم تعتنق وتطبق مبدأ الإقليمية كمبدأ أساسي وكأصل عام، حيث تبسط قوة قوانينها على كامل إقليمها، على كل من يوجد فيه سواء وطنيين يحملون جنسيتها أو أجانب، وفي نفس الوقت تأخذ بمبدأ شخصية القوانين كاستثناء تعالج به تقدير بعض الحالات التي تسترعي ذلك، ومثالها:تَمَتُع رؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسيةبالحصانة القضائية والدبلوماسية، ومن ثم عدم خضوعهم لولاية القضاء والقانون الوطني للدولة التي يزاولون عملهم البلوماسي فيها.ومثلها أيضاً: مسائل الأحوال الشخصية كالطلاق والنفقة وغيرها... حيث لا يخضع الأجانب بصددها للقانون الوطني، بل يخضعون لقانون دولهم. وهناك استثناء ثالث يأخذنا مباشرة إلى سبب وباعث تحرير هذا المقال، فوفقاً لمبدأ الإقليمية، قانون الدولة – كما تقدم- يطبق على إقليمها فقط بمن عليه من وطنين وأجانب، وفي نفس الوقت فإن قانون الدولة لا يتجاوز حدود إقليمها ولا يطبق خارجه، ولكن استثناء من هذا الأصل العام، وحماية للمصالح الوطنية للدول، فيما يتعلق بإعمال النصوص العقابية فإن من حق الدولة عقاب كل من يرتكب في الخارج جريمة تمس أمن واستقرار الدولة أياً كانت جنسيته، أي سواء كان من المواطنين أم من الأجانب، مثل جرائم التجسس والإرهاب وغيرهما... أي أن للدولة الحق في تطبيق قانونها خارج إقليمها أيضاً في مواجهة الأجنبي الذي ارتكب في الخارج جريمة تمس أمنها. وعليه، إذا كانت كل دول العالم بلا استثناء تقريباً تُعلى من شأن سيادتها الإقليمية، واستقلالها التام بشأن إعمال قوانينها، على أرضها، على القاطنين بها، أجانب قبل المواطنين، كما أنها وحماية لهذه السيادة الوطنية يمكنها أن تلاحق ولو في الخارج أي أجنبي ارتكب جريمة تمس أمنها وسلامة أراضيها...فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، مؤداه: هل راعى القائمين على التشريع في مصر حالياً هذه المبادئ التي تكرس لحماية السيادة الوطنية المصرية، وتُمَكِن من ملاحقة وعقاب كل أجنبي ولو كان خارج مصر ارتكب ما يضر بمصالحها؟ وهل راعي القائمين على التشريع الاختصاص الدستوري والقانوني الأصيل للقضاء الوطني المصري المستقل بمحاسبة ومعاقبة كل أجنبي يقطن بمصرً وقد ارتكب ما يستوجب ملاحقته وعقابه، أم أن الأمور جرت على خلاف ذلك بشأن القانون الأخير الذي يسوغ لرئيس الجمهورية الموافقة على ترحيل الأجانب دون استكمال التحقيق معهم ومحاكمتهم عما اقترفوه في حق الدولة المصرية؟ هذا ما سنجيب عنه تأصيلاً وإسناداً في الجزء الثاني من هذا المقال إن شاء الله تعالى.